جاءت مُطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسي لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بإصدار تشريع يحدُ من حالات الطلاق في مصر، ككرة اللهب التي أشعلت الخلاف بين مؤسستي الرئاسة والأزهر، ما فتح الحديث حول دوافع الأزمة بين الطرفين، لتطرح تساؤلات عدة حول الأسباب الحقيقة وراء تصاعد وتيرة الخلاف بين الجانبين.
الأزمة الأخيرة، بدأت بُمطالبة " السيسي" لـ" الطيب" بضرورة وجود تشريع يقضي بعدم وقوع الطلاق الشفهي ، للحد من ارتفاع نسبته في المجتمع المصري، الأمر الذي رد عليه عبدالمنعم فؤاد المتحدث باسم الأزهر بمقال ساخر في جريدة " الأخبار" بعنوان" المأذون ليس الحل"، قائلا فيه" الطلاق والزواج أمر شرعي له ضوابط وشروط، ولا تؤخذ فيه آراء فردية مهما كان علو كعب صاحبها"، في إشارة إلى الرئيس السيسي والمطالبين بإلغاء الطلاق الشفوي مثل الدكتور سعد الدين الهلالي والشيخ خالد الجندي المقربين من النظام الحالي.
وتبع سخرية المتحدث باسم الأزهر من طلبات إلغاء الطلاق الشفهي، بيان لهيئة كبار العلماء، أقر فيه بالإجماع وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة عليه، مع ضرورة المبادرة في توثيق هذا الطلاق فور وقوعه، حفاظا على حقوق المطلقة والأبناء، مع إرجاع تزايد نسب الطلاق إلى أوضاع البلاد الاقتصادية، فى إشارة إلى مسئولية الرئيس السيسى عن ذلك، وليس إثبات الطلاق والشهود، على حد قول البيان.
الأمر الذي فتح نيران الهجوم على مؤسسة الأزهر من مؤيدي إلغاء الطلاق الشفهي، واتهام البعض لها بالمزايدة على مؤسسة الرئاسة.
وبلغ عـدد شهادات الطـلاق 199867 عام 2015 مقابل 180344 عام 2014 بزيادة قدرها 19523 حالة بنسبة10,8٪. وتبلغ قيمة استخراج قسيمة الطلاق للمرة الأولى 100 جنيه، بحسب قرار الرئيس بقانون 113 لسنة 2015.
الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء، من جانبه، قال إن الطلاق الشفهي، من الأمور الدينية ، التي لا تخضع لآراء وتوجهات أفراد بقدر ما يحكمها أحكام شرعية، مُشيراً إلى أن الطلاق الشفهي يقع بمجرد استيفائه للأركان والشروط المتعلقة به. وأضاف عمارة، لـ" مصر العربية"، أن رأيه في هذا الصدد لن يختلف عما جاء في بيان هيئة كبار العلماء، رافضاً التعليق على الهجوم الذي يتعرض له الأزهر نتيجة لموقفه الرافض لإلغاء الطلاق الشفهي، كما أوضح أنه رجل دين، لا يلتفت لأي صغائر دون مستوى القضايا الفقهية والدينية.
أما الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو مجمع البحوث الاسلامية ورئيس جامعة الأزهر السابق ، أوضح لـ" مصر العربية"، أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أقرت بوقوع الطلاق الشفهي، ومن ثَم الآثار المترتبة عليه، استناداً لما قاله الأئمة الأربعة " مالك وابن حنبل وأبوحنيفة والشافعي" من قبل في هذا الصدد.
ورفض هاشم، التعليق على هجوم البعض على الأزهر نتيجة لموقفه الأخير ، ولكنه أشار ، إلى أن مثل هذه القضايا تخضع للأمور الفقهية وليس الآراء الشخصية.
فى المقابل، قال الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن بالأزهر، إن الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل، حاول إلغاء الطلاق الشفوى من قبل، إلا أن من وصفهم بـ"لوبى الإخوان" الذى تسلل إلى مؤسسات الأزهر وقتها حال دون ذلك.
وأضاف الهلالي، في تصريحات صحفية، أن إلغاء الطلاق الشفهي هو خطوة عملية في طريق تجديد الخطاب الديني، مُشيراً إلى أنهم يسعون للمصلحة وبناء المجتمع وليس هدم الحياة كما ذكر بيان كبار العلماء.
