في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970، كان الشيخ عمر عبدالرحمن يقف على منبر مسجد قرية فيديمين بمركز سنورس، بمحافظة الفيوم ليفتي بحرمة الصلاة على الرئيس جمال عبدالناصر، ليلصق بالرجل الكفيف وعالم الأزهر لقب مفتي تنظيم الجهاد ومؤسسه الروحي، بعدها بسنوات أفتى بتكفير الرئيس السادات.
قبل ساعات من مساء اليوم السبت، أعلنت أسرة الشيخ عمر عبد الرحمن وفاته عن عمر ناهز 79عاماً، بعد تعرضه لأزمة صحية في سجن نورث كارولينا الأمريكي الذي كان يقبع خلف جدرانه منذ العام 1993، عقب اتهامه بـ "التورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك"، والتخطيط لشن اعتداءات أخرى.
ولد عبد الرحمن في محافظة الدقهلية، في العام 1938، وحصل على الابتدائية وكان ترتيبه فيها الثاني على الجمهورية، وحصل على الثانوية الأزهرية عام 1960 وكان ترتيبه فيها أول الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة ودرس فيها حتى تخرج منها في عام 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
عُين عبد الرحمن الذي فقد بصره بعد ولادته بحوالي ستة أشهر فقط، بأحد مساجد الأوقاف بقرية فيديمين بمركز سنورس بالفيوم، ثم حصل على شهادة الماجستير، وعمل معيداً بالكلية مع استمراره بالخطابة متطوعاً.
في عام 1969، أوقف عن العمل في الكلية وتم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل، حتى تم اعتقاله في الثالث عشر من شهر أكتوبر عام 1970 بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بسبب فتوى له بعدم جواز الصلاة على الرئيس الراحل.
فتوي الصلاة على عبد الناصر
في مذكرة اعتقال عبدالرحمن قال المحقق "إنه نال وتعرض لشخص الرئيس جمال عبدالناصر ووصفه بفرعون مصر واتهمه بالكفر والإلحاد لأنه أحضر الروس الملحدين إلى هذا البلد الذي يمتلئ بالمقدسات".
أفرج عن عبدالرحمن بعد قيام ما سمي بثورة التصحيح، ورغبة نظام الرئيس السادات في إطلاق سراح الإسلاميين لمواجهة الماركسيين والناصريين الذين يعارضون نظامه، وقرر عبدالرحمن السفر خارج مصر.
وخلال الفترة من 1971 الى 1978 غاب عمر عبدالرحمن عن البلاد وعمل خارج مصر في مجال التدريس في المواد خاصة بأصول الدين وعلم الحديث، عاد بعدها لمصر وبدأ التواصل مع بعض قيادات الجماعات الإسلامية.
قضية تنظيم الجهاد
في سبتمبر 1981 صدر ضد عمر عبد الرحمن قرار بالاعتقال ضمن قرارات التحفظ المشهورة، إلا أنه تمكن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981، وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية بتهمة التحريض على اغتيال الرئيس لكن المحكمة برأته.
رغم البراءة ظل الشيخ الضرير محبوسًا، حيث تم تقديمه مرة أخرى لمحكمة أمن الدولة العليا بتهمة قيادة تنظيم الجهاد وتولي مهمة الإفتاء بالتنظيم، وحصل على البراءة أيضًا في هذه القضية.
في هذه القضية قال عنه المستشار رجاء العربي النائب العام وقتها أثناء مرافعة النيابة "إن عمر عبدالرحمن سخّر علمه للإثم ولم يسخره للخير. سخر الدين للعدوان ولم يسخره للاخاء والمحبة. ساهم بعلمه على الفتنة بين المسلمين وهو يعلم علم اليقين أنها أشد من القتل فنصبوه زعيماً لكي يقوم بالاستفتاء في الأمور الشرعية، مثل الفتاوى الأساسية كالجهاد، لقتال الحكومة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وجمع الأموال على ذمة إنشاء المساجد والجوامع ثم أفتى بانفاقها على الجهاد. كما كانت تنقل إليه جميع أخبار التنظيم ونشاطه وأخباره عن التدريب والسلاح وغيره".
اعتقاله بأمريكا
سافر الشيخ عمر عبدالرحمن إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليقيم في ولاية نيوجرسي، واعتقل هناك بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، وصدر عليه حكم بالسجن مدي الحياة إلا أن توفي مساء اليوم، وخلال هذه الفترة تعالت المطالبات من قبل بعض المجموعات الإسلامية بالإفراج عنه، إلا أن ذلك لم يحدث ولم تقبل السلطات المصرية بعودته.
