«الأزهر» و«الرئاسة»..7 شروخ ضربت جدار الثقة

حقيقة وجود أزمات بين " الرئاسة و" الأزهر"

“ تعبتني يافضيلة الإمام".. رسالة وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي لشيخ الأزهر أحمد الطيب ، خلال احتفالية عيد الشرطة التي أقيمت أواخر شهر يناير الماضي، قابلها تصفيق حار من الحاضرين بقاعة أكاديمية الشرطة وابتسامة خفيفة من "الطيب".  

هذه الكلمات التي أتبعها السيسي، بطلب لسن قانون يُنظم الطلاق، كانت مُفتاحاً لباب كبير، كان يُخفي وراءه أزمة بين مؤسستي الرئاسة و الأزهر، خاصة مع رفض هيئة كبار العلماء التي يترأسها الطيب طلب " السيسي"، في بيان اختتمه برسالة فحواها” على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق،أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم".

 

وقبل شهر من هذه الواقعة ، خلال احتفالات المولد النبوي الشريف، حاول الرئيس السيسي، نفى ما يُثار عن وجود أزمة مع الأزهر وشيخها" الطيب"، عندما خاطب الإمام قائلا "أنا بحبك ولوفاكرين غير كده تبقى مصيبة"، مما أثار تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين هاتين المؤسستين التي كان رأسيها في خطاب 3 يوليو 2013 “ كتفاً بكتف" في إقرار خارطة الطريق.

 

ويُعلق الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على هذا الأمر، قائلاً إن إن إطلاق وصف أزمة على الواقعة يعد كلمة كبيرة، لا يجب إطلاقها اعتباطاً على كل شىء”، مُشيراً إلى أن العلاقة بين مؤسستي الأزهر والرئاسة، جيدة، والأمر لم يتخطى اختلاف في وجهات النظر ببعض الأمور ، كان أخرها “ الطلاق الشفوي”.

 

و قال سعيد، لـ” مصر العربية”، إن مؤسسة الرئاسة ترى أن الطلاق الشفوي تسبب في أزمة اجتماعية، لكن الأزهر يُصر عليه، دون أن يضع في حُسبانه قاعدة " نحن أعلم بشئون دنيانا” ومُستجدات العصر، مُطالباً المشيخة بالنظر للأمور بشكل أوسع حتى نتخطى أزمة مجتمعية.  

شواهد عديدة ظهرت عقب ، ظهور " السيسي والطيب" في بيان 3 يوليو 2013 مُتحدين، تؤكد إصابة هذا الإتحاد ببعض الشروخ، أولها كان بعد 5 أيام فقط في 8 يوليو من نفس العام، عندما طالب " الطيب" في تصريحات للتليفزيون المصري بفتح التحقيق بأحداث الحرس الجمهوري، والإفراج عن كل المعتقلين، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، ثم أعلن اعتكافه ببيته رفضاً للأجواء التي تفوح منها الدماء – حسب تصريحاته حينها-.

لم يمر سوى شهر وأيام قليلة حتى، بدأ شاهدٌ أخر على الأزمة، وذلك في 14 أغسطس 2013، عندما برأ " الطيب" نفسه من فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بميدان رابعة العدوية، ببيان قال فيه” إيضاحًا للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن يعلن الأزهر للمصريين جميعًا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم".

ومع وصول " السيسي" لقصر الرئاسة، في يونيو 2016، تصدر" تجديد الخطاب الديني" أحاديثه، مما أسهم في توجيه سهام النقد، لمؤسسه الأزهر، خاصة مع إلقاء الرئيس مسئولية هذا الأمر عليهم، بقوله" "تجديد الخطاب الديني مسؤوليتكم أمام الله"، وذلك في يناير 2016 خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.  

أزمة أخرى بين المؤسستين ، بدت عندما رفض" الأزهر " تكفير " داعش" التي يرى النظام أنها منظمة إرهابية، ويصف أعضائها بأنهم ليسوا مسلمين، إلا أن شيخ الأزهر قال خلال إحدى لقاءاته" داعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض، فداعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن"، وهو ما أغضب مؤيدي " السيسي".

 

محطة أخرى شاهدة على وجود أزمة بين " الطيب " و" السيسي"، كانت بإعلان الأول مُعاداة الشيعة، في موقف مُضاد لما تراه الدولة المصرية في ظل تحسن علاقاتها مع إيران، وقراره بتشكيل لجنة من علماء وأساتذة جامعة الأزهر الشريف لدراسة عقائد الشيعة ونظرية الإمامة وتقديس الأئمة، ومسألة سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين، وعلى رأسهم السيدة عائشة. وأيضا لبيان منهج الشيعة والرد على مخالفاتهم من خلال كتبهم، إضافة لإصدار بيان في مارس 2015 رفضًا لما وصفه بالجرائم التي ترتكبها مليشيات الحشد الشعبي في العراق ضد أهل السنة.  

وعلى عكس موقف الدولة من " صندوق النقد الدولي"، هاجمه " الطيب"، بكلمته خلال مؤتمر أهل السنة والجماعة في الشيشان، وانتقد سياساته، في الوقت الذي كانت الحكومة المصرية، تُروج له وتحتفل بموافقته على إقراضها، فقال" إن العولَمة اتخذت خطُوات تُنذر بخطرٍ محدق، على طريق إفقار العالم الشرقي، ووضع العوائق والعقبات على طريق تقدُّمه، وإحكام السيطرة على مفاصِلِ دُوَلِه وأوطانه، من خلال منظمات عالمية، وبنوك دولية، وقروضٍ مجحفة".  

