هل قررت «العشيقة» إحراج السيسي؟

السيسي- نتنياهو

“العشيقة" هو التوصيف الذي أطلقه تحديدا عدد من كبار المحللين والكتاب في تل أبيب على العلاقة بين النظام المصري وإسرائيل، التي شهدت تطورا محموما خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

 

 

في 15 فبراير الجاري كتب  المراسل السياسي للقناة الثانية الإسرائيلية "أودي سيجال" :  مصر حوّلت إسرائيل إلى عشيقة لها في الشرق الأوسط تستغلها قدر الإمكان دون تقديم مقابل سياسي".

"إسرائيل في وضع هذه العشيقة. فالأنظمة العربية تدير قصة حب معها، لكنهم لا يرغبون في الظهور معها علانية، منعا للإحراج". هكذا وصف المحلل السياسي الإسرائيلي المخضرم "أوري أفنيري" العلاقة بين القاهرة والرياض من جهة وتل أبيب من الجهة الأخرى في مقال على موقع "The pulse” بتاريخ 1 أبريل 2016.

لكن  الوصف الأقوى جاء على لسان محلل الشئون العربية "جاكي حوجي" في مقال تناول فيه العلاقة "السرية" بين تل أبيب والقاهرة، نشره موقع "المونيتور" الأمريكي في 14 أغسطس 2015 بعنوان "إسرائيل ومصر:قصة حب سرية أم زواج حقيقي؟".

 

قال "حوجي:”حياة العشيقة صعبة للغاية، ومليئة بالمنغصات المتواصلة. فمن ناحية، حياتها مستقرة ومريحة، وقد اعتادت على مداعبات زوجها والهدايا المتواضعة التي يقدمها، ومن ناحية أخرى، هي في اشتياق للخروج إلى وسط المدينة لتصرخ بحبها أمام الجموع، لكنها تخاطر بحبها إن فعلت".

الصحفي نفسه كتب قبل ذلك بأيام (في 12 أغسطس 2015) تعليقا على تجنب مصر دعوة إسرائيل في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة على موقع "جلوبس" يقول:  كان أبرز الغائبين عن تلك المراسم مندوبي إحدى الصديقات المقربة من مصر في المنطقة- إسرائيل. لكن أيا كان عشقها وإخلاصها، فإن التعامل مع العشيقة يتطلب قوانين خاصة. وما يفعلونه معها داخل غرفة النوم، يبقى في غرفة النوم.يمكن إلقاء كرامة إسرائيل جانبا. فقد اعتادت أن تكون هكذا، ويمكن الافتراض أنها تحقق فائدة من وضعها الخاص كعشيقة سرية لأبو الهول".

لكن السؤال الخطير لماذا قررت "العشيقة" إحراج النظام المصري؟

في السادس من فبراير 2016   كشف وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينتس" أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمر بإغراق أنفاق قطاع غزة بناء على طلب من القيادة الإسرائيلية، وهي التصريحات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في إسرائيل.

 

"زلة لسان"

“زلة لسان" الوزير الإسرائيلي كلفته الكثير، إذ خلفت حالة من الغضب الشديد داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية نظرا لحساسية المعلومات المتعلقة بالتعاون بين الدولتين، وفقا لما كتبه "يوسي ميلمان" محلل الشئون العسكرية بصحيفة "معاريف" في نفس اليوم.

 

وقتها قال "ميلمان" إن عدم قدرة "شتاينتس" على ضبط النفس، وكشفه تلك التفاصيل على الملأ، يمكن أن يؤدي إلى أزمة في العلاقات بين تل أبيب والقاهرة.

 وقال الصحفي والإعلامي الإسرائيلي"أفيعاد كيسوس" في البرنامج المذاع على محطة "eco 99 fm" بتاريخ 7 فبراير 2016 إن تصريحات "شتاينتس" "كشفت السيسي" ووضعته في أزمة حقيقية وأظهرته أمام شعبه كما لو كان "جندي إسرائيل" في دولة كمصر تعاني من غياب الاستقرار على حد قوله.

 

لكن "العشيقة" ورغم محاولات البعض الجهر بالأسرار، حرصت على الإبقاء على العلاقة طي الكتمان، وحظرت النشر في قضية تصريحات الوزير الإسرائيلي.

 

"اقتراح السيسي"

بيد أن ما حدث مؤخرا يبقى شاهدا على حدوث تغيرات دراماتيكية في وضع تلك "العشيقة" التي ربما ضاقت ذرعا بهذا الدور، وقررت إحراج نظام الرئيس السيسي، وسط أجواء من التوتر الملحوظ ربما بين القاهرة وتل أبيب.

في 14 فبراير الجاري، أثارت تصريحات الوزير الإسرائيلي الكردي الأصل "أيوب قرا" موجة من الجدل في مصر والمنطقة العربية، إذ كتب على حسابه الخاص بموقع "تويتر" خلال زيارة رئيس حكومته واشنطن: :"سوف يتبنى ترامب ونتنياهو خطة الرئيس المصري السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلا من الضفة الغربية. وبذلك يُمهد الطريق لسلام شامل مع الائتلاف السني".

 

اللافت أن تصريحات "قرا" التي أحرجت النظام المصري بدا أنها جاءت بشكل مدروس ومخطط له جيدا، وبالتنسيق مع نتنياهو نفسه الذي نفى صحة ما جاء فيها في وقت لاحق، لكن بعد "خراب مالطة" إذ تعرض السيسي لهجوم غير مسبوق من دوائر المعارضة في الداخل والخارج التي اتهمته بالتخطيط للتخلي عن سيناء التي تخضب ثراها بدماء شهداء الجيش المصري في حروبه مع الكيان العبري.

