عام مضى على رحيل الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، أو "الأستاذ"، كما عرفه تلاميذه في الصحافة المصرية والعربية، حيث كان عاشقا للصحافة وتميز بأسلوبه الفريد وسط أبناء جيله.
توفى هيكل في 17 فبراير 2016 ، عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان، حيث كشف هيكل عن مرضه في مقاله الشهير "استئذان في الانصراف" عندما بلغ الثمانين من عمره عام 2003.
وبالتزامن مع الذكرى الأولى لرحيله، بدا الكاتب الصحفي عبد الله السناوي في نشر حلقات كتابه - الذي لا يزال قيد الطبع-، "أحاديث برقاش: هيكل بلا حواجز"، فيما يخرج الكتاب للنور عن دار الشروق خلال الأيام المقبلة.
ويتطرق السناوي خلال كتابه إلى حياة هيكل مع مرض السرطان، قائلا: زيارة «السرطان» استدعت تدخلاً جراحياً خريف ١٩٩٩ في «كليفلاند كلينك» بالولايات المتحدة، استؤصلت فيها كلية وحالب وقمة المثانة على الجانب الأيسر، وفي فبراير ٢٠٠٨ زاره «السرطان» مرة أخرى أثناء إجازة عيد أضحى في الغردقة.
ويتحدث السناوي في أولى حلقات الكتاب، عن موقف هيكل من كتابة قصة حياة، قائلا: "لم يكتب سيرة ذاتية، ولا كان وارداً في تفكيره أن يكتبها، فكل ما أراد أن يتركه أشار إليه في كتاباته وكتبه، أو أودعه على شرائط مسجلة بثتها محطة «الجزيرة» في برنامجه «سيرة حياة»، ونصوصها فُرغت على ورق وضبطت صياغتها لتكون صالحة للنشر، وقد راجعها بنفسه.
ولم يكن هيكل مجرد صحفي ينقل الأحداث، بل كانت له رؤية سياسية لمختلف القضايا في مصر والعالم العربي، ويعد من الصحفيين القلائل الذين كان لديهم القدرة على التحليل السياسي للأحداث.
واستطاع هيكل أن يرصد القضايا التي تشغل العرب في 40 مؤلفا، ويعد مرجع رئيسي في الكثير من القضايا العربية، وعلى رأسها قضية الصراع العربي مع اسرائيل.
ومن أبرز مؤلفاته: " أكتوبر 73، السلاح والسياسة، خريف الغضب، قصة بداية ونهاية أنور السادات، المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل، فاروق كما عرفته: مذكرات كريم ثابت، حرب من نوع جديد، لمصر لا لعبد الناصر، الاستعمار لعبته الملك " و غيرها من الكتب التي تعد تراثا خلفه هيكل للأجيال القادمة.
ودخل "هيكل" بلاط صاحبة الجلالة عام 1943، عندما التحق بجريدة “الإيجبشيان جازيت” كمحرر تحت التمرين في قسم الحوادث، ثم في القسم البرلماني، واختاره رئيس تحرير لكي يشارك في تغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1945، عمل هيكل محررا بمجلة "آخر ساعة"، وأصبح بعد ذلك مراسلاً بأخبار اليوم، التي أعطته الفرصة للتنقل بين دول العالم، مما اكسبه الخبرة في مجال عمله، ليستقر الحال به في مصر متوليا منصب رئيس تحرير "آخر ساعة" ومدير تحرير "أخبار اليوم" عام 1951.
ويرى الكاتب الصحفي جمال فهمي، عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، أن هيكل موهبة "فذة"، استطاع أن ينحت من الألفاظ تعبيرات رائعة لتبقى لنا على مدار السنين.
ويضيف فهمي في تصريح لـ"مصر العربية"، أن الأستاذ هيكل قامة صحفية وسياسية هائلة والجميع يعلم ذلك، مشيرا إلى أنه رحل ولكن تراثه الرائع سيظل باقي على مدى الدهر.
اقترن بـ"هيكل" ألقاب عدة بينها: "كاتب السلطة" و"صديق الحكام" و"صانع الرؤساء" و"مؤرخ تاريخ مصر الحديث" و"الأقرب" للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، إلا أن "الصحفي" ظل المفضل إليه، و"الكاتب" ظل التوصيف المحبب لديه و"المفكر" ظلت الكلمة التى تجذبه لكي يروي ويسرد ما لديه من معلومات وتحليلات.
