السرقة عند الأطفال داء سيء تتكرر شكوى الآباء منه، ويؤدي في أغلب الأحيان إلى مواقف محرجة ومشاكل متعددة، فقد يلجأ الآباء إلى أسلوب الإهانة والنقد السلبي الذي يؤثر على نفسية الأطفال، وقد يدفعهم إلى التمسك بهذه العادة السيئة.
ويمكن علاج السرقة عند الأطفال بخطوات عملية وتربوية، ولكن يجب معرفة سبب داء السرقة أولا قبل المضي في وضع خطة مناسبة لمساعدة الطفل في التغلب على هذا السلوك المرضي.
ويرى الدكتور أشرف الصالحي أخصائي الطب النفسي والإدمان أن السرقة عند الأطفال تعني "استحواذ الطفل على أشياء ليست ملكًا له دون وجه حق، وهي سلوك مرضي يعبر عن حاجة نفسية لديه تحتاج إلى إشباع".
وقال الصالحي في تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "قد تبدأ السرقة لدى الأطفال بصورة واضحة في المرحلة العمرية من سن 4 إلى 8 سنوات، حيث يسرق الطفل بشكل عفوي أو تلقائي، لأنه لم يصل إلى مرحلة النضج العقلي أو الاجتماعي الذي يجعله يميز بين ملكيته وملكية الآخرين".
وأوضح أخصائي الطب النفسي: "أما إذا استمر هذا السلوك لديه في المرحلة العمرية من سن 10 إلى 15 عامًا، فإنه يصبح سلوكًا مرضيًا ومشكلة نفسية تحتاج إلى معرفة أسبابها وضرورة علاجها".
واستطرد الصالحي: "وعادة ما يبدأ الأطفال بسرقة أشياء بسيطة من المنزل، تكون أغلبها أشياء تؤكل يمكن التخلص منها، ثم يتطور الأمر فيسرق الطفل النقود من والديه. ويلجأ بعض الأطفال إلى سرقة أشياء ثمينة مثل الحلي والذهب، أو أشياء ذات فائدة استهلاكية مثل الساعات والنظارات واللعب".
وأشار أخصائي الطب النفسي إلى أن "من الأمور الشائعة لجوء الطفل السارق إلى إخفاء ما سرقه، بحيث يصعب توجيه الاتهام إليه أو إثباته، وغالبًا ما ينكر قيامه بالسرقة خوفا من العقاب، وخجلاً من افتضاح أمره".
لماذا يسرق الأطفال؟
وعن أسباب سرقة الأطفال، أكد الصالحي أن الطفل يلجأ إلى السرقة لأسباب ودوافع مختلفة، ومنها: "عدم معرفة معنى الملكية؛ فالطفل عندما تمتد يده لأخذ لعبة أخيه أو زميله في المدرسة، لا يفعل ذلك بدافع السرقة وإنما لأنه يجهل معنى الملكية، فهو يعتقد أن ما فعله ليس أمرًا مشينًا ولا مذمومًا، لأن نموه العقلي والاجتماعي لا يمكنه من التمييز بين ممتلكاته وممتلكات الآخرين"..
وتأتي الغيرة والانتقام سببا ثانيا وراء سرقة الأطفال، "قد يلجأ الطفل إلى السرقة في بعض الأحيان بدافع الانتقام، فقد يسرق الطفل والده، لأنه صارم وقاس في معاملته له، وقد يسرق الطفل زميله في المدرسة لأنه يغار منه، بسبب تفوقه وتميزه، وقد تتحول هذه الغيرة للانتقام في حالة قيام المدرس بمقارنة بين الطفل المتفوق والطفل السارق، وبالطبع لا تكون المقارنة في مصلحته فيلجأ إلى السرقة بدافع الانتقام والتشفي"، هكذا قال الصالحي.
