بعد 100 يوم من تعويم الجنيه.. 4 سلبيات اكتوى منها المصريون

الأزمات الاقتصادية تتوالى على كافة القطاعات منذ تعويم الجتيه

عانى المصريون في الـ 100 يوم الماضية من أوضاع  اقتصادية، يعتبرها البعض الأكثر قسوة في السنوات الماضية، فمنذ أن قرر البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر الماضي، وتتوالى الأزمات الاقتصادية على كافة القطاعات.

 

ورغم أن الضرر من قرار التعويم قد لحق جميع القطاعات الاقتصادية بالبلاد، إلا أن هناك أربعة مؤشرات بارزة كان لها النصيب الأكبر من الأثر السلبي، وهذه المؤشرات هي: الديون، التضخم، عجز الموازنة، الاستثمارات المحلية.

 

الديون

أعلن البنك المركزي المصري، في الخامس من يناير 2017، عن قفزة قياسية في ديون مصر سواء الداخلية أو الخارجية، إذ سجلت الديون الخارجية نحو 60.152 مليار دولار، بنهاية الربع الأول من العام المالي الجاري (يوليو : سبتمبر)، بعد أن كانت 46.148 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام المالي السابق؛ ما يعني ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنحو 14 مليار دولار خلال عام.

 

وأظهرت النشرة الشهرية لنوفمبر الصادرة عن البنك المركزي، وصول إجمالي الدين العام المحلي للبلاد، إلى 2.758 تريليون جنيه (152.3 مليار دولار) بنهاية سبتمبر، مقارنة بـ2.619 تريليون جنيه بنهاية يونيو، وذلك بارتفاع نسبته 5.3%. ويذكر أن السنة المالية في مصر تبدأ من أوّل يوليو، وتنتهي في 30 يونيو.

 

وتظهر هذه الأرقام أن الدين العام المصري وصل إلى 3.8 تريليونات جنيه؛ وهو ما يعني أنه قد تجاوز الناتج المحلي الذي سجل 3.2 تريليونات جنيه؛ لتكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي نحو 118% من الناتج المحلي.

وبالرغم من الارتفاع الكبير في نسبة الديون، إلا أن وتيرة الاقتراض قد ارتفعت مؤخرا، إذ تشير تقديرات المحللين إلى أن الديون الخارجية وحدها قد تجاوزت الـ 70 مليار دولار مع بداية فبراير الجاري، ومن المتوقع أن تسجل قفزة أكبر في الربع الثاني من العام المالي الجاري؛ وذلك لأن الحكومة تتوسع بالاقتراض بشكل ملحوظ.

وساهم تحرير سعر الصرف في زيادة شهية الاقتراض لدى الحكومة المصرية، وذلك بسبب شروط صندوق النقد الدولي التي تطالب بوصول الاحتياطي النقدي لمستويات مرتفعة.

 

 

التضخم

 

وتضم قائمة الخاسرين، المواطنين الذين يتقاضون أجورا بالجنيه المصري وهم يشكلون الغالبية الكاسحة من أبناء الشعب، وإن كانت درجة التأثر تتفاوت حسب الدخل المادي.

 

وبالطبع تتعرض الفئات صاحبة الدخل المنخفض والمتوسط لأكثر درجة من التأثر بسبب تعويم الجنيه، بينما تتراجع درجة تأثر أصحاب الدخول العالية، إلا أن الجميع يتأثر بلا شك.

 

واكتوى المصريون خلال الـ100 يوم الماضية بنار الأسعار، حيث تراجعت القوة الشرائية للعملة المصرية بشكل ملحوظ من تحرير سعر الصرف، إذ أعلن المركزي للإحصاء عن وصول معـدل التضخم إلى 29.6% لشهـر يناير 2017، ليكون أعلى معدل ارتفاع في الرقم العام للأسعار منذ نوفمبر 1986، إلا أنه وحسب اقتصاديين رقم لا يمت للواقع بصلة وأن النسبة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

 

واتخذت الحكومة عدة قرارات اقتصادية ساهمت فيما آلت إليه الأوضاع حاليا، أهمها زيادة تعريفة الكهرباء، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة ثم تعويم الجنيه بشكل كامل.

 

وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن نسبة التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت إلى 29.6% خلال يناير الماضي، حيث بلـغ الرقـم القيـاسي العـام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهوريـة (227.5) لشهـر يناير 2017، مسجـلاً ارتفاعا قـدره "4.3%" عـن شهــر ديسمبر 2016.

 

وأوضح الجهاز، في بيان له، السبت، أن ارتفاع التضخم يأتي بسبب الزيادة فى أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (6.4%)، ومجموعة الحبوب والخبز بنسبة (9.0%)، والألبان والجبن والبيض بنسبة (11.5%)، والخضروات بنسبة (3.5%).

 

ورغم الارتفاع الكبير في نسبة التضخم إلا أن اقتصاديين اعتبروا أن معدل التضخم أعلى من المعلن، إذ قال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن ارتفاع نسبة التضخم نتيجة طبيعية لزيادة الأسعار غير المبررة، مشيرًا إلى أن نسب التضخم الحالية ما هي إلا أرقام استرشادية وليس لها صحة على أرض الواقع.

