حوار| عايدة سيف الدولة: النديم مستمر وهذا النظام لا يمثلني

عايدة سيف الدولة

نظرًا لتشميع عيادة النديم من قبل السلطات يوم الخميس الماضي الموافق 9 من فبراير وإلى حين أن نتمكن من اللقاء وجهًا لوجه مرة أخرى، يمكن للناجين والناجيات من العنف والتعذيب وأهالي المختفين قسريًا أو المعتقلين الاتصال على هذه الأرقام لتلقي المشورة النفسية وذلك في أوقات عمل عيادة النديم وإلى لقاء قريب.

 

هذا ما قررته مجموعة أطباء النديم للتأهيل النفسي بعدما تمكنت قوة أمنية من إغلاقه الخميس الماضي بعد ثلاث محاولات على مدار عام لتشميع المركز باءت بالفشل حتى انتصرت في نهاية المطاف.

 

«مركز النديم» الذي اشتد بينه وبين النظام الصراع في الآونة الأخيرة إلى حد تشميع العيادة وقت الراحة الأسبوعية للأطباء، يعد من أقدم المؤسسات الحقوقية لتقديم الدعم النفسي لضحايا التعذيب والعنف، تلك العيادة الكائنة بمنطقة وسط البلد أسست عام 1993 كشركة مدنية غير هادفة للربح ،ففي العام الأول من التأسيس للمركز اقتصر نشاطه على تأهيل ضحايا التعذيب نفسيًّا وتزويدهم بالتقارير الطبية القانونية عند الحاجة.

 

ومع نهاية العام الأول قرر أعضاء المركز بجانب الدعم النفسي طرح القضية على الرأي العام، وذلك عن طريق النشر والحملات وتحريك دوائر مجتمعية مختلفة ضد ممارسات خرجت عن السيطرة في العقدين الماضيين.

 

النديم والدولة وجهًا لوجه

في حوار أجرته «إضاءات»مع الدكتورة عايدة سيف الدولة أحد مؤسسي مركز النديم لضحاييا العنف والتعذيب، أكدت على أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض لها المركز للغلق من قبل وزارة الداخلية وعن سؤالها عن المحاولات الماضية لغلق مركز النديم قالت د. عايدة:

 

إن المرة الأولى كانت في 18 فبراير الماضي لعام 2016، بعد توجَّه عدد من رجال الأمن، بصحبة موظف من حي الأزبكية إلى مقر المركز؛ لتنفيذ قرار بإغلاق عيادة النديم. الأمر الذي لم ترضخ له الأطباء وقررنا استكمال أعمالنا ورفضنا قرار إخلاء العيادة والغلق، كان هذا بناءً على قرار من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة والسكان، لكن تلك القوة الأمنية عادت مرة أخرى في 5 إبريل الماضي وهو الأمر الذي رفضه الأطباء وأصروا على استمرار عملهم وقلنا لهم «شمعوا واحنا جوه العيادة مش هننزل».

 

و عن تشمييع العيادة مجددًا يوم 9 فبراير الماضي، قالت د. عايدة، إن القرار الصادر بتشميع العيادة التابعة لمركز النديم من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة يتضمن شقة واحدة، لكن قوة التنفيذالتي تمثلت في حي الأزبكية وممثل عن وزارة الصحة بالإضافة إلى قوة أمنية مهولة من قسم الأزبكية شمعت ثلاث شقق الخاصة بعيادة النديم وليس واحدة فقط كما جاء بالقرار .

 

إحصائيات النديم ضد العنف والتعذيب

شارك النديم في التصدي لأشكال أخرى من العنف ضد المرأة، فمنذ تأسيسه وحتى عام 2000 قدم دعمًا نفسيًّا واجتماعيًّا وتأهيليًّا لـ316 من النساء، أكثر من نصفهن من المصريات، ما بين ضحايا تعذيب وعنف منزلي واغتصاب، وفي عام 2001 أسس مركز النديم برنامجًا منفصلًا للمرأة.

 

وفي الفترة من 2002 حتى 2014 قدم دعمًا لما يقرب من 772 دعمًا لحالات جديدة من النساء والفتيات، أسهم المركز في تأسيس مراكز للاستماع في عدد من محافظات مصر، 7 منها في القاهرة، و2 في الوجه البحري، و2 في الوجه القبلي.