وأضاف أخصائي الطب النفسي: "الخوف من العقاب؛ أحيانا يفقد الطفل أحد أغراضه، وهو يلعب مع زملائه خارج المنزل، مثل: كرته التي اشتراها له والده، أو ساعته، فيخشى إخبار والديه بذلك خوفًا من عقابهما له، وللتخلص من هذا المأزق يلجأ إلى السرقة، التي غالبا ما تكون سرقة نقود أحد الوالدين لشراء لعبة أخرى شبيهة باللعبة التي فقدها، لإخفاء فعلته، واتقاء عقاب والديه".
وتابع الصالحي: "الفقر والحرمان؛ يلجئ إلى السرقة لشراء شيء أو حاجة هو محروم منها، بسبب فقر أسرته أو بخل والده الشديد، فيسرق إما لشراء طعام يشتهيه، لأنه جائع، وليس معه نقود، أو يسرق ليشتري لعبة هو محروم منها، وقد يسرق في بعض الأحيان لإشباع هواية لديه، فقد يسرق لمشاهدة فيلم في السينما، أو لدخول مدينة الملاهي للاستمتاع باللعب الموجودة فيها".
ولفت الصالحي إلى سبب آخر وراء السرقة، وهو: "التفاخر والمباهاة؛ بعض الأطفال يعانون الحرمان من اللعب التي تروق لهم، وعندما يشاهدون مثل هذه اللعب مع أصدقائهم يشعرون بالغيرة والنقص، خاصة عندما يتفاخر أصدقاؤهم بهذه اللعب، فيلجأ هؤلاء الأطفال لشراء مثل هذه اللعب أو أفضل منها، ليتفاخروا بها على أصدقائهم، مدَّعين أن آباءهم قاموا بشرائها لهم".
ويأتي "حب الاستطلاع والاستكشاف" سببا أخيرا وراء داء السرقة، حيث يقول الصالحي: "عندما يكون أحد الوالدين شديد الحرص بصورة مبالغ فيها في الحفاظ على الأشياء الغالية والرخيصة، حيث تبالغ الأم مثلا في اتخاذ الاحتياطات الأمنية للحفاظ على الأشياء، بعيدًا عن متناول الطفل، فيندفع الطفل بدافع حب الاستطلاع والاستكشاف لمعرفة ما تقوم أمه بإخفائه عنه، والعبث به أو سرقته".
علاج السرقة
يمكن معالجة مشكلة السرقة عند الأطفال باتباع بعض الخطوات الهمامة التي ذكرها الصالحي كنصائح للآباء، موضحا: "اغرس معنى الملكية لدى الطفل منذ صغره، وذلك بتخصيص خزانة خاصة به يضع فيها أدواته وملابسه ولعبه، وعلى الوالدين إفهام الطفل حقوقه وواجباته، وأن هناك أشياء من حقه الحصول عليها، وأخرى ليس من حقه الحصول عليها، وتعليمه كيفية احترام ملكية الآخرين".
وشدد الصالحي على ضرورة "إشباع حاجات الطفل المتعددة والضرورية من مأكل وملبس وأدوات ولعب، حتى لا يشعر بالنقص والدونية، فيلجأ للسرقة لتعويض النقص"، كما يجب: "غرس خلق الأمانة في نفوس الأطفال، فواجب الآباء والأمهات والمدرسين الاهتمام بغرس خلق الأمانة كسلوك إيجابي في نفوس الأطفال".
وأضاف الطبيب النفسي: "عدم معايرة الطفل أمام إخوته أو أصدقائه في المدرسة في حالة السرقة، والابتعاد عن مناداته أمام الآخرين بألفاظ تجرح كرامته مثل مناداته بعبارة "يا لص" أو "يا سارق"، وعدم عقابه أمام الآخرين، بل توجيه النقد إلى سلوكه وليس إلى شخصه، فبدلاً من قولنا "أنت سارق"، نقول له "أنت أخذت ممتلكات غيرك".
واختتم الصالحي تدوينته، قائلا: "يجب أن يشرح الآباء والمعلمون أمام الطفل في عبارات سهلة وبسيطة خطورة جريمة السرقة، وتحريم الدين وتجريم القانون لها".