خبراء: مصر وإسرائيل.. ودٌ في الخفاء «منعًا للإحراج»

الرئيس عبد الفتاح السيسي

بينما كان أفيجدور ليبرمان يلقي خطاب تسلمه وزارة الدفاع الإسرائيلية في مايو من العام الماضي، وجَّه التحية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع أن الوزير نفسه وقف في 2012 مهدِّدًا مصر بنسف السد العالي.. موقفان عكسا ما بدى لكثيرين  تفاهمًا وتنسيقًا متصاعدًا بين القاهرة وتل أبيب في الفترة الأخيرة.

 

موقف ليبرمان عكس ما قيل أيضًا إنَّه توطيد لحبل الود بين القاهرة وتل أبيب، وصل - كما رأوا - إلى حد التنسيق السياسي والعسكري وإن كان ذلك بشكل غير معلن.

 

على مدار الأشهر الماضية، تحدَّثت تقارير دولية عمَّا أسمته "زيادة نسق التفاهم" بين مصر وإسرائيل، فظهر ما هو رسمي أو مسرب عن "ود" بين الجانبين، حتى أكَّدت تل أبيب ما نشرته صحيفة "هآرتس" بأنَّ الرئيس عبد الفتاح السيسي حضر لقاء سريًّا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العقبة الأردنية قبل عام.

 

 

وقائع تكشف التقارب

 

شواهد كثيرة كشفت زيادة التنسيق والتفاهم والتعاون بين القاهرة وتل أبيب، إذ نقلت صحيفة "هآرتس" عما وصفته بتسريب صوتي لوزير إسرائيلي مع منظمات يهودية في أمريكا، يقول فيه إنَّ "إسرائيل محظوظة بأنَّ السيسي وصل إلى سدة الحكم"، وأوصى بدعمه كما دعا واشنطن إلى ذلك أيضًا.

 

نتنياهو نفسه أشاد بما وصفها بـ"دفء" العلاقات مع مصر ورئيسها السيسي، إذ قال - في حفل بمنزل السفير المصري بتل أبيب بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو، العام الماضي: "أود أن أشكر الرئيس السيسي على زعامته وجهوده لدفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وفي الشرق الأوسط الأوسع".

 

وفي 6 فبراير من العام الماضي، كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس أنَّ "الرئيس المصري أمر بإغراق أنفاق قطاع غزة بناءً على طلب من القيادة الإسرائيلية".

 

 

في يوليو الماضي، أجرى سامح شكري وزير الخارجية زيارةً إلى تل أبيب، هي الأولى من نوعها منذ عام 2007، وهي زيارة اعتبرتها صحف إسرائيلية "إشارة إلى تنامي العلاقات بين القاهرة وتل أبيب".

 

وتعقيبًا على زيارة شكري، قالت صحيفة "معاريف": "تعطي مؤشرًا جديدًا على ما تشهده علاقات إسرائيل ومصر من تغيير جوهري، ولا سيمَّا أنَّ شكري جاء مبعوثًا شخصيًّا للرئيس عبد الفتاح السيسي، وربما تكون الزيارة تحضيرًا لزيارة يقوم بها نتنياهو للقاهرة".

 

وفي 20 فبراير الجاري، أعلن ليبرمان - بعد يومٍ واحدٍ من الكشف عن القمة السرية - تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات ضد ولاية سيناء المؤيد لتنظيم الدولة "داعش".

 

ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن ليبرمان قوله: "القوات الخاصة التابعة للختنشتاين هي من نفذت الهجوم على داعش، ونحن لا نترك أمرًا دون رد"، في تلميح ضمني إلى وقوف قواته خلف الهجوم في سيناء.

 

               العقبة.. اللقاء في السر

 

مشاهد دعَّمت ما قيل إنَّه تقارب للسيسي مع إسرائيل منذ صعوده للحكم في 2014، انضَّم إليها مؤخرًا ما كشفه تقريرٌ لصحيفة "هآرتس" العبرية، انعقاد قمة وصفتها بـ"السرية" حضرها السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية الأمريكي - آنذاك - جون كيري في مدينة العقبة الأردنية.

