التعديل الوزاري.. «امتصاص غضب وتطييب خواطر»

الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع مع رئيس الوزراء - أرشيفية

ارتفاع الأسعار ظل جزءً من حوار يتكرر كثيرا ومؤخرا، وفي مشهدٍ صار معتادا وقف مواطنان يتبادلان الشكوى في عربة مترو أنفاق بالقاهرة، ما أن طالع أحدهما عنوانا بارزا، في إحدى الصحف المحلية التي يحملها ثالث، عن تعديلات وزارية منتظرة، حتى أصدر تعليقا متبرما يفيد بطغيان الملل والرغبة في تبدّل سريع للأحوال تكون آثاره ملموسة.

 

مشهد، قرأه للأناضول، خبيران في الاقتصاد وعلم الاجتماع السياسي، اعتبرا أن التعديل الوزاري المرتقب عرضه على البرلمان اليوم الثلاثاء، ، يهدف إلى امتصاص "غضب مكتوم" لدى المصريين، ليزيد عليهما ثالث بتحذير من أن يصدر في هذا التوقيت مجرد تعديل لـ"تطييب خواطر الشعب دون تغيير سياسات الحكومة وليس الأشخاص فقط".

 

وفيما تحفظ ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية، والمؤيد للنظام، عن حسم موقفه بالموافقة المعتادة على التعديل المرتقب، ظهرت آراء حزبية ترفضه وتطالب بعدم عرضه من الأساس. - ملامح محدودة قابلة للرفض ومنتصف يناير الماضي، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في حوار صحفي، عن تعديل وزاري مرتقب "لتصويب الأخطاء، وتجاوز ما يمكن أن يطرأ من عقبات"، دون أن يكشف الحقائب الوزارية التي سيتم تغيير وزرائها، أو توقيت التعديل.

 

ولم يشر السيسي وقتها كذلك إلى الأخطاء التي كان يعنيها، غير أن الحكومة الحالية توجه لها انتقادات عدة، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والتي انعكست على ارتفاع ملحوظ في أسعار كافة السلع، لاسيما بعد قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية في نوفمبر الماضي.

 

وبعد نحو شهر، حددت حكومة رئيس الوزراء شريف إسماعيل، بحسب الوكالة الرسمية المصرية، أمس الأول الأحد، موعدا لعرض التعديل الوزاري على البرلمان، قبل أن تنقل صحف حكومية وخاصة عن مصادر حكومية لم تسمها نبأ تأجيل هذا الخيار للثلاثاء، دون تفسير رسمي واضح.

 

وحال تمريره أمام البرلمان كإجراء دستوري إجباري، سيكون هذا هو التعديل الثالث في حكومة إسماعيل، التي تولت المسؤولية في سبتمبر 2015؛ إذ سبق أن أجرت تعديلا في مارس 2016 شمل حينها 10 حقائب وزارية، بجانب تغيير وزير التموين السابق خالد حنفي في سبتمبر بموافقة برلمانية.

 

ملامح التغيير المتوقع، وفق تصريحات صحفية لرئيس الوزراء شريف إسماعيل، مساء أمس الاثنين، يضم 9 حقائب وزارية و4 نواب للوزراء، بجانب دمج وزارتين، ويمس التعديل المجموعتين الخدمية والاقتصادية بالحكومة.

 

ولم يكشف ائتلاف "دعم مصر" في بيانه الصادر الأحد، عن موقفه بالرفض أو القبول للتعديل المرتقب، غير أنه وجه انتقادا هادئا للحكومة، في ظل ما يتردد في وسائل إعلام محلية بأن هناك اتجاها داخل الائتلاف لرفض التعديل.

 

وفي سياق التعديل الوزاري، أوضح البيان ذاته إن ائتلاف مصر "لاحظ من خلال رصده لما يدور في الشارع المصري تراجع مستوى الأداء الحكومي فيما يتعلق بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطنين الأمر الذى يضع الجميع أمام واجب بذل أكبر جهد ممكن لاختيار أفضل الأشخاص لتطبيق أكثر سياسات تلائم الوضع الاقتصادي الحالي".

 

وحول الإجراءات المتوقعة في جلسة البرلمان الثلاثاء، قال النائب المخضرم، كمال أحمد، للأناضول إنه "من المفترض وفق لوائح برلمانية ودستورية أن تعرض الأسماء كاملة على البرلمان، وفي حال الرفض تعد الحكومة قائمة جديدة حتى يقتنع البرلمان بالتعديل".

 

ووفق المادة 147 من الدستور المصري يحق لرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء، على أن ترسل قائمة التعديل لمجلس النواب للحصول على بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس البالغ إجمالا 596 عضوا.

 

ويواجه التعديل الوزاري برفض برلماني نسبي، وفي هذا الاتجاه قال النائب محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، عن حزب الوفد (الليبرالي) إنه "سيرفض أي تعديل وزاري لا يشمل تغيير رئيس الوزراء نفسه حال عرض التعديل الوزاري على البرلمان".

 

وأوضح فؤاد في بيان له يوم الأحد، أنه "أمام فشل الحكومة الذريع في ملفات الاستثمار والتعليم والتموين والصحة والإدارة المحلية والسياحة والثقافة والسياسات المالية المتخبطة، فلا بديل عن تغيير شامل يأتي برئيس وزراء قوى قادر على قيادة مرحلة التحول الاقتصادي الحالية". ولم يتوقف الأمر عند رفض التعديل الوزاري بل تجاوزه لعدم دستورية عرض التعديل، وفق ما ذكره النائب عبد الحميد كمال عن حزب التجمع (يساري) للأناضول من تقديمه طلبا برلمانيا لوقف نظر التعديل.

