رغم تعدد التبعات السلبية لتحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر الماضي، استجابة لأحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي مقابل قرض قيمته 12 مليار دولار، إلا أن بارقة أمل بدأت تلوح في الأفق بعد زيادة معدل تحويلات المصريين بالخارج.
وتعد التحويلات من أهم مصادر العملة الأجنبية للبلاد، حيث يقدر عدد المصريين العاملين في الخارج بنحو 8 ملايين مصري، يتواجد حوالي 70% منهم فى دول الخليج العربي، و30% في أوروبا ودول أمريكا الشمالية، وتعتبر مصر من أكبر الدول العربية التي تتلقي تحويلات سنوية والسادسة على مستوى العالم.
إلا أن الإقبال عليها كان ضعيفا للغاية، بسبب الفرق الكبير بين سعر الدولار في البنوك والسوق السوداء، وهو ما تغير بعد تحرير سعر الصرف، حيث زادت التحويلات.
البنك المركزى أعلن ارتفاع إجمالى تحويلات المصريين العاملين بالخارج، خلال شهر ديسمبر 2016، لتصل إلى نحو 1.6 مليار دولار مقابل نحو 1.4 مليار دولار خلال شهر ديسمبر 2015، بمعدل زيادة 15.4٪.
وبهذا يرتفع إجمالى تحويلات المصريين العاملين بالخارج في الربع الأخير من 2016 إلى 4.6 مليار دولار، بزيادة 11.8% من 4.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2015، منها 3.3 مليار دولار في شهرى نوفمبر وديسمبر، أي بعد تعويم الجنيه.
ولليوم الثالث على التوالي، انخفض سعر صرف الدولار حتى وصل دون مستوى 18 جنيها في البنوك الحكومية والخاصة خلال تعاملات اليوم الخميس.
وتشير توقعات المحللين والخبراء إلى أن الدولار في طريقه للانخفاض بشكل تدريجي خلال الشهور المقبلة، مع تحسن التدفقات الدولارية القادمة من الخارج، سواء في شكل قروض أو استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة. الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أكد أن "تضاعف العائد" بعد تعويم الجنيه هو السبب الأساسي لزيادة تحويلات المصريين في الخارج، لأن من كان يرسل 100 دولار أصبح يعادل نحو 1800جنيه، مشيرًا إلى أن انخفاض سعر الدولار في البنوك كان سببًا في تراجعها قبل تحرير سعره.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن زيادة هذه التحويلات أمر مهم للغاية في الوقت الحالي، ويمكن أن تفيد الاقتصاد المصري بشكل كبير، من خلال الاعتماد عليها في زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي بدلًا من الاعتماد على القروض التى نحصل عليها من الخارج.
وتوقع فهمي، الإقبال على شهادات" بلادي الدولارية" التي سبق وأصدرها البنك المركزي، بعد ارتفاع قيمة تحويلات المصريين في الخارج، بسبب ارتفاع سعر الدولار، كما أنه سيكون هناك نوعا من الثقة لأنها شهادات تابعة للحكومة.
وقال الدكتور يسري طاحون ، أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا، إن هناك أوجه متعددة للاستفادة من زيادة هذه التحويلات، ومنها أن تذهب هذه الحصيلة لتوفير الاحتياجات الأساسية للبلاد وأولها توفير المستلزمات الخاصة بشركات القطاع العام.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن ذلك يساهم في القضاء على الطاقات العاطلة وتوفير العملة الصعبة للقطاع الخاص العامل في الصناعة التحويلية، بالإضافة إلى توفير مكونات الأعلاف والأسمدة المستوردة ..الخ.
وأكد طاحون على ضرورة أن تكون السياسات المالية والنقدية والاقتصادية للحكومة في ظل زيادة تحويلات المصريين في الخارج، لتشجيع إنتاج ما نحن في حاجة إليه ونستورده من الخارج في المجالات الصناعية والزراعية والانتاج الحيواني، وألا تذهب إلى تمويل مشروعات لسنا في حاجة إليها في الوقت الحالي مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
سعد إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة 6 أكتوبر، قال إن زيادة النقد الأجنبي في مصر يعتمد على عوامل منها حجم الصادرات والسياحة وعوائد قناة السويس والاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى تحويلات المصريين بالخارج.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن أي تغير إيجابي في أحد هذه العوامل يكون تأثيره إيجابيا على قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، واصفًا زيادة تحويلات المصريين بالخارج بمثابة "قبلة حياة" للجنيه الفترة القادمة.
