بعد سيطرة آل الأسد على الحكم في سوريا قرابة ستة عقود، زادت أعداد السجون في البلاد، وامتلأت غالبيتها بالمعارضين، حولت حياة المدنيين إلى أرقام.
أرقام نزلاء سجون الأسد من المدنيين لم تقف فقط على الأحياء، بل ارتبطت أيضًا بالموتى الذين حولهم النظام إلى أرقام، بعد تعذيبهم.
فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 فرّ أكثر من 10ملايين شخص من ديارهم، بينما لم يجد مئات آلاف آخرون فرصة للهرب فوقعوا أسرى في يد قوات بشار الأسد الذي زجّ بهم في سجونه السرية.
محارق بشر
جثث عارية للنساء، ماتت من الجوع والتعذيب، وجثث لصِبية ماتوا بنفس الطريقة، وأخرى لكبار سن ماتوا جوعاً وألماً في سجونٍ مظلمة موحشة، ثم "غلفوا" بأكياس بلاستيكية، وأرسلوا إلى مصيرٍ مجهول، ربما مقابر جماعية أو حتى محارق بشر.
سجون الأسد تنتشر في المناطق التي يسيطر عليها النظام وميليشياته من المرتزقة الأجانب، فهناك عشرات السجون السرية التي يزج بها المعتقلون السوريون ويقضون فيها أوقاتًا طويلة دون محاكمة، فضلاً عن مقتل العديد منهم تحت التعذيب، حسبما أكدت تقارير لمنظمات حقوقية.
فمن سجون تدمر، إلى دمشق، وصيدنايا، واللاذقية، والمزة، وفروع المخابرات، يتعرض معارضو النظام لشتى أنواع التعذيب، بينها الصعق بالصدمات الكهربائية ونزع أظافر الأيدي والأرجل والسلق بالمياه الساخنة والاغتصاب والاعتداء الجنسي للمعتقلات. بحسب ما أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخرًا والتي أكّدت أن 11 ألفًا و429 شخصًا قتلوا بسبب التعذيب في سوريا، 99% منهم قتلوا على أيدي قوات النظام.
سجون اللاذقية
مدينة اللاذقية (إحدى أكبر تجمعات قوات النظام وميليشياته في سوريا) تحتوي على سجون سرية تديرها ميليشيات يتبع بعضها لقوات رئيس ميليشيا "الدفاع الوطني" سابقًا هلال الأسد والذي (قتل عام 2014)، وأخرى إلى شخصيات نافذة في نظام الأسد ترتكب الانتهاكات لعدم مساءلتها قانونياً.
ويصف المعارض والناشط الحقوقي علي خليل من مدينة اللاذقية المدينة الرياضية في اللاذقية بـ السجن السري الذي شهد قتل المئات من المعتقلين واغتصاب آخرين، مضيفاً أن المدينة الرياضية من أخطر وأكبر السجون السرية في اللاذقية التي يتعرض أبناؤها المعارضون للاعتقال بشكل مستمر. وفقا للسورية نت.
ومن بين السجون السرية الأخرى في اللاذقية، سجن يعود إلى رجل الأعمال أيمن جابر، ويقع عند مستودعات المرفأ وفيه مئات المعتقلين المغيبين الذين ما يزال مصيرهم مجهولاً.
ومن اللاذقية إلى سجن تدمر، الواقع في الصحراء التي تحمل الاسم نفسه- والذي يعد واحدًا من أشهر وأسوأ السجون السورية طوال فترة حكم حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار.
ووفقًا لشهادات سجناء سابقين، ارتكبت في السجن عشرات المجازر في فترة الثمانينيات وحدها، واعتقل فيه سوريون ولبنانيون خلال حقبة الوجود السوري في لبنان، ويقال إنّ مقابر جماعية لمعتقلين قتلوا في السجن توجد في صحراء تدمر.
جبل قاسيون
سجن جبل قاسيون، وهو من أخطر سجون النظام، والذي يخضع لإدارة وإشراف آل الأسد، صنع لمعارضي عائلة الأسد بشكل شخصي.