وحول إذا ما كان للأزمة المثارة على خلفية طلب الرئيس لإلغاء الطلاق الشفهي، ورفض الأزهر، وجه آخر غير الإختلاف حول أمر ديني.، يرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن أزمة الأزهر والرئاسة بشأن الطلاق الشفهي، نتيجة لغلبة المشاكل والضغائن الشخصية على المسائل العامة، مُشيراً إلى أن الرئيس ينفرد ببعض القرارات التي تأتي بكوارث على الدولة، ولا يُبدي الأزهر أي امتعاض. و قال حسن، لـ" مصر العربية"، إن الرئيس في قضية " الطلاق الشفهي" يبدو مُحقاً؛ نتيجة لارتفاع نسبة الطلاق ، مما يعني مزيد من التفكك الأسري والفقر، مُتعجباً من معارضة الأزهر له في هذه النقطة رغم تماشيها مع المصلحة العامة.
وأضاف ، أن القضية ليست صراعاً بين المؤسستين بقدر ماهي مُكايدة من بعض المحيطين بشيخ الأزهر في أسامة الأزهري مستشار الرئيس الديني، لافتاً إلى أن الأزهر في ما يتعلق بقضية " الطلاق الشفهي" بدأ وكأنه جهة رجعية.
وتابع،" استناد الأزهر في هذا الأمر إلى السلف وهو أمر غير منطقي ؛ لأنهم كانوا يجيزوا الطلاق الشفهي؛ لعدم وجود توثيق حينها"، موضحاً أن إقرار بعض المشايخ لشرعية الطلاق الشفهي تسبب في تشريد الآلآف من الأسر؛ لأنه يُعطي رُخصة لأي فرد في تطليق زوجته في لحظة غضب.
ومن جانبه أوضح الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الأزمة المثارة حول قضية إلغاء الطلاق الشفهي، ليس خلفها أزمة سياسية، ولكنها مُجرد اختلاف في التفسير، مُشيراً إلى أن الرئيس طلب هذا الأمر من شيخ الأزهر في شكل" عتاب الأحباب".
وأضاف فهمي، لـ" مصر العربية"، أن الأمر لا يعدوا كونه اختلافا فقهيا، ولكن هناك بعض المحيطين بالجانبين أرادوا اشعال الفتنة بين المؤسستين، وأخذ الأمر شكل المكايدة، مُشيراً إلى أنه في نفس الوقت لا يجب الهجوم على الأزهر.
وتابع،" مهاجموا الأزهر لا يعدون كونهم أنصاف أقلام ، وهم بفعلتهم يسيئون لمصر كلها قبل الأزهر".
فيما قال الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، إن مثل هذه الأزمات لا لزوم لها ولا علاقة لها بالأزمات التي تواجه الدولة ، مُشيراً إلى أن الطلاق الشفهي غير متسبب في ارتفاع نسبة الطلاق.
وأضاف السناوي، لـ" مصر العربية"، أن رأي هيئة كبار العلماء يلتزم بصحيح الدين، وليس هدفه مُكايدة الرئيس أو الدولة، لافتاً إلى أن الإساءة للأزهر الشريف يسحب من رصيد النظام الذي أوشك على النفاذ، وذلك رغم وجود اعتراضات على موقف الأزهر فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني.
وأشار، إلى أن الأمر لا يصل إلى أزمة سياسية،ولكنها تدخل في نطاق " مُكايدة المشايخ" لبعضهم البعض.
وكرد فعل لرفض هيئة كبار العلماء لإلغاء الطلاق الشفهي، يعكف النائب محمد أبوحامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، حالياً على مراجعة كافة الإجراءات القانونية الخاصة بإعادة النظر فى آلية اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء. و قال أبوحامد ، لـ” مصر العربية”، إن الدستور أسند لهذه الهيئة اختيار شيخ الأزهر؛ لذلك يجب أن يكون اختيارها بمعزل عنه، مُطالباً بأن يكون ضمن تكوينها علماء نفس واجتماع و سياسة؛ لتواكب التطور الحياتي.
وأضاف ، أن خطوته ليست نكاية في هيئة كبار العلماء نتيجة لرفضها إلغاء الطلاق الشفهي، ولكنه محاولة لتعديل آليات اختيار أعضائها ؛ ليواكب تشكيلها رغبة الدولة المصرية في تجديد الخطاب الدينى ونشر مزيد من التنوير.
ورفض وكيل " تضامن النواب" ما وصفه بمزايدة هيئة كبار العلماء على الدولة برفضها إلغاء الطلاق الشفهي، دون عرض أدلة شرعية وكذلك اللجوء للتلاسن، مُعلناً استعداده لمناظرة أي من أعضائها ومواجهته بالأسانيد والأدلة الشرعية.