 

على الفور، أقرَّ نتنياهو بعقد اللقاء السري، وأكَّد أنَّ اللقاء انعقد بمبادرة خاصة منه لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين.

 

 

الرئاسة المصرية أصدرت بيانًا تعليقًا عما ورد بتقرير "هآرتس"، لكنَّها لم تؤكِّد أو تنفِ اللقاء، ما اعتبره خبراء اعترافًا ضمنيًّا باللقاء.

 

الرئاسة قالت - في بيانها: "مصر لا تدخر جهدًا في سبيل التوصُّل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية استنادًا إلى حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أساس حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية دون أي مواءمات أو مزايدات، وهو الموقف الذي يتنافى مع ما تضمنه التقرير من معلومات مغلوطة".

 

في الوقت الذي سُلِّط فيه الضوء على "اللقاء السري"، طافت على السطح مقترحات بتوطين الفلسطينيين في سيناء كمقترح لحل القضية الفلسطينية، إذ قال الوزير الإسرائيلي أيوب قرا - عبر حسابه بموقع "تويتر" خلال زيارة رئيس حكومته لواشنطن: :"سوف يتبنى ترامب ونتنياهو خطة الرئيس المصري السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلًا من الضفة الغربية.. وبذلك يُمهد الطريق لسلام شامل مع الائتلاف السني".

 

غير أنَّ الرئاسة المصرية ردَّت - لاحقًا - بأنَّ هذا المقترح غير مقبول.

 

 

إزاء كل هذه التصاعدات، باتت الحديث عن ظهور لعلاقات بين النظام في مصر وسلطة تل أبيب، تتعلق في أغلبها بالتنسيق لمواجهة العناصر المسلحة في سيناء.

 

 لماذا سرًا؟

 

داعي "السرية" فسَّره المحلل السياسي الإسرائيلي أوري أفنيري، إذ قال - في مقالٍ له، في أبريل 2016: "الأنظمة العربية تدير قصة حب مع إسرائيل، لكنهم لا يرغبون في الظهور معها علانية، منعًا للإحراج".

 

  التنسيق يتصاعد.. لماذا؟

 

الدكتور خالد سعيد المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي قال لـ"مصر العربية"، إنَّه لا يمكن النظر بانفصال إلى الأحداث الجارية المتمثلة في الإعلان عن القمة السرية في الأردن، والحديث عن توطين الفلسطينيين ب سيناء كحل للقضية الفلسطينية فضلًا عن زيارة نتنياهو إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

واعتبر سعيد أنَّ هناك تنسيقًا بين القاهرة وتل أبيب، آخذًا في التصاعد في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أنَّ مصر لا تمانع أن تجري أي تنسيق مع أي طرف بحجة الدفاع عن أمنها القومي.

 

وتابع: "مصر تجري تنسيقًا حاليًّا مع حماس، وهي تجري تنسيقًا مع تل أبيب، ولكنها مؤكد تراعي أمنها".

 

وأوضح أنَّ "القمة السرية" لنتنياهو والسيسي هدفت بشكل عام إلى إجراء مباحثات حول القضية الفلسطينية في ظل تصاعد ما أسماه "التوتر" بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

 

وأشار سعيد إلى أنَّه لم يكن بالإمكان على نظام السيسي إعلان عقد القمة، مرجعًا ذلك لـ"الظروف الاقتصادية" التي تمر بها مصر وموجة ارتفاع الأسعار، موضحًا أنَّ نظام السيسي أدرك أنَّه ستتسع موجة الغضب ضده إذا ما أعلنت القاهرة عن القمة، لا سيَّما في ظل موجة الكراهية الشعبية لإسرائيل، حسب تعبيره.

 

وذهب في تحليله إلى أنَّ القمة من الممكن أن تكون قد ناقشت قضية هضبة الجولان، لا سيَّما في ظل الموقف الإسرائيلي المتمسك بالسيطرة عليها، وهو ما ترفضه القاهرة، حسب قوله.

