بعد مطالبات بتطبيقها بمصر.. هذه الدول فشلت في خصخصة الكهرباء

هل تبدأ مصر خصخصة الكهرباء؟

يبدو أن المستقبل يحمل مفاجآت غير سعيدة للمصريين، خاصة إذا تعلق الأمر بالمرافق العامة ومنها الكهرباء، أو بقطاع الطاقة بشكل عام.

فالحكومة تسير في خطتها التي وضعتها في 2014،  التي تقضي بتخفيض تدريجي لدعم الطاقة، لتصل قيمته إلى صفر في عام 2019، بالإضافة إلى ما يطرأ من زيادة في الأسعار نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري، مرورًا بزيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع مديونية شركات الكهرباء الحكومية، وأزمة السيولة التي قد توقف عددا من المشروعات في الوقت الحاضر والمستقبل.

أصوات بدأت تظهر هنا وهناك داخل الحكومة تطالب بوضع خطة عاجلة لخصخصة القطاع كله، أو على الأقل قطاع الكهرباء الذي تعتبره الدولة عبئا ثقيلا سيأتي يوم تتخلص منه.

الحكومة المصرية تتبع سياسة الخصخصة منذ عام 1992، فيما سمي وقتها بسياسة الإصلاح الاقتصادي، من خلال مسارين، أحدهما الاعتماد على بيع الأصول بشكل كلي لمستثمر مباشر، ومسار آخر تترك فيه الدولة الإدارة فقط للمستثمر الأجنبي، فيما تحتفظ هي بملكية الأصول.

عالميًا، بدأت خصخصة قطاع الكهرباء، -المعروف دائمًا بأهميته السياسية والاجتماعية والاقتصادية-، في تشيلي عام 1973، ثم تلتها بريطانيا عام 1990.

في تلك الحقبة من القرن العشرين، اجتاح المستثمرون الأجانب البلدان النامية وعددا من البلاد المتقدّمة، بحثًا عن مشروعات في مجالات البنية التحتية، ووصل عدد المشاريع الكهربائيّة الخاصّة بالمستثمرين إلى 600 مشروع، بقيمة استثمارات 160 مليار دولار. 

المشروعات تنوعت بين عقود الإدارة، وتفكيك أصول الدولة، وخطط البناء والتشغيل والاستملاك (BOO)، والبناء والتشغيل والنقل (BOT)، والبناء والتشغيل والاستملاك ثم النقل (BOOT). 

في بلدان كثيرة حول العالم أثبتت خصخصة قطاع الكهرباء فائدتها، لكن في مقابل الفوائد المرصودة، هناك أمثلة تشير إلى صحّة العكس.

المشاكل الحقيقة بدأت في البرازيل، التي باعت قطاع الكهرباء في عام 1995 لعدد من المستثمرين الأجانب، بينهم الشركة الأمريكية "إنرون للطاقة"، التي أعطت فيما بعد نموذجًا تاريخيا في الانهيار الناتج عن الفساد، والتي أنفقت وحدها 3 مليارات دولار لشراء البنية التحتية في البرازيل طوال التسعينيات.

هناك تمت الخصخصة على الطريقة البريطانية، وعقب سنوات من التمتّع بنظام فعّال وبتعريفات منخفضة، انهار النظام في عام 2001 وارتفعت الأسعار ارتفاعاً حاداً، فيما سعى المالكون إلى تدوير الأرباح عوضاً عن استثمارها في طاقة إنتاج جديدة. 

ولم تكن بريطانيا ببعيدة، حين تبين أنه عقب 15 عاماً على الخصخصة، لم تحصل الحكومة إلا على نصف العائدات التي كانت تتوقعها من القطاع، وأدّت التجربة إلى حصول المستثمرين الأوائل في القطاع على أرباح هائلة، فيما زاد الاعتماد كثيراً على الغاز الطبيعي ورفعت الحكومة مستوى إعاناتها. 

أما في الهند، فكانت لها تجربة مريرة في خصخصة الكهرباء بداية تسعينيّات القرن الماضي، فقد وصلت التعرفة إلى مستوى اضطرّت عنده الحكومة إلى إعادة شراء القطاع.

المؤيدون لفكرة الخصخصة، يقولون إن دخول مستثمرين قطاع الكهرباء، يعمل على تحسين مستوى الخدمة، والتغذية الكهربائيّة وخفض الأسعار، بسبب قاعدة المنافسة التي تتسبب في ازدهار الخدمة وتحسين الأسعار.