أصبح هيكل رئيسا تحرير جريدة "الأهرام" لمدة 17 عاما، وسبق أن عرضت عليه رئاسة تحرير الجريدة عام 1956 إلا أنه رفض.
بدأ عام في كتابة عموده الأسبوعي بالأهرام تحت عنوان “بصراحة” عام 1957، انتظم في كتابته حتى عام 1974م.
ساهم هيكل في تطوير جريدة “الأهرام” حتى أصبحت واحدة من الصحف العشرة الأولى في العالم، وأنشأ مجموعة المراكز المتخصصة، أبرزها مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، ومركز الدراسات الصحفية ومركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.
ويقول مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق: "عملت مع هيكل 24 سنة كان أهم صحفي في تاريخ مصر، مثال للانضباط والقدوة، ما كان يكتشف موهبة حتى يدفعها للتقدم والأمام".
ويضيف مكرم خلال حديثه لـ"مصر العربية"، أنه من الصعب تعويض هيكل مرة أخرى، فهيكل كان محبا لمهنته وفخورا بنفسه وبعمله، مؤكدا على أنه كان يحب ويسعى لتنمية المهنة والمواهب التى كانت موجودة معه.
وفي ذكرى رحيله، رثى نقيب الصحفيين الأسبق هيكل قائلا: "الله يرحمك، وشكرا على كل اللي قدمته في الصحافة وسيبقى طويلا، وشكرا على كل الذي كان بيننا من علاقة تلميذ بأستاذه وعلاقة زميل بزميله".
وما بين عامي 1959 و 1974، تولى هيكل رئاسة مجلس إدارة " الأهرام" استطاع خلالها توطيد علاقته ببعض الحكام والملوك والرؤساء، من أبرزهم، الملك عبد الله أول من حكم الأردن، وأحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عام 1962، ومحمد رضا بهلوي آخر حكام إيران قبل ثورة الخميني.
وتقلد هيكل منصب وزير الإرشاد القومي عام 1970، تقديراً لظرف سياسى وعسكرى استثنائى فى الظروف المحيطة بحرب الاستنزاف، حيث أصدر عبد الناصر وقتها مرسوما بتعيينه وزيرا - بعد اعتذاره عن المنصب عدة مرات- مع استمراره رئيساً لتحرير الأهرام.
وفي مرضه الأخير اتصل الرئيس عبدالفتاح السيسي بهيكل عدة مرات، كلما كان بقدرة الأستاذ أن يتحدث. حيث اقترح السيسي نقله إلى المركز الطبي العالمي لتلقي العلاج، لكن هيكل لم يكن يريد أي علاج على نفقة الدولة، أو في أحد مستشفياتها. بنفس القدر، فإنه لم يكن يريد أن تكون جنازته عسكرية على ما أخبر الرئيس في لقاء ضمهما في قصر الاتحادية قبل أن يداهمه المرض الأخير. بحسب كتاب السناوي "أحاديث برقاش؛ هيكل بلا حواجز".
وأشار السناوي في كتابه إلى أن هيكل استنكر بكل وجدانه ما بُثَّ على إحدى الفضائيات من أنه اخترع زعيم ثورة يوليو، ولم يأبه بكلام آخر على نفس الفضائية يستعجل رحيله.
"وبرغم شدة مرضه، تبدى كبرياؤه الإنساني، وأراد أن يعتمد على نفسه ولا يطلب مساعدة من أحد. لا يشتكي، ويواجه قدره رافعاً رأسه"، بحسب ما ذكره السناوي في كتابه.
ووفقا للسناوي، "قبل أن يدخل هيكل في تعقيدات المرض الأخير، طلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي الإفراج عن الشباب الموقوفين وفق قانون التظاهر. في الطلب انحياز إلى المستقبل ودعوة إلى فتح صفحة جديدة لا تحجب حركة إلى الأمام".
وتزوج هيكل من السيدة "هدايت تيمور" في يناير 1955م، ولديهم ثلاثة أولاد، هم: “علي هيكل” طبيب أمراض باطنية وروماتيزم في جامعة القاهرة، و”أحمد هيكل” رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية، و”حسن هيكل” رئيس مجلس الإدارة المشارك والرئيس التنفيذي للمجموعة المالية (هيرميس).