قبل عام من الآن كانت مدينة العقبة الأردنية شاهدة على اجتماع رباعي أحيط بالسرية، حسبما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وكان أبطال اللقاء وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، وكل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني.
الهدف من اللقاء بحسب تقارير إعلامية هو طرح مبادرة سلام إقليمية، تتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم دول عربية إلا أن تساؤلا هاما يبرز من بين تفاصيل اللقاء، عن سر الإعلان عن الاجتماع بعد عام كامل.
خبراء أرجعوا أسباب الإعلان عن اللقاء بعد عام، لمحاولات إسرائيلية لإحراج السيسي أمام الرأي العام المصري، -الرافض للكيان الصهيوني-، وللرد على التقارب المصري مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، وزيارة بعض القيادات الفلسطينية لمصر.
وقال الدكتور أكرم خميس، الباحث في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إن السبب الرئيسي من خروج تفاصيل هذا اللقاء الآن، هو إحراج السيسي أمام الرأي العام المصري، خصوصا مع تكرار النظام المصري الحديث عن حل الدولتين الذي لا ترضاه دوائر صنع القرار الإسرائيلية.
وأضاف خميس لـ "مصر العربية"، أن هذا الأسلوب تتبعه إسرائيل في كثير من الأحيان عندما تعجز عن حل غموض النظام المصري على مدار سنوات الصراع، كانت تحاول اللعب على منطقة كراهية المصريين لهم وتقارب الحكام منهم.
وأشار إلى أن المسعى الإسرائيلي هذه المرة ربما لن يؤت أكله، ﻷن السيسي رجل أجهزة، قبل أن يكون رئيسا، وكان يعمل سابقا في المخابرات الحربية، وبالتالي لا يوجد مشكلة لديه في مقابلة الإسرائيليين والجهات المصرية تتفهم ذلك، كما أن مسألة إقناع الرأي العام مقبولة ﻷنه مهد سابقا عزمه لمحاولة حل الأزمة الفلسطينية.
واستدل خميس على غموض السياسة المصرية الخارجية بشكل عام من بيان الخارجية المصرية للرد على إعلان اللقاء، بأنها لم تنفه ولم تثبته، حيث أنها ذكرت أنه يشتمل على مغالطات، لكن لم تحددها.
وتابع أن هذه السياسة غير الواضحة أيضا ظهرت في مجلس الأمن، بالتصويت لصالح قرارين متعارضين بشأن القضية السورية، وهو ما يظهر غموضا واضحا في انحيازات النظام المصري حتى في التقارب مع روسيا وأمريكا.
وقال خميس، إن تأكيد نتنياهو للقاء رغم إدراكه التعرض لانتقادات شديدة من قبل المعارضة اﻹسرائيلية، هى محاولة لإحراج السيسي، وربما جاء اﻹعلان عن الاجتماع للرد على التقارب المصري مع عناصر المقاومة اﻹسلامية "حماس" في قطاع غزة.
وألمح إلى أن الأحداث المتلاحقة في ملف القضية الفلسطينية وتعاطي الإدارة المصرية معها، يشير إلى عودة الوصاية المصرية عليها، فرغم وجود أطراف عربية كثيرة مرتبطة بالقضية تم تجاهلها.
وتابع أن اللقاء الذي اعترف نتنياهو بأنه من دعا له لم تحضر فيه السعودية مثلا، ولا حتى الجامعة العربية رغم أنها طرف في القضية، ولم يتم استدعاء سورية لأنها مشغولة بالصراع الداخلي القائم عندها.
ونوه إلى أن تل أبيب تحاول استغلال ورقة الوضع الداخلي المصري المأزوم في تصدير مشكلة لنظام السيسي، والدليل أنها كشفت عن مخطط مصري لتوطين الفلسطينيين بسيناء، وهو ما ترفضه الإدارة المصرية علنية.
واتفق معه الدكتور خالد سعيد، الباحث في الصراع العربي الإسرائيلي، حول ضرورة الربط بين الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع تحديدا وتوقيت الإعلان عن اللقاء السري الذي عقد بالعقبة الأردنية.
وقال سعيد لـ "مصر العربية"، إن أبرز ما يؤكد رغبة تل أبيب في إحراج السيسي أمام شعبه، هو تصريح أيوب قرا، (وزير بلا حقيبة في حكومة نتنياهو ويعتبر صديقا شخصيا له)، بأن هناك اقتراحا من الرئيس السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلا من الضفة الغربية، وهو ما لا يمكن قبوله من قبل الدولة المصرية.
وتابع أنه يجب طرح تساؤل آخر في هذه القضية عن سبب مغادرة السفير الإسرائيلي للقاهرة دون أسباب، وتزامن الإعلان مع تحسين العلاقة مع الفصائل الفلسطينية ليس حماس فقط.
ولفت إلى أنه هناك اختلاف مصري صهيوني واضح ربما هو سبب الحملة التي تشن ضد مصر حاليا، الهدف منه هو إجهاض أي محاولة لقيام دولة فلسطين.
وذهب إلى أن حديث نتنياهو نفسه به تناقض فكيف يكون هو من دعا للقاء العقبة ويرفض المقترحات المقدمة فيه، بزعم أن المعارضة الإسرائيلية سترفضه.
وتساءل محمد عصمت سيف الدولة، الباحث في الشأن القومي، عن سبب الزيارة نفسها، قائلا: "لماذا يلتقي السيسى سراً مع نتنياهو؟، ولماذا لم يلتقيا علانية وفي وضح النهار كما كان يفعل مبارك ومن قبله السادات؟".
وقال سيف الدولة لـ "مصر العربية"، إن هناك احتمالين وراء ذلك، الأول هو أن السيسي كان يريد لأسباب نجهلها أن يلتقي نتنياهو وجها لوجه بعيدا عن أعين ورقابة مؤسسات الدولة المصرية، تحت غطاء التشاور حول السلام والقضية الفلسطينية.
وأضاف أن ما يرجح هذا الاحتمال هو ما تم قبل هذا "الاجتماع السري" ببضعة أيام، يوحي بأنه كان يوجه دعوة مبطنة أو يمهد لهذا الاجتماع؛ ففي لقائه بوفد القيادات اليهودية الأمريكية بالقاهرة في 11 فبراير 2016 وصف السيسي نتنياهو بالنص ووفقا لما تداولته وكلات الأنباء بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم".
الاحتمال الثاني بحسب ما ذكره سيف الدولة، هو أن نتنياهو هو الذي وجه الدعوة كما صرح بذلك بنفسه في الأيام الماضية، وأن السيسى لم يتمكن من رفضها.