 

وفي يونيو الماضي لعام 2016 قدم النديم كشف حساب لأداء وزارة الداخلية بعد عامين من حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، حيث جاءت الإحصائيات وفقًا لرصد مركز النديم بــ1083 حالة قتل خارج إطار القانون، و239 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز، بالإضافة إلى 915 حالة تعذيب و116 حالة تعذيب جماعي داخل أماكن الاحتجاز و121 حالة تكدير أمني و597 حالة إهمال طبي بالسجون إلى جانب 183 حالة عنف من الداخلية للمواطنين.

 

بلاغ ضد منفذي قرار غلق النديم

وعما حدث يوم تشمييع عيادات النديم والموافق يوم 9 فبراير 2017 قالت د. عايدة:

 

إن تلك القوة المذكورة جاءت يوم الخميس الماضي، بالتزامن مع العطلة الأسبوعية للمركز، حيث إنه من العروف منذ تأسيس المركز أن العطلة الأسبوعية يومي الخميس والجمعة، وأثناء تلك العطلة توجهت هذه القوة إلى عيادات النديم وفوجئنا باتصالات من حارس العقار تخبرنا بوجود قوة أمنية كبيرة لتشمييع العيادة، وبعد وصولنا للمركز كان الأمر قد تم، فيما تم القبض على الحارس الأمر الذي رفضناه لكن قوة قسم الأزبكية أكدت على أن الأمر لن يتخطى سوى استجوابًا قانونيًا وسيتم إخلاء سبيله، الأمر الذي تم بعد ساعات قليلة من القبض عليه.

 

وأضافت؛ أنهم لم يطلعوا على قرار التشميع قبل الحدث، ولكن القوة استغلت العطلة الأسبوعية للمركز للقيام بهذا الأمر، حتى لا تتم مواجهتهم كما تم في المرات الماضية التي رفضنا فيها إغلاق المركز، وأصررنا على استكمال عملنا داخل المركز .

 

وعن الإجراءات القانونية التي سيتخذها أطباء النديم ضد قرار التشميع قالت د. عايدة إن المحامي الحقوقي طاهر أبو النصر والمحامية بمركز النديم مها يوسف إلى جانب عدد من محامين المركز تقدموا ببلاغ للنيابة العامة ضد قسم شرطة الأزبكية والحي، بسبب قيامهم بتشمييع وغلق الشقق أرقام 7 و 11 وغير المقيدين بقرار التشمييع الذي صدر.

 

وأضافت: «وطالبنا بالبلاغ المقدم بتمكيننا كمسئولين عن المركز بالإدلاء بأقوالنا في المحضر رقم 465 لسنة 2017، والخاص بواقعة التشمييع من قبل القوة التي نفذت القرار وحتى الآن لم يجد جديد».

 

العصا الأمنية في مواجهة حقوقيي مصر

وعن سؤالنا عن أسباب التعنت الذي يمارس ضد مركز النديم، قالت د. عايدة إن النظام الحالي لم يتعنت في حق النديم فقط، وإنما تعنته في حق كل المؤسسات الحقوقية المناهضة للنظام والكاشفة لأدائه القمعي واستخدام العصا الأمنية في مواجهة المواطنيين .

 

وأكدت على أن الدليل على ذلك القضية 173 الخاصة بمنظمات المجتمع المدني التي ستسهدف كل العاملين بالمجال الحقوقي المناهض للنظام بمصر، بالإضافة إلى قانون الجمعيات الأهلية الذي لم يعرف مصير إقراره حتى الآن، والذي سيتسبب في غلق المجال الحقوقي بمصر في حالة إقراره.

 

هذا إلى جانب مصادرة الأموال، كما حدث مع مؤسسة نظرة النسوية والقبض على بعض الحقوقين ومنع آخرين منهم من السفر كما حدث مع الحقوقية عزة سليمان، كل هذا يدل على أن الأمر ليس خاصًا بالنديم وإنما خاص بكل المؤسسات الحقوقية المناهضة للنظام.