ورأى أن ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار اليوم مؤشر جيد، والسبب فيه انخفاض الواردات الترفيهية بشكل كبير وانتعاش السياحة إلى حد ما بالإضافة لزيادة التحويلات، مطالبًا الدولة ببعض التحفيزات لتشجيع العاملين في الخارج للتحويل عن طريق النظام المصرفي الرسمى الفترة المقبلة.
وأكد إبراهيم أنه لا يمكن الحديث عن نجاح التعويم في الوقت الحالي حتى بعد انخفاض الدولار وزيادة التحويلات، ولكن الحكم عليه بذلك يكون عند استقرار الدولار على سعر عادل وطبيعي أمام الجنيه، وهذا السعر يفترض أن يتراوح بين 13 و14 جنيه.
وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، رأى أن ارتفاع حصيلة تحويلات المصريين بالخارج عن طريق القطاع المصرفي لا يعنى حلا للأزمة أو التأثير على قيمة الجنيه وتحسنه أمام الدولار.
وأضاف النحاس، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن الأزمة ليست في زيادة التحويلات عبر القطاع المصرفي أو عن طريق السوق السوداء، ولكن الأهم هو توفر النقد الأجنبي للدولة نفسها.
وأشار النحاس، إلى أن ارتفاع الجنيه مقابل الدولار اليوم، ليس سببه زيادة التحويلات، ولكن لتوقف المستوردين المصريين الفترة الماضية وتوقف التبادل التجاري مع الصين خلال شهر فبراير وتوقف جميع الأعمال في العاصمة الإدارية، وهو ما يقلل الضغط على العملة الأجنبية، لذا من الطبيعي انخفاض الدولار.
وذكر أن الحكومة حصلت من أكتوبر وحتى الآن على قروض وباعت سندات تجعل الاحتياطي النقدي يصل إلى 32 مليار دولار، بينما الأرقام المعلنة من البنك المركزي بلغت حوالي 26 مليار دولار، أى أن هناك 6 مليارات دولار تصرفت فيهم الدولة لتقليل تراجع الجنيه.
ووفقًا لما سبق فإن الدولار يفترض أن يكون سعره الحالى 13 جنيها، وهو لم يحدث بعد بينما لا يزال في منطقة الـ 18 جنيها، حسب النحاس.
وأظهرت بيانات البنك المركزي، الأحد الماضي، ارتفاع صافي الاحتياطي النقدي لديه بحوالي 2.1 مليار دولار خلال يناير الماضي، ليصل إلى 26.3 مليار دولار مقابل 24.2 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2016.
" آلان سانديب"، رئيس الأبحاث لدى نعيم للوساطة في الأوراق المالية في القاهرة، قال لرويترز إن "الجنيه يرتفع لأن الطلب على الدولار يتباطأ وبخاصة من مستوردي السلع غير الأساسية. كان لدينا الكثير من المتأخرات حتى نهاية العام الماضي لكن تلك المتأخرات تنحسر الآن."
وقال مصرفيون إن هذا الأسبوع شهد أيضا إقبالا كبيرا على شراء أذون الخزانة المصرية وهو ما انعكس على سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وقال أحد المصرفيين لرويترز "بحلول يوم الأحد كان الإقبال الأجنبي على أذون الخزانة ضخما. إنهم يقبلون على الشراء وبكميات كبيرة. يشترون أذون الخزانة التي أجلها ثلاثة وستة وتسعة أشهر وعام. إنهم يشترون كل شيء."
وسجل العائد على أذون الخزانة المصرية التي أجلها ستة أشهر وعام انخفاضا حادا بلغ نحو نقطتين مئويتين حسبما أظهرت بيانات البنك المركزي اليوم الخميس مع اتجاه مزيد من الأجانب لشراء أدوات الدين المصرية.
وقال سانديب "انخفاض العائد يشير إلى زيادة الطلب من الأجانب الذين اشتروا بالفعل أذون خزانة بقيمة 1.15 مليار دولار والرقم مرشح للزيادة."
وتابع: "لقد حرروا سعر صرف الجنيه ويخفضون الدعم ويفعلون كل ما هو صحيح كما ينص عليه الكتاب بشكل أساسي وبما يتماشى مع شروط صندوق النقد الدولي. إنهم يتحركون في الاتجاه الصحيح."