ترامب والطلاق المستعصي بين واشنطن و «الإخوان المسلمين»

صورة أرشيفية

في سياق مساعيه الحثيثة لتوصيل رسائل قوية إلى الأميركيين والعالم، بعزمه على تنفيذ برنامجه الانتخابي، عمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إحياء وتنشيط التحركات السياسية الهادفة إلى إدراج جماعة «الإخوان المسلمين» على اللائحة الأميركية للتنظيمات الإرهابية.

والجدل الأميركي المحتدم بهذا الخصوص ليس وليد اليوم، فإرهاصاته تعود إلى قرابة عامين مضيا، حينما تقدم كل من السيناتور تيد كروز والنائب ماريو دياز بالارت بمشروع قانون، تمَّ رفعه لاحقاً إلى مجلسي الكونغرس تمهيداً لمناقشته والتصديق عليه، في إجراء من شأنه تهيئة الأجواء الكفيلة بوصم تلك الجماعة بالإرهاب.

 

مع بزوغ الملامح الأولية لفريق ترامب الرئاسي، أبدى بعض أعضائه الرغبة في تبني هذا التوجه وتمريره، ومن هؤلاء، مايكل فلين، المرشح وقتذاك، لمنصب مستشار الأمن القومي والذي أعرب عن أمله في إدراج «الإخوان المسلمين» على قائمتي وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

وبدوره، وصف ريكس تيلرسون، المرشح في حينها لمنصب وزير الخارجية، جماعة «الإخوان»، خلال جلسة مجلس الشيوخ للتصديق على تعيينه، بـأنها «بوق للإسلام المتشدد»، مؤكداً أن القضاء على تنظيم «داعش»، يمنح الفرصة للقضاء على التنظيمات الإرهابية الأخرى؛ «التي تستهدف بلادنا وحلفاءنا».

 

وفي السياق ذاته أكد وليد فارس، مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط، وجود توافق بين وزارة الخارجية ووكالة الأمن القومي حول اعتبار جماعة «الإخوان» تنظيماً إرهابياً.

 

كذلك، يسود غالبية طاقم إدارة ترامب وعدداً كبيراً من الجمهوريين اعتقادٌ بأن التدابير التي عكفت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على تبنيها لمكافحة الإرهاب ساهمت في تصاعد وتيرة التهديد الإرهابي الموجه ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

 

واستشهد الجمهوريون في طرحهم هذا بتقرير نشره العام الماضي «مركز الدين والجغرافيا السياسية» في لندن، والذي يرتبط برئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، وجاء فيه أن 50 في المئة من المتطرفين الإسلاميين حول العالم لديهم صلات بجماعة «الإخوان المسلمين» أو بتنظيمات ترتبط بتلك الجماعة.

 

في موازاة ذلك، لا يبدو أن جماعة «الإخوان» والمؤسسات التي تتبعها أو تدور في فلكها قد تترك نفسها لقمة سائغة لمساعي إدارة ترامب لوضعها على لائحة المنظمات الإرهابية.

فبالتوازي مع هجوم الجماعة وأنصارها ضد دونالد ترامب، علاوة على مشاركة عناصر تابعة لها في حملات دشنها معارضون أميركيون للرئيس الجديد، هرع «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا»، إلى إعلان انفصاله عن جماعة «الإخوان المسلمين»، في مسعى منه لتلافي أية تداعيات قانونية أو اقتصادية أو أمنية خطرة يمكن أن تلاحق رموزه في حال نجحت إدارة ترامب في إدراج الجماعة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.

 

بينما دأبت وزارة الخارجية الأميركية على إصدار وثيقة سنوية تتضمن قائمة بالتنظيمات، التي تعدها الولايات المتحدة إرهابية، لم تُدرَج جماعة «الإخوان» ضمن هذه القائمة حتى الآن، في وقت لم تتردد دول مثل روسيا ومصر والسعودية والإمارات، في تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي محظور منذ أعوام عدة.