 

النديم مستمر وأرشيف 2016 القشة التي أغلقت المركز

وعن أسباب إصرار النظام على غلق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، قالت د. عايدة إن الأسباب عديدة، منها أن عملنا يشتبك بشكل أساسي مع عمل وزارة الداخلية، وبالتالي نعد المرآة التي تكشف عن الجرائم التي ترتكب في حق المواطنيين من قبل الدولة، مؤكدة أن القرار سياسي ولا يخص تصريحات وزارة الصحة بصلة، مشيرة إلى أنه من المحتمل أن أرشيف 2016 يكون قد ضايق السلطات، بما يحتويه من كم جرائم تم فضحها في هذا التقرير إلى جانب التقارير اللاحقة للمركز.

 

وعما سيقوم به مركز النديم حتى تتم إعادة فتحه مرة أخرى، قالت د. عايدة: «إن أطباء المركز أعلنوا عن أنهم سيقومون بتقديم النصائح الطبية على قدر المستطاع من خلال الهاتف في بيان تم نشره، هذا حتى يتم إلغاء قرار التشمييع للمركز».

 

وأشارت إلى أن الأهالي وضحايا العنف والتعذيب في واقع الأمر أصبحوا ليسوا في حاجة إلى أي مؤسسة حقوقية لتوثيق ما يحدث لهم، فهناك عدد من أهالى المعتقلين كونوا روابط لفضح ما يتعرض له ذووهم من انتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، مؤكدة أن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت الأمر على الجميع، وأصبح الكل يعلم بما يحدث من وقائع تعذيب وعنف وقتل خارج إطار القانون.

 

الدولة تعادي المرآة الكاشفة لإجرامها

وعن رأي د. عايدة في ممارسات النظام ضد المجال الحقوقي بمصر، قالت: إن النظام سيعاقب كل من يحاول لمجرد المحاولة كشف جرائمه والقمع الرهيب الذي تعيشه البلاد، وبالتالي المؤسسات الحقوقية تعد عدوًا لدودًا لدورها في رفع الظلم ومناهضة السلطة، مؤكدة على أن الآتي لم يعلمه أحد، لكنه بالطبع سيكون سيئًا وردود الأفعال غير معروفة لكنها بالطبع ستكون على مقدار ما تفعله السلطة الحاكمة .

 

وعن دور منظمات المجتمع المدني للتصدي للهجمات الأمنية في الفترة المقبلة، أكدت د. عايدة أن هناك العديد من المنظمات الحقوقية غير الحكومية اجتمعت بالفعل وقرروا أن تكون الجهود موحدة والقبلة ستكون القضاء في حالة إقرار قانون الجمعيات الأهلية، لكن هذا لم يتم إلا في حاله إقرار القانون في المقابل تلك المنظمات تصر على استكمال عملها الحقوقي رغم كل التنكيل الذي تناله من قبل مؤسسات الدولة.

 

وعن رسالة أخيرة تريد د. عايدة توجيهها للنظام قالت: «إنني لا أوجه أي رسائل للنظام الحالي لأنه في الحقيقة هذا النظام لا يمثلني من الأساس».

 

النديم والأنظمة الحاكمة: صراع مستمر

الجدير بالذكر أن مركز النديم كان مؤرقًا للأنظمة الحاكمة التي توالت على مصر منذ عهد محمد حسني مبارك وحتى الآن، وعلى الرغم من وجود هذا الصراع بشكل مستمر إلى أنه تصاعد في الفترة الأخيرة حتى وصل إلى حد غلق المركز من قبل السلطات.

 

وكان للنديم فضل كبير في كشف عدد من قضايا التعذيب لوزارة الداخلية، كانت أبرز تلك القضايا قضية مقتل الشاب السكندري «خالد سعيد» الذي كان شعلة لعدد من التظاهرات التي انطلقت بمحافظات مصر منددة بالقمع النظامي ومطالبة بإقالة وزير الداخلية حينها محمد حبيب العادلي، الأمر الذي انتهى بثورة يناير التي طالبت بإسقاط نظام مبارك الذي ارتكب العديد من الجرائم في حق الشعب المصري.

 

مما يفسر سبب ذعر النظام الحالي من مركز النديم والرغبة في التخلص منه، مثله مثل غيره من المنظمات الحقوقية والحقوقيين المهتمين بالدفاع عن حقوق الإنسان بمصر، وكشف جرائم النظام عارية أمام المجتمع.

 

النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــــــــــــا

مقالات متعلقة