سجون فرع "فلسطين -235"، ويعدّ من أخطر مناطق الاحتجاز التي يوضع فيها سجناء فلسطين الموجودون بالمخيمات الفلسطينية في سوريا، حيث كشف فريق الرصد والتوثيق في مجموعة العمل عن توثيقه (90) لاجئة فلسطينية معتقلة في سجون النظام السوري، مؤكدًا أن العدد أكبر من ذلك، ومن بينهم طالبات جامعيات وناشطات وأمهات مع أطفالهن.
وحسب مجموعة العمل، فإنّ الأمن السوري لا يزال يتكتم على مصيرهن في ظل تقارير وشهادة معتقلات فلسطينيات وسوريات تعرضن للتعذيب والاغتصاب ومن ثم القتل على يد عناصر الأمن السوري وعناصر موالية له.
ومن بين المعتقلات اللاجئة الفلسطينية المفرج عنها والتي تُعرف باسم (هدى) حيث تروي الشابة الفلسطينية الشابة ابنة 18 عامًا تفاصيل رحلة العذاب خلال فترة اعتقالها بدءًا من الضرب والصعق بالكهرباء وانتهاءً بالاغتصاب لمرات عدة.
وبحسب مركز توثيق المعتقلين فإن (هدى) ابنة مخيم اليرموك رفضت التصريح عن اسمها الحقيقي لاعتبارات قد تفهم من خلال معاناتها في السجون السورية، وتشير الشهادة إلى أنّه تم اعتقال الشابة من قبل عناصر الجبهة الشعبية –القيادة العامة الموالية للنظام على بوابة المخيم بتهمة الإرهاب، وتم اقتيادها إلى فرع ما يسمى "فلسطين -235" في دمشق في بدايات عام 2013م، وأمضت فيه 4 أشهر.
مشاهد مرعبة
ووفقاً للشابة (هدى) تتحدث عن ممارسة عناصر الأمن السوري أشكال التعذيب كافة، فبعد الزج بها في زنزانة مساحتها 3 ×4 أمتار، ومعها 18 معتقلة معظمهن فلسطينيات، بدأ مسلسل التعذيب من الصعق بالكهرباء و»الشبح» والضرب بالسياط والعصي الحديدية، ثم نُقلت إلى فرع "المداهمة -215" في دمشق، وتصف طرق التعذيب فيه بأنها أشد قسوة من فرع فلسطين "أضعافًا مضاعفة".
وتضيف "كان المحققون يستجوبونني عن أسماء فتيات وشبان من مخيم اليرموك، وعندما أنكرت معرفتهم تعرضت للضرب والتعذيب والشبح والصعق بالكهرباء.
كما تعرضت للاغتصاب أثناء وجودي في الفرع لمدة تزيد عن الخمسة عشر يومًا، وفي بعض الأيام كان الاغتصاب يتكرر أكثر من عشر مرات يوميـًا من ضبـاط وسـجانين مخـتلفين".
وتؤكد في شهاداتها أنه وبعد اغتصابها حملت إلا أنها أجهضت نتيجة الضرب، حيث قالت الشابة "أدت إصابتي بنزيف حاد وفقدان للوعي، وألقيت بعدها في زنزانة مليئة بجثامين معتقلين قتلوا تحت التعذيب حيث أجبرت على البقاء فيها أمام الجثث والدماء لما يقارب ثلاثة أسابيع، بعدها اكتشفت أني حامل إلا أنني أجهضت جراء التعذيب والضرب العشوائي وكان اغتصاب المعتقلات أمراً شائعًا.
سجن صيدنايا، وهو أحد السجون الخطرة التي كشف عن ارتكاب مجازر بها في الأيام الأخيرة، ويعد من أكبر سجون البلاد وأفظعها وأسوأها سمعة. عُرف منذ تشييده عام 1987 بأنه "سجن عسكري" يضم آلاف الجنود والضباط المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية، لكنه في الواقع كان معتقلا لمئات من السياسيين السوريين والعرب أغلبيتهم الساحقة من الإسلاميين.
ويقع سجن صيدنايا قرب دير صيدنايا المسيحي التاريخي على بعد نحو ثلاثين كيلومترا شمال العاصمة السورية دمشق، وأنهت الحكومة بناءه عام 1987 فكان رمزا لسطوة نظام حزب البعث الحاكم، مثل كل سجون سوريا الشهيرة كسجن تدمر وسجن العدرا وسجن المزة العسكري وسجن حلب المركزي. وتتولى إدارته الشرطة العسكرية.