 

  لا جديد تحت أشعة الشمس

 

السفير محمد عاصم سفير مصر لدى تل أبيب سابقًا علَّق على عقد القمة السرية بين السيسي ونتنياهو بالقول: "لا جديد تحت أشعة الشمس"، في إشارة إلى أنَّ التنسيق المصري الإسرائيلي يبدو جليًّا في الفترة الأخيرة.

 

ولم يبدِ السفير سببًا مباشرًا للسرية التي التزمت بها القاهرة تجاه اللقاء، غير أنَّه أكَّد أنَّ أغلب قضايا العالم تشهد لقاءات منذ هذا النوع "غير معلنة"، موضحًا أنَّ السرية تكون في بعض الأحيان خشية تعرض أي طرف لـ"الحرج".

 

واعتبر أنَّ التنسيق المصري الإسرائيلي الآخذ في التصاعد مقبول شريطة عدم المساس بالأمن القومي، رافضًا المقترحات التي رافقت هذا الأمر بشأن توطين الفلسطينيين في سيناء.

 

وأكَّد أنَّ البيان الصادر عن الرئاسة المصرية حمل اعترافًا ضمنيًّا بعقد اللقاء طالما أنَّه لم ينفِ ما أعلنه الجانب الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنَّ تصاعد التفاهم بين الجانبين مشروط بحماية أمن مصر القومي.

 

 

 حرب إشاعات.. واستنزاف أيضًا

 

اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق استبعد وجود تنسيق عسكري بين مصر وإسرائيل، غير ما تمَّ وقت الاتفاق على زيادة على القوات العسكرية في محافظة شمال سيناء.

 

ووافقت إسرائيل في يناير 2011، على السماح لمصر بنقل عدة مئات من الجنود إلى شبه جزيرة سيناء للمرة الأولى منذ توقيع معاهدة السلام "1981"، وفي أغسطس 2012، وافقت أيضًا على نشر قوات إضافية، بما في ذلك مروحيات هجومية، كما أنَّه في يوليو 2013، بعد وقوع عدد من حوادث العنف في شبه جزيرة سيناء، وافقت إسرائيل على نشر قوات مصرية إضافية.

 

وأضاف نور الدين أنَّه لا تجرى أي اجتماعات في السر بين القاهرة وتل أبيب، لافتًا إلى أنَّ تقرير "هآرتس" ما هو إلا حرب إشاعات، متابعًا:" من مصلحة إسرائيل تكون مصر دائمًا في حالة استنزاف".

 

واستبعد نور الدين التفسيرات التي تميل إلى تنامي التعاون والتنسيق بين الجانبين، مشدِّدًا على أنَّ قوات الجيش تحقِّق ما أسماها "بطولات" في سيناء، وهي ليست في حاجة إلى أي تواصل مع تل أبيب.

 

 

 دراسة عبرية.. مصر تدمج إسرائيل عربيًّا

دراسةٌ لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بعنوان "النظرة المصرية تجاه الشرق الأوسط الجديد"، تحدَّثت عن أنَّ مصر تسعى إلى إدماج إسرائيل بالمنطقة العربية.

معد الدراسة الأكاديمي الإسرائيلي أوفير فينتر قال إنَّ السيسي يحاول لأن تصبح إسرائيل جزءًا من محور إقليمي يضم مصر وعددًا من الدول العربية الأخرى.

 

وأكَّد فينتر أنَّ مصر تقدمت ببعض الخطوات لتحسين علاقاتها مع إسرائيل تمهيدًا للتطور في الترتيبات الفلسطينية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنَّ الرغبة الحالية لمصر بالوصول إلى سلام ساخن مع إسرائيل مرتبطة بالوضع الجيوسياسي الجديد الذي يجد السيسي فيه نفسه.

 

وأشار إلى أنَّ مصر تدرك جيدًا أنَّ تحقيق قفزات جديدة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل يهدف إلى المحافظة على المصالح الخاصة بمصر ودول عربية أخرى من خلال الوصول إلى ترتيبات إقليمية جديدة.

مقالات متعلقة