في محافظة مطروح، يظل سوق ليبيا هو أحد معالم المحافظة البهية التي تعج بالمصطافين صيفا بينما تظهر كشبح خالٍ من الناس في الشتاء. والسوق يتألق بكل ما تشتهيه الأنفس من منتجات سيوة والملابس الواردة من معبر السلوم، لكنها في الشتاء تعاني كساد مميت.
وعلى كورنيش مطروح في تمام الساعة الثامنة مساء، خرجنا قاصدين مبنى المحافظة لنفاجئ بخلو الكورنيش تماما من المارة، وفي اليوم التالي قصدنا سوق ليبيا أحد أشهر العلامات في المحافظة، والذي يعتبر مزارا أساسيا لكل من يزور مطروح، فليس من المقبول أن تطأ قدمك أرض هذه المدينة دون شراء بعض من منتجاتها المميزة سواء من منتجات سيوة أو الملابس الواردة عن طريق معبر السلوم، لكن الأمر مختلف هذا العام، ولم يكن تأثر حركة البيع والشراء في السوق هذا الشتاء قليلة فقط لكوننا في غير الموسم الرئيسي للمحافظة، فهناك أسباب أوضحها بعض الباعة نسردها في هذا التقرير.
صوت "جرس" إنذار الحريق يتلاحم مع ظلمة المكان الخالي من المارة، أحاول التأكد من أنني بلغت مقصدي، فيؤكد لي أحدهم أنني أمام سوق ليبيا الشهير، والمكون من ممرات متداخلة يعلوها سطح معدني، يخرج بعض أصحاب المحال لأداء صلاة المغرب فور رفع الآذان فيما يبدأ البعض في إضاءة المصابيح لتضطح الرؤية أكثر.
أول سوق خاص
أمام أحد محال الأحذية يقف علي أبو عقيل أحد تجار سوق ليبيا، الذي يوضح لنا أن المكان الأصلي للسوق كان ناحية الكورنيش قبل أن ينتقل إلى مكانه الحالي، وعقب إنشاء المجمع الإعلامي لم يكن هناك مفر من نقل السوق، إلا أن المحافظة لم تتمكن وقتها من توفير مساحة للسوق، ليقم أحد الأهالي بإقامة المشروع على أرض خاصة به ليصبح أول سوق خاص في مصر.
يصف أبو عقيل حالة السوق حاليا بأنها أكثر تنظيما عما كانت عليه سابقا، مشيرا إلى أنه متكامل يضم كافة المنتجات، وأن سبب تسميته بذلك الاسم هو أن أغلب البضائع كانت تأتي للسوق عن طريق ليبيا، إلا أن الأمر تغير عقب الأحداث التي وقعت هناك، فاضطر التجار إلى إكمال بضاعتهم من أماكن أخرى.
وفي مقدمة السوق يجلس محمد عبد الله القادم من محافظة البحيرة وهو أحد تجار السوق، يقول أن السوق تم نقله إلى مكانه الحالي عام 1994، وأن مكانه القديم كان بالقرب من مبنى المحافظة الواقع في شارع "إسكندرية" وكان عبارة عن مجموعة من"العشش الصفيح"، مشيرا إلى أن أحد التجار وهو "الحاج صميدة" هو من جمع التجار وقام بإنشاء السوق على الأرض الخاصة به، وتم افتتاحه عام 2001، حيث يضم 725 محل جميعها ملك الحاج صميدة قام بتأجيرها للتجار.
بدأ دخول المنتجات الليبية للسوق في فترة التسعينيات، ويوضح عبد الله أن تلك المنتجات لم تكن جميعها صناعة ليبية، وكان أغلبها مستورد من دول كثيرة إلا أن دخولها لمطروح كان من ليبيا عبر منفذ السلوم.
17 عام هي مدة وجود فتح الله الدالي أحد التجار بسوق ليبيا، فيقول أن السوق دائما ما كان يتميز بوجود البضائع ذات الجودة العالية.
الدولار والسوق
رغم قلة الحركة التي اعتادها التجار في فصل الشتاء إلا أنهم لم يتوقعوا حالة الركود التام التي تسبب فيها ارتفاع سعر الدولار، يقول فتح الله الدالي أن الظروف المادية التي يعاني منها المواطن انعكست بشكل واضح على حركة البيع والشراء بالسوق معلقا"الناس تعبانة والأول كان فيه بيع وشرا دلوقتي مفيش".
وأوضح الدالي أن حالة الركود بدأت فعليا منذ عامين إلا أن البيع والشراء توقف تماما عقب ارتفاع سعر الدولار، مشيرا إلى أن السوق يضم كافة المنتجات، وأن الأسعار ارتفعت عقب ارتفاع سعر الدولار بنسبة الثلث تقريبا فما كان يباع ب200 أصبح سعره 280.