كما أنه يعد أحد أشد الأمكنة العسكرية تحصينا في البلاد على الإطلاق، ويتألف من قسمين: "السجن الأحمر"، وهو الأسوأ والأكثر قسوة، وأغلب معتقليه من السياسيين والمدنيين المتهمين بدعم "الإرهاب"، و"السجن الأبيض" وهو مخصص للعسكريين المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية.
معتقلات سرية
غازي فالح أبو السل المحلل السياسي السوري، وأحد من تم اعتقالهم في سجون النظام عقب اندلاع الثورة، قال: "رأينا العجائب في سجون النظام، فالأسد ليس له مثيل في القتل والتعذيب والإجرام.
وأوضح السل لـ"مصر العربية" أن سوريا مليئة بالمعتقلات السرية والعلنية ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد المعتقلين، قائلا: "النظام يحاول تنظيف السجون من المعتقلين بالتخلص منهم بكافة الطرق الممكنة لأنهم عبئ عليه.
وتابع: "المعتقلون يمارس بحقهم أقسى وأمر حالات التعذيب التي لا تخطر على البال، "يتفننوا ويستمتعوا بتعذيبهم، واغتصاب حرائرنا الماجدات، مضيفا: "من سجن صيدنايا وثقت إحدى المنظمات الدولية إعدام ثلاثة عشر ألف شخص قضوا شنقا.
وأشار السياسي السوري إلى أن سوريا مليئة بالسجون السرية التي لا نعرف مصير أبنائنا فيها، لافتا أن منظمات حقوق الإنسان الدولية كلها منظمات استخباراتية كاذبة لا يوثق بها ولا بالأمم المتحدة، ولا بمجلس الأمن ولا بكل المنظمات الدولية، فكل العالم مع بشار الأسد وما لنا غير الله، ونحن ماضون بثورتنا ولا خيار أمامنا إلا النصر والتحرير بإذن الله تعالى.
بدوره، رأى السياسي السوري أحمد المسالمة، أن الأسد الأب ترك إرثا لابنه بشار، سجون مظلمة وشعب محاصر، ودمار وخراب، مضيفا أن الأسد الابن زاد من تلك السجون إبان حكمه.
وأوضح السياسي السوري لـ"مصر العربية" أن سوريا مليئة بالسجون، فمن سجن تدمر المركزي سيء الصيت الذي يوصف بأنه الأكثر بشاعة، إلى صيدنايا، والمزة، كلها سجون صنعها النظام وحولها لمصانع تعذيب وقتل، ناهيك عن عشرات السجون الموزعة بكل محافظة ويطلق عليها تسمية السجون المركزية.
وتابع: "لم تكن المعاملة أفضل بالسجون العسكرية عن السجون المدنية، فكلها قمعية صنعت لقتل البشر، فإذا لم يكن التعذيب الجسدي بالضرب المبرح والشبح ووسائل يختص بها سجانون بدون رحمة إلى التعذيب بقلة الطعام واكتظاظ الغرف، مشيرا إلى أن أقبية المخابرات الأسدية بها كل وسائل التعذيب، فيها يقتل المعتقل بالبطيء.
وأكد أنه منذ اندلاع ثورة سوريا، ازدادت أعداد المعتقلين والمغيبين قسريا، فكانت الحدائق والمدارس والأبنية الحكومية سجونا يمارس فيها تعذيب المدنيين، وحتى المشافي و منازل المدنيين جعلوا منها أماكن للتعذيب والاحتجاز.
سيارات نقل السجناء كانت أحد أداة التعذيب أيضا، الكلام لا يزال على لسان المسالمة، والذي أكد أن تلك السيارات كانت مصنوعة من الحديد المصفح بدون شيء بصناديقها المغلقة تماما، ليس بها منافذ إلا من باب يفتح عند الصعود أو النزول للسجناء المكبلين بالأصفاد الحديدية، محكمة الإغلاق على المعاصم، مقيدون بسلسلة حديدية تمر على جميع السجناء.
وأنهى المسالمة كلامه،: "الأسد وحاشيته أشرفوا مباشرة على تعذيب السجناء، ولم يكتفوا بمن خالفهم، بل اعتقلوا الآلاف عشوائيا، وقتلوا الكثير، فكل ذنبهم أنهم سوريون.