لكن ما حدث لم يكن كذلك، فقد شهدت عدة بلدان انعكاساً مباشراً لخصخصة الكهرباء على بلدان مثل الأرجنتين، حيث كان الوضع أساساً مزرياً، ووصلت الأحوال في النهاية إلى طريق مسدودة.

في الولايات المتحدة، تحولت خصخصة الكهرباء إلى عتمة في ولاية كاليفورنيا، فبعد 11 عامًا على الخصخصة تبين في عام 2003 أن إمداد الكهرباء محكوم عليه بالفشل الذريع، وحدوث عجز مالي وصلت قيمته إلى 37 مليار دولار.

أما في ولاية مونتانا، فقد أظهرت خصخصة الكهرباء أنها تمثل خطراً حقيقياً على تأمين الطاقة اللازمة للمواطنين من دافعي الضرائب. 

وفي مدينة ألبرتا الكندية، التي قامت بخصخصة قطاع الكهرباء، فقد ارتفعت تعريفة الكهرباء 13 ضعفاً مع حلول بداية الألفيّة الثالثة، واضطرت الحكومة إلى التدخل لدعم المستهلكين عبر مدفوعات مباشرة وصلت إلى 2.3 مليار دولار، وفرض حدّ أعلى للأسعار. 

ولكن في ساحل العاج، أدت خصخصة شركة الكهرباء الوطنية إلى أداء وجدوى أقل في ما يتعلق بالأسعار ومستوى الخدمة، بينما تمتع السكان بتيار كهربائي لا ينقطع طوال 24 ساعة في اليوم. 

في مصر، وعقب حصول الحكومة المصرية على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، قالت مصادر وثيقة الصلة بوزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، إنه قد لا تجد الحكومة أمامها إلا طرح عدد من شركات الكهرباء المصرية في البورصة، تمهيدًا لخصخصتها وبيعها لمستثمر استراتيجي.

يأتي هذا عقب إرسال الحكومة المصرية لخطاب نوايا إلى صندوق النقد الدولي، أكدت فيه التزامها بتخفيض ثم إلغاء الدعم على الطاقة بشقيها (الكهرباء – المحروقات)، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القطاع الحكومي بناء على تقرير يصدره استشاري بحلول أواخر مارس 2017.

هذا قبل أن تقوم الدولة برفع سعر شراء الغاز من الشركات الأجنبية إلى 5.88 دولار للمليون وحدة حرارية، أي أكثر من ضعف الثمن المتفق عليه في 2010، بسعر 2.65 دولار للمليون وحدة حرارية، ما سيرفع الأعباء الحكومية، ويرفع أيضًا فاتورة الكهرباء على الزبون الأكثر استهلاكًا للغاز الطبيعي في مصر.

ومن ناحية أخرى، تضاعفت فاتورة دعم الكهرباء في مصر من 30 مليار جنيه إلى 60 مليارا عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، وهو ما سيؤدي لإعادة تسعير الكهرباء الواصلة للمنازل والمصانع في مصر.

وهي كلها أسباب قد تدفع الحكومة ممثلة في وزارة الكهرباء، إلى التعجيل بطرح شركات بعينها في البورصة المصرية، وإعادة هيكلة شركات أخرى تمهيدًا لخصخصتها.

 

وكانت وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر،  قالت إن الحكومة تسعى لـ"التخارج الجزئي" من شركات وبنوك مملوكة للدولة عبر الطرح العام، مشيرة إلى أنه لأول مرة على الإطلاق سوف يشمل الطرح شركات للمرافق العامة، والتي كانت مستثناة تاريخيًا من البيع باعتباره قطاعًا استراتيجيًا.

 

وحينها قالت مصادر بوزارة الكهرباء إن طرح أسهم الشركات التابعة للوزارة بالبورصة سيقتصر على المحطات الجديدة فقط أو تلك التي تحت الإنشاء، ونفت طرح شركات إنتاج الكهرباء القائمة بالفعل أو شركات التوزيع أو شركة نقل الكهرباء، التي نص قانون الكهرباء الجديد على أنها ستظل ملكا للدولة.

 

وأشارت المصادر إلى أن الوزارة تقوم حاليا باتخاذ خطوات سبق الإعلان عنها لإنشاء ٤ شركات لإدارة الثلاث محطات التي تبنيها شركة سيمنز وشركة رابعة لإدارة محطات الخطة العاجلة التي قامت بها الوزارة لحل أزمة الانقطاعات.

 

مقالات متعلقة