 

الخبير المصرفي أحمد سامي أكد أيضا أنه لا يثق في الأرقام الرسمية خصوصا فيما يتعلق بمعدلات التضخم، إذ أن هناك طرقا كثيرة ومعادلات عديدة لقياسه يمكن للجهات الحكومية استخدام أحدها بهدف تحسين صورة الاقتصاد المصري.

 

وأكد سامي أن الأسعار ارتفعت بطريقة جنونية ما مثل ضغطا كبيرا على المواطنين وزادت قيم احتياجاتهم بأكثر من 100% من أسعارها الأساسية.

 

ولفت إلى أن المجتمع دفع فاتورة تعويم الجنيه ومازال يدفع، حتى مؤسسات الحكومة ورجال الأعمال أنفسهم لم يستطيعوا التعامل مع قرار التعويم.

 

عجز الموازنة

 

ويمتد أثر التعويم إلى عجز الموازنة بسبب ارتفاع تكلفة استيراد الحكومة للقمح والمواد البترولية وغيرها من المواد الأخرى من ناحية، وارتفاع تكلفة خدمة الدين الحكومي، بالإضافة إلى قرار رفع سعر الفائدة 3%، والذي تزامن مع قرار التعويم، وذلك على نحو يؤثر بشكل مباشر على تكلفة اقتراض الحكومة.

 

ووفقا للموازنة العامة للعام المالي الحالي 2015/2016، فمن المنتظر ارتفاع الإنفاق على الفوائد إلى 292.52 مليار جنيه بما يعادل 31.2% من المصروفات. وتستهدف مصر ألا يتجاوز معدل عجز الموازنة 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري، بينما سجل 12.2% في العام المالي 2015/2016.

 

علاء الشاذلي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي السابق، وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، قال إن قرار رفع سعر الفائدة يزيد من تكلفة الاقتراض للحكومة باعتبارها أكبر المقترضين من الجهاز المصرفي من خلال أدوات الدين العام "السندات وأذون الخزانة"، ما يزيد عجز الموازنة العامة للدولة، وميزان المدفوعات، وخدمة الدين الحكومي.

 

وأضاف: "المركزى يحاول زيادة جاذبية الإدخار بالجنيه المصري، وتشجيع المدخرين من خلال زيادة الفائدة، لمواجهة الودائع بالعملات الجنبه"، موضحا أن القرار يتسق مع توجه الحكومة لترشيد الواردات، وتشديد الإجراءات والعقوبات عل المتاجرين بالعملة الصعبة.

 

 

الاستثمارات المحلية وفروق العملة

 

لم يكن قرار التعويم هينًا خاصة على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فتوابع الزلزال لم ترحم أحدًا، فالمصانع المصرية أصبحت في مهب الريح بعد ارتفاع سعر الدولار وبالتالي ارتفاع سعر مستلزمات الإنتاج التي تتخطى أحيانا 66% من مكونات الإنتاج.

 

وخلال الأيام الماضية برزت أزمة بين كبار الصناع والقطاع المصرفي إثر ارتفاع أسعار الدولار  تمثلت في طلب البنوك من المصنعين شراء الدولار بالأسعار الجديدة حتى بالنسبة للاعتمادات المستندية (تمويلات البنوك لعمليات الاستيراد من الخارج) ما أدى إلى تحول حسابات الكثير من المصانع في المصارف من دائنة إلى مدينة، وتطالب البنوك هذه المصانع بسداد مديونياتها بسرعة.

 

وتقدر مصادر في اتحاد الصناعات المصرية، حجم المديونية الناجمة عن تعويم الجنيه بـ20  مليار جنيه، حيث ألقى محمد شكري، رئيس غرفة الصناعات الغذائية، الضوء على  الأزمة، قائلا: "إنه في ظل مرحلة الإصلاح شديدة الوطأة يجب أن تكون ردود أفعال الحكومة سريعة كي تمر الأزمة".

 

وأضاف خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن أزمة المصانع مع البنوك أدت إلى أن الكثير من المصانع خفضت ساعات العمل تجنبا للإغلاق، موضحا أن حجم رأس المال في مصانع الغذاء يصل إلى 650 مليار جنيه، وتصل نسبة المكونات المستوردة للإنتاج إلى الثلثين.

 

وأشار إلى أن إغلاق المصانع أمر مستبعد، خصوصا أن قطاع الصناعات الغذائية حيوي للاقتصاد المصري، ولكنه طالب بحل الأزمة، خصوصا أن اتحاد الصناعات يتواصل مع الحكومة أملا في الوصول إلى حل.

 

ومن جانبه قال محمد حمدي عبد العزيز الرئيس السابق لغرفة الصناعات الهندسية وعضو الغرفة إن مشكلة سعر الدولار حولت أرصدة المصانع والشركات في البنوك إلى سالب أي أن قرار تعويم الجنيه المفاجئ أدى إلى الإجهاز على أرصدة المصانع والشركات دون قيامها بأية نشاطات وأصبحت البنوك تطالبهم بسداد المديونيات.

 

وأضاف أن عبء المديونية أضف على أعباء أخرى متعلقة بالسوق وتراجع القدرة الشرائية في السوق المحلي، وبالتالي انكماش الصناعة، ما أدى إلى أن بعض المصانع أصبحت تسجل خسائر ناهيك عن الديون الجديدة عليها.

 

مقالات متعلقة