وشابت العلاقة بين الأزهر الشريف ورئاسة الجمهورية بعض التوتر، عقب حكم محكمة القضاء الإداري منتصف ديسمبر عام 2015 بإقالة الدكتور عبدالحي عزب، رئيس جاامعة الأزهر السابق من منصبه، لوجود شبهة تزوير في أوراق تعيينه، بسبب أن المشيخة هي التي راجعت أوراقه أكثر من مرة وأرسلته إلى رئاسة الجمهورية لاعتماده.  

ورفضت رئاسة الجمهورية، بعد ذلك اعتماد الدكتور إبراهيم الهدهد، نائب شؤون التعليم والطلاب ، رئيسا للجامعة، بعد أن رشحته مشيخة الأزهر ليظل المنصب فارغا حتى اللحظة .  

وبتحليل المراقب للمشهد قال السفير معصوم مرزوق، إن هناك أزمة واضحة بين مؤسستي" الرئاسة " و" الأزهر"، مُشيراً إلى أن هذا ظهر خلال تصريح" شيخ الأزهر" ، الذي طالب خلاله الإعلام بالتركيز على قضايا الحريات وحقوق الإنسان، ولا يركز على " الطلاق الشفوي".

 

وأضاف مرزوق، لـ" مصر العربية"، أن عدم حضور شيخ الأزهر ، لأخر لقاء للرئيس عبدالفتاح السيسي بالقوات المسلحة، ووجود الشيخ" الحبيب على الجفري" محله، تأكيد على وجود أزمة بين الطرفين.

 

شواهد وجود أزمة بين " الرئاسة والأزهر"، لم تقتصر على " الطيب" و" السيسي"، فهناك أطراف أخرى ظهرت، مع تصاعد الخلاف حول موقف المؤسستين من قضية" الطلاق الشفوي"، فأسامة الأزهري ، أحد مستشاري الرئيس والنائب البرلماني المُعين"، خصص مقالاته بجريدة الأهرام؛ للتعبير عن تضرر مؤسسة الرئاسة مما آلت إليه الأوضاع داخل الأزهر الشريف والبطء الشديد في تنفيذ المهام الموكلة إليها، بدأها بمقال "المؤسسات الدينية بين الواقع والمأمول"، الذي انتقد فيه الطريقة التي تدار بها المشيخة، إلا أنه قُوبل بعدم استضافته في أي ندوة تعقدها كليات الجامعة، بدعوى أنه يكره الدكتور أحمد الطيب، بعدما كان ضيفا دائمًا على كليتي الدعوة والدراسات الإسلامية العام الماضي.

 

تبعه بمقال آخر بعنوان" أمر يدع اللبيب حائرًا"، هاجم فيه سياسات " الطيب" بالأزهر، فخاطبه ، مُتسأئلاً” ما الذى تريده حتى تنهض ونحن جميعًا مسخّرون لخدمتك، هل هي الرؤى والخطط والاستراتيجيات فنوفرها أو هي عراقيل إدارية وتشريعية فنذللها أو هو تمويل وإنفاق فنعتصر أنفسنا ونجمعه أم ماذا؟".  

 

الأمر الذي رد عليه " الطيب " في حديثه الأسبوعي" قائلاً" كنا نتمنى من بعض المنتسبين للأزهر ألا يقحموا أنفسهم في القضايا الفقهية الشائكة، وأن يتركوا للمجامع والهيئات المتخصصة في الأزهر الشريف بيان الحكم الشرعي في قضية الطلاق الشفهي، ولدينا وثائق علمية حتى لا يزايد علينا في الصحف ولا في القنوات".  

ولم يكتفي الأزهر برد شيخه، لكنه نشر على موقعه الرسمي، سلسلة مقالات بعنوان"في حب الأزهر"، بعضها يهاجم " الأزهري"، والآخر وسائل الإعلام التي دخلت طرفاً في المواجهة، من خلال هجومها على شيخ الأزهر لرفضه طلب الرئيس الخاص بالطلاق الشفوي.

 

 

وحول إذا ما كان للأزمة المثارة على خلفية طلب الرئيس لإلغاء الطلاق الشفهي، ورفض الأزهر، وجه آخر غير الإختلاف حول أمر ديني.، يرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن أزمة الأزهر والرئاسة بشأن الطلاق الشفهي، نتيجة لغلبة المشاكل والضغائن الشخصية على المسائل العامة، مُشيراً إلى أن الرئيس ينفرد ببعض القرارات التي تأتي بكوارث على الدولة، ولا يُبدي الأزهر أي امتعاض.  

و قال حسن، لـ" مصر العربية"، إن الرئيس في قضية " الطلاق الشفهي" يبدو مُحقاً؛ نتيجة لارتفاع نسبة الطلاق ، مما يعني مزيد من التفكك الأسري والفقر، مُتعجباً من معارضة الأزهر له في هذه النقطة رغم تماشيها مع المصلحة العامة.  

وأضاف ، أن القضية ليست صراعاً بين المؤسستين بقدر ماهي مُكايدة من بعض المحيطين بشيخ الأزهر في أسامة الأزهري مستشار الرئيس الديني، لافتاً إلى أن الأزهر في ما يتعلق بقضية " الطلاق الشفهي" بدأ وكأنه جهة رجعية.  

فيما نفى محمد عبد السلام مستشار شيخ الأزهر، وجود خلاف بين المشيخة ومؤسسة الرئاسة المصرية، على خلفية اجتماع هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الذى ناقش قضية وقوع الطلاق الشفوى، موضحاً في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" ، أن الإمام الأكبر وجميعُ أعضاء الهيئة، أشادوا بموقفَ الرئيس حين وصَلَتْه إحصاءات الطلاق المتزايدة في مصر، بإسناد الأمر لأهله، وانتظار الرأي الشرعي من أهل الاختصاص.

 

مقالات متعلقة