ورغم قناعة الإدارة الأميركية الحالية بضرورة إدراج «الإخوان المسلمين» ضمن التنظيمات الإرهابية، باعتبار ذلك خطوة تمهيدية لتفعيل الاستراتيجية الأميركية الجديدة الرامية إلى تقويض ما يعتبره ترامب إرهاباً يهدد الأمن الأميركي والعالمي ويتخذ من الإسلام رداءً، تحول تحديات شتى دون ترجمة تلك الخطوة إلى واقع.

 

فمن زاوية، لا يزال الانقسام يسود الكونغرس، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، فضلاً عن باقي أروقة إدارة ترامب في شأن توقيت تلك الخطوة، ما أفضى إلى تيبسها والحيلولة دون استكمالها. ففيما كان الأمر مطروحاً أمام الكونغرس منذ بداية العام 2016، لم يتم اتخاذ قرار حاسم في شأنه حتى الآن. وبينما أكد مايكل فلين أنه قد تم البحث في إدراج الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف مصير مساعي الإدارة الحالية في هذا المضمار.

 

ومن زاوية أخرى، هناك إشكالية إخراج تلك الخطوة عبر آلية قانونية لا تحتمل أي لبس، لشرعنة اعتبار «الإخوان» تنظيماً إرهابياً، عبر مسار يبدأ باقتراح مجلس النواب مشروع قانون في هذا الصدد، تصوت لمصلحته الأكثرية، ثم يمرره مجلس الشيوخ، إلى الرئيس ترامب ليوافق عليه.

ويمهل المشروع وزارة الخارجية الأميركية مهلة ستين يوماً بعد تمريره لتقدم تقريرها إلى الكونغرس، والذي يتعين عليه أن يتضمن ما يثبت أن «الإخوان» لا تمارس أو تدعو إلى أنشطة إرهابية.

 

وفي حال عجزت وزارة الخارجية عن ذلك، سيتعين عليها إدراج الجماعة ضمن التنظيمات الإرهابية، ومن منظور آخر، تستبد بدوائر رسمية أميركية مخاوف من أن يلقي مثل هذا القرار بظلاله السلبية على علاقات واشنطن بعدد من الدول الإسلامية الحليفة لها، والتي توفر ملاذات آمنة لنشاطات قيادات وعناصر جماعة «الإخوان المسلمين»، مثل قطر وتركيا.

 

وغير بعيد عن ذلك التصور، لا تخفي جهات أميركية هواجسها من أن يؤدي تقويض جماعة «الإخوان»، التي ما برحت دوائر أميركية تعتبرها ممثلاً للإسلام المعتدل، القادر على التصالح مع الحداثة والعلمانية وهضم قيم الليبرالية والديموقراطية، إلى الحد الذي ربما يقترب، إذا ما تهيأت له الظروف، من ذلك الذي تمثله تجربة حزب «العدالة والتنمية» في تركيا، إلى فتح الأبواب أمام تغول تنظيمات الإسلام الراديكالي الأكثر تطرفاً، والتي تتمظهر حركياً في «داعش»، و «جبهة النصرة» وأمها «القاعدة»، وغيرها.

 

ولعل أصواتاً متنفذة داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية، لا تزال ترى أن الوقت لم يحن بعد لطيّ صفحة القران المزمن والشائك مع التنظيم «الإخواني» والتفريط في ما يعرف بـ «ورقة الإخوان المسلمين»، ومن ثم فإنها تراهن على فاعلية الاستراتيجية القديمة الجديدة، التي طالما درجت إدارات أميركية متعاقبة، على انتهاجها في ما يخص التعاطي مع «الإخوان»، والتي ترمي إلى احتوائها بكل تشعباتها الإقليمية وامتداداتها الدولية، توطئة لتوظيفها في العلاقات المتقلبة مع أنظمة وشعوب العالمين العربي والإسلامي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يتيح لواشنطن، في نهاية الدرب، تعظيم مكاسبها، ويضمن لها حماية مصالحها الاستراتيجية المتشعبة وطويلة المدى في منطقة الشرق الأوسط.

 

نقلًا عن صحيفة "الحياة اللندنية"

مقالات متعلقة