ويرى علي أبو عقيل أن المواطن متخم بالأعباء إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وهو ما أدى لانخفاض المبيعات، مشيرا إلى أن بعض المنتجات أصبح سعرها الضعف، وأن ارتفاعها ليس له سقف فكل يوم يشهد زيادة عن اليوم السابق.
ويصف محمد عبد الله المرحلة الحالية بأنها أسوأ مرحلة في حال الاقتصاد المصري، موضحا أنه لا يمكن القياس على سوق ليبيا في فترة الشتاء، إلا أن تأثير ارتفاع سعر الدولار اتضح على السلع والتي ارتفع سعر بعضها لـ 400% فسعر الحبهان وصل إلى 300 لدلا من 120 جنيه، فلفل 145 بدلا من 90 جوزة الطيب من 120 إلى 400، وذلك تأثير سعر الدولار، إلا أن بعض التجار لديها مخزون متوفر بالفعل من قبل ارتفاع سعر الدولار فمخزون الفلفل موجود من شهر 5.
بينما أكد محمد رمضان تاجر عطور في السوق أن أسعار المنتجات ارتفعت بنسبة 100%، عقب ارتفاع سعر الدولار، مشيرا إلى أنه كان يشتري خامات للعطور بـ 25 ألف، وصل سعرها اليوم إلى 61 ألف جنيه، موضحا أن السوق تأثر أكثر عقب ارتفاع الدولار معلقا"من بداية شهر واحد والسوق واقع في حاجة غلط".
الصيني بدل الليبي
يقول علي أبو عقيل إن أغلب المنتجات الموجودة في السوق حاليا صيني، وخاصة الأحذية، وهو ما أكده محمد عبد الله، حيث أشار إلى أن المنتجات الصيني انتشرت في السوق، إلا أنها لا تأتي من الصين رأسا، بل يتم شحنها عن طريق ليبيا وهو ما يجعل جودتها أعلى من المشحونة عن طريق الجمارك، موضحا أن الشحن على ليبيا يتم عن طريق المهربين في الجمرك.
ويقول الدالي أن أكثر البضائع الموجودة في السوق من الصين، مشيرا إلى أن الصيني درجات وأن التاجر مجبر أن يستورد بضائع بجودة عالية، موضحا أن البضائع التي كانت تأتي من ليبيا توقفت تقريبا.
وأشار الدالي إلى أنهم يرغبون في العمل بالمنتجات المصرية إلا أن المنتجات الموجودة لا تساعدهم على ذلك، معلقا"المصري ياريت ينتج لكن بيطلعوا بحجج كثيرة المواد سعرها ارتفع وغيرها".
وتسائل محمد رمضان ساخرا"هي مصر بتستورد من مكان تاني غير الصين؟"، مشيرا إلى أن كافة المنتجات المستوردة آتية من الصين.
الصرف والسقف والمرافق
التهرب الضريبي والجمركي هي أبرز مشكلات التجار حسب ما أبو عقيل، فيقول كانت تأتي لجنة تبع التهرب الضريبي والجمركي ، وكانت عبارة عن لجنة تدخل إلى المحال إما أن يحرر مخالفة تهرب ضريبي وجمركي أو يقوم التاجر بدفع مبلغ مالي أو بضاعة، مشيرا إلى أن اللجنة جاءت إلى السوق مرتين وليس لديهم علم إذا ما كان الأمر تم حله أم سيتكرر مرة أخرى.
بينما رأى محمد عبد الله أن أبرز مشاكل السوق تتمثل في المرافق وتدخلها في السوق طوال فترة الصيف، مشيرا إلى أن ذلك ليس من حقهم فالسوق خاص وقائم على أرض خاصة، موضحا أنهم كلما حاولوا إيصال الأمر للمحافظة توقفت المرافق عن مضايقتهم.
ويقول فضيل فرج، إن الصرف الصحي وتسرب مياه الأمطار هي أبرز مشاكل السوق، موضحا أنه في حالة سقوط الأمطار تتسرب المياه من السقف"الصاج" للسوق، ومع إنسداد الصرف الصحي تتسرب المياه إلى داخل بعض المحال، مطالبا بعمل إضاءة للسوق وإصلاح الصرف الصحي، وعمل طبقة ثانية من "الصاج" للسقف.
فيما طالب فتح الله الدالي بإعفاء مطروح من الضرائب والتأمينات، مشيرا إلى أن فترة العمل بها لا تتعدى شهور الصيف، بينما يقف العمل طوال ال10 أشهر الأخرى، فمن المفترض أن يعفوها من الضرائب.