 

وبيان كمال المقدم للبرلمان الذي لم يتم تحديد موعد لمناقشته بعد، أوضح أنه "غير ملائم دستورياً عرض أسماء تعيين بعض الوزراء الجدد واستبدالهم بآخرين قبل أن يناقش مجلس النواب تقييم أداء الحكومة عن الفترة السابقة".

 

وتساءل: "هل يمكن أن يتم عرض أسماء وزراء جدد بديلاً عن وزراء حاليين دون تحديد سياسات أو توجهات اقتصادية واجتماعية محددة لصالح الشعب، أم أن التغيير سوف يكون مجرد أسماء مع استمرار نفس السياسات التي أدت إلى سوء الأوضاع المعيشية وارتفاع البطالة وزيادة نسب معدلات الجريمة".

 

ولم يتسن الحصول على تعليق فورى من الحكومة المصرية حول هذه الاتهامات، غير أن أشرف سلطان المتحدث باسم الحكومة قال في تصريحات إعلامية عديدة مؤخرا، إن 2017 سيكون عاما أكثر راحة ويكون فيه قدر كبير من تخفيف المعاناة عن المواطنين وتنفيذ مشروعات تحقق ذلك. - امتصاص غضب مكتوم وحول فلسفة التعديل المرتقب، قال محمد حسين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن مثل تلك الخطوات تأتي "عادة لأداء ضعيف أو تطوير مطلوب أو قرار خاص أو رئاسي في ظل أجواء مشحونة وارتفاع أسعار كبير".

 

فيما رأى سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن التعديل في حكومة إسماعيل، "نتيجة نظام (حاكم) يتخبط".

 

وأوضح إبراهيم ، أن "جزءً من هدف التعديلات الوزارية امتصاص لغضب مكتوم لدى المصريين وخيبة آمالهم في النظام ككلّ ورئيس الوزراء بشكل خاص".

واتفق معه المحلل الاقتصادي، محمد توفيق، في حديثه للأناضول، قائلا إن "التعديل الوزاري المتوقع يهدف إلى محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتزايد بشدة بسبب ارتفاع الأسعار الصارخ وإن لم يظهر ذلك في صورة مظاهرات أو اعتصامات في الشوارع والميادين".

وأشار إلى أن الحكومة الحالية اتخذت عدة قرارات اقتصادية منها تعويم الجنيه ورفع أسعار المواد البترولية والكهرباء وتطبيق القيمة المضافة، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 29.6% في يناير الماضي، وهو أعلى معدل خلال نحو 30 عاما. - ضمانات "تطييب الخواطر" وبرأي توفيق فإن شروطا هامة يجب توافرها لنجاح التعديل المتوقع وإرضاء المواطن منها "تقليل عدد الوزارات ودمج الوزارات ذات الاختصاص المتشابه، وتغيير معظم حقائب المجموعة الاقتصادية، وإقامة بنية تحتية من تشريعات وقوانين جديدة تيسر عمل الوزارات والخدمات".

 

وتعاني مصر حاليا من تراجع معدل النمو وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح العملة الأجنبية وتراجع إيرادات وأعداد السائحين والاستثمارات الأجنبية وإيرادات قناة السويس، وفق بيانات رسمية وتقارير اقتصادية.

 

و"تعديل السياسات" شرط جديد لنجاح التعديل المرتقب يضعه محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة (حكومية)، قائلا للأناضول إن "خريطة التكهنات الخاصة بالتعديلات المقبلة تتحدث عن تغيير وزراء خدمات، وليس رئيس الحكومة ووزراء المجموعة الاقتصادية، وهذا تغيير لكن لا أمل يسانده في الواقع مع عدم تغيير السياسات".

 

وأوضح أنه "تم تغيير وزير التموين مؤخرا لكن لم تحل معه المشاكل بل تفاقمت وهناك توجه لتغيير وزير الصحة دون بحث عن أزمة الدواء (متعلقة بارتفاع أسعاره وعدم توافره) وهذا ما نقول إنه بحاجة لتغيير سياسات وليست الأشخاص فقط".

 

وأكد خليل أن "المواطن المحاصر بضغوط معيشية لن يستفيد شيئا من اعتماد الحكومة على مبدأ تطييب الخواطر، خاصة وهو ينظر للتعديل الوزاري بدرجة منخفضة من الاهتمام".

وأرجع ذلك إلى أن المواطن "لا يهمه شخص الوزير بقدر ما يهمه مردود ذلك في حياته وهذا يدفعنا لأهمية أن نجعل من الوزير صانع سياسات وليس منفذ لما يضعه الرئيس وهو الجهة الآن المخول لها بالصناعة والتي ستحاسب في النهاية".

 

في المقابل، رأى محمد حسين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن "المواطن عنده ترحاب بالتعديل وترقب له ويطالع عناوين الصحف أملا في أن تؤثر على حياته بالإيجاب".

 

وأشار إلى أن "أي تغيير متوقع مفيد، لكنه لابد له من ضمانات منها أن يضع المسؤولون المقبلون أمام أعينهم التناغم بين الأجور والأسعار، فمن غير المعقول أن يرتفع جانب ويثبت آخر، بجانب الاهتمام بالسياحة بشكل كبير".

وطالب حسين بـ"عدم مهاجمة الوزراء والحكومة ومنحهم فرصة للعمل في ظل أجواء مشحونة واعتذارات متكررة عن تولي المناصب"، مستدركا "غير أن كل هذا ليس يجعلنا نقول إن هناك تغييرا مضمونا".

مقالات متعلقة