وبرأت هيئة المحلفين الأمريكية عبدالرحمن من تهمة محاولة تفجير (مركز التجارة العالمي)، ومن كل التهم المنسوبة إليه، باستثناء تهمتي التحريض على اغتيال الرئيس الأسبق مبارك، أثناء زيارة كانت مقررة لأمريكا، والتحريض على قتال الجيش الأمريكي، وقالت إن الشكوك تحيط من كل جانب باعتبار الأقوال المنسوبة له تحريضًا بالمعنى القانوني.
وفي 2008 تقدمت أسرة "عبدالرحمن" بطلبات عدة لوزارتي العدل والداخلية المصرية لمخاطبة السلطات الأمريكية لنقله من محبسه في أمريكا وقضاء باقي مدة العقوبة في السجون المصرية.
عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، نظم الإسلاميين تظاهرات للإفراج عن الشيخ أمام مقر السفارة الأمريكية، واعتصمت أسرته على مقربة من ميدان التحرير.
في أول خطاب للرئيس المعزول محمد مرسي، بميدان التحرير، وسط أنصاره، حاول مداعبة مشاعر الإسلاميين المرتبطين بالشيخ فكريا وقال إنه سيطالب إدارة الرئيس أوباما بالإفراج عنه.
وخلال الأيام الماضية حاول قيادات من الجماعة الإسلامية التوسط لدي دولة قطر لقبول سفر الشيخ لها عقب اشتداد المرض عليه إلا أن الموت لم يسعفه.
وبحسب نجله محمد ، فإنهم أبلغوا بوفاة والده بالسجون الأمريكية مساء اليوم وكان آخر تواصل معه قبل أسبوعين.
وقال لـ"مصر العربية" إن والده كان يشعر بدنو أجله وقال لزوجته "ربما يكون هذا هو الاتصال الأخير معهم ﻷنه يشعر باقتراب الأجل".
وخلال فترة حبسه أُصيب عبدالرحمن، بالعديد من الأمراض، منها سرطان البنكرياس، والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة.
منتصر الزيات ، محامي الشيخ عمر عبد الرحمن، قال إن أسرته خاطبت الأجهزة الأمنية لدفن جثمانه بمصر ، وأنهم بدأوا في اتخاذ الإجراءات.
حديث الزيات يشير إلى إمكانية دخول الشيخ لمصر بعد رفض السلطات المصرية دخوله لما يزيد عن عشرين سنة، طوال فترة سجنه الماضية، ليدخل هذه المرة بقرار إلهي.
أفكاره
خلال الثمانينات تحول الشيخ عمر عبدالرحمن لظاهرة وأخذ يلفت الأنظار إليه لاسيما عقب تقييد حريته وتعرضه لحملات أمنية متكررة ومنعه من مغادرة محل إقامته في الفيوم إلى محافظات الصعيد.
بعدها تحولت أيديولوجية عمر عبدالرحمن مادة خصبة ليس للنقاش بين أعضاء الجماعات الإسلامية فقط بل انتقلت للباحثين في الجامعات ومراكز الأبحاث السياسية الاستراتيجية.
وبلورت أفكار الشيخ من خلال أربعة محاور رئيسية، اولها "ميثاق العمل الاسلامي، الذي أعده الدكتور ناجح إبراهيم، وعاصم عبدالماجد، وعصام الدين دربالة، بإشراف عمر عبدالرحمن.
ويعتبر هذا الميثاق بمثابة البرنامج واللائحة الداخلية لتنظيم الجهاد، وقد جاء في مقدمته المحررة بمعرفة المؤلفين الثلاثة: "كان من فضل الله علينا أننا عشنا أيام الابتلاء بالقرب من فضيلة الشيخ عمر عبدالرحمن نلتمس ثباتاً من ثباته وإصراراً من اصراره وثقة من ثقته ويقيناً من يقينه، إن بنود ميثاق العمل الاسلامي نوقشت مع الدكتور عمر عبدالرحمن حتى استقرت بالصورة التي هي عليه الآن".
الثاني: كتاب أصناف الحكم وأحكامها، والثالث: بحث حكم قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام وحتمية المواجهة، والرابع: مرافعة عمر عبدالرحمن التي نشرت في كتاب "كلمة حق".