 

قمة العقبة السرية لم تتوقف ضربات "العشيقة" الغاضبة للسيسي، فبعد أيام قليلة من انجلاء غبار تصريحات "قرا" بشأن سيناء، كشفت صحيفة "هآرتس" الأحد 19 فبراير 2017 ما قالت إنها "قمة سرية " جمعت وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وكلا من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني في العقبة الأردنية، العام الماضي.

الصحيفة قالت إن القمة عُقدت بدعوة من كيري لطرح مبادرة سلام إقليمية على السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني ونتنياهو، مع غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تتضمن الاعتراف بيهودية إسرائيل، مقابل استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وأوضحت "هآرتس" أن نتنياهو تملص من المبادرة بدعوى أن شركاءه في الائتلاف اليميني الحاكم لن يقبلوا بها.

نتنياهو الذي يعرف جيدا معنى الكشف عن لقاء جرى في السر مع زعماء عرب في عيون الشارع العربي، ظهر في نفس اليوم وأكد صحة ما نشرته الصحيفة، بل ادعى خلال اجتماعه ووزراء حزب الليكود الذي يتزعمه أنه هو من دعا للقمة وليس كيري!.

 

الرئاسة المصرية لم تقطع - بشكل مباشر - بحضور الرئيس السيسي من عدمه في القمة،  في بيان مقتضب أصدرته للرد على تقرير "هآرتس" جاء فيه :"مصر لا تدخر وسعًا في سبيل التوصُّل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية استنادًا إلى حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أساس حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية دون أي مواءمات أو مزايدات، وهو الموقف الذي يتنافى مع ما تضمنه التقرير من معلومات مغلوطة".

 

"عمليات إسرائيلية في سيناء" “أفيجدور ليبرمان"وزير الدفاع الإسرائيلي الذي هدد في السابق بقصف السد العالي، هو من وجه الضربة الأخيرة للنظام المصري، باعترافه لأول مرة بتنفيذ جيش الاحتلال عمليات ضد تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"الدولة الإسلامية" (داعش) بسيناء.

تصريحات "ليبرمان" جاءت الاثنين 20 فبراير، أي  بعد يوم واحد من الكشف عن قمة العقبة السرية، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف في معرض تعليقه على حادثة استهداف مقاتلي تنظيم "داعش" في سيناء، إن الجيش (الإسرائيلي) "لا يترك أمرا دون رد".

 

ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن ليبرمان قوله: "القوات الخاصة التابعة للختنشتاين هي من نفذت الهجوم على داعش، ونحن لا نترك أمرا دون رد"، في تلميح ضمني إلى وقوف قواته خلف الهجوم في سيناء المصرية، معتبرا أن "داعش" في سيناء لا يمثل تهديدا جديا للأمن الإسرائيلي وأنه يضايق ويشوش فقط، لكن لا يمكن مقارنته بحركة "حماس" أو "حزب الله".

 

تصريحات "ليبرمان"- التي جاءت ردا على بيانا لـ"ولاية سيناء" يتهم فيه إسرائيل بقتل 5 من ناشطيها  بطائرة بدون طيار-  هي الأولى لمسئول إسرائيلي كبير يكشف حقيقة التدخل العسكري الإسرائيلي في سيناء، إذ اكتفت الصحف الإسرائيلية والعربية على حد سواء، خلال السنوات الماضية بالتطرق لتقارير أجنبية تلمح إلى مثل هذا التدخل، بينها ما نشره موقع "بلومبرج" قبل عام ونصف نقلا عن مسئول إسرائيلي سابق قال إن  طائرات إسرائيلية بدون طيار هاجمت خلال السنوات الماضية في كثير من الأحيان مواقع تابعة لمسلحين في شبه جزيرة سيناء بموافقة مصرية".

 

لماذا تغضب إسرائيل؟ يربط البعض بين ما يصفوه بحالة "الهياج" الإسرائيلي وبين التقارب المصري من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقطاع غزة، والذي تجلى مؤخرا في فتح معبر رفح وإدخال مواد بناء وبضائع للقطاع دون إشراف إسرائيلي، فضلا عن زيارة وفود سياسية وأمنية رفيعة المستوى للقاهرة بينهم إسماعيل هنية، ولقائهم بمسئولي المخابرات المصرية.

وتخشى إسرائيل كما يدعي محللوها من إمكانية غض مصر بصرها عن تهريب أسلحة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وتصر على أن فتح المعبر يجب أن يتم بالتنسيق معها وبمراقبتها للبضائع والمواد الداخلة للقطاع.

أصحاب هذا الرأي يدللون أيضا على وجود أزمة بين القاهرة وتل أبيب بمغادرة السفير الإسرائيلي "ديفيد جوفرين" القاهرة في ديسمبر الماضي، وهو الخبر الذي كشفته وسائل إعلام عبرية مؤخرا، وقالت إن مغادرة السفير إلى تل أبيب جاءت لأسباب أمنية إثر تلقي إنذارات حول مخاطر تهدد حياته.

 

خطوة للأمام ويرى آخرون أن كل ما تفعله إسرائيل من الجهر بالعلاقة مع نظام السيسي، هو بالنسبة لها خطوة للإمام، إذ ملت من لعب دور "العشيقة" وتسعى في المستقبل للعب دور علني في الصراعات الإقليمية وخاصة في الحرب على داعش، ويسوق أصحاب هذا الرأي تصريحات نتنياهو الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي جمعه بالرئيس ترامب، قال فيها :”لأول مرة في حياتي أرى العرب لا يعتبرون إسرائيل عدوا ...للمرة الأولى في حياتي وحياة بلدي أرى أن الدول العربية في المنطقة لا ترى إسرائيل عدوا، بل تراها حليفا".

 

 

مقالات متعلقة