"مصر بحاجة ماسة لصديق" تحت هذا العنوان سعى الباحث اﻷمريكي "جيمس ستافريديس" لتقديم النصيحة ﻹدراة الرئيس دونالد ترامب للاستفادة من مصر بشكل كبير، وبالتالي المساهمة في استقرار الشرق اﻷوسط، وحتى لا تصبح مصر مشكلة كبيرة.
وشبه الباحث في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" اﻷمريكية حكومة السيسي :" بأنها مثل تمثال أبو الهول الذي يرمز في الثقافة اﻹغريقية بأنه "كائن مؤذ"، فيما يحتل في الثقافة المصرية القديمة مكانة رفيعة باعتباره حارس يتمتع بقوة كبيرة وحكمة عميقة".
وفيما يلي نص المقال:
مع بدء إدارة الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب التفكير في أفضل الطرق للعلاقات الثنائية مع مصر، فإنها تضع نصب أعينها الأسطورة القديمة لتمثال أبو الهول، ففي اﻷساطير اليونانية أبو الهول مخلوق بجسم أسد، ورأس رجل، ولكنه كائن مؤذ، ولكن في مصر القديمة، كان يعتقد أنه حارس للمعابد جمع بين القوة الكبيرة والحكمة العميقة.
حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مثل أسطورة أبو الهول تحتوي على مجموعة من التناقضات مع احتمال أن تكون إما مشكلة أو شريكا هاما، ومهمة إدارة ترامب أن تتمكن من صياغة سياسة مصالح متبادلة تدفع بها العلاقة - والشرق الأوسط الكبير - في اتجاه مثمر.
وفي هذه الأوقات الصعبة بالنسبة لمصر، وبعد الأحداث السياسية التي عصفت بهذه الدولة العربية ذات الأغلبية السنية، جلبت حكومة السيسي مستوى من الاستقرار إلى البلاد - بالطبع على حساب حقوق الإنسان- ، لكنه لا يملك حتى الآن رسم مسار واقعي على المدى الطويل، وهذا يطرح مخاطر جمة، ليس فقط بالنسبة لمصر، فزعزعة استقرار مصر يعني أن تصبح نقطة جذب للدولة الإسلامية، ومصدرا غنيا بالموارد اللازمة لجماعة جهادية.
خلال الآونة الأخيرة عقدت سلسلة من المناقشات بين خبراء الدفاع الأمريكيين والحكومة المصرية، ظهرت من خلالها عدة مواضيع رئيسية من تفكيرهم.
أولا، مصر ترى نفسها عامل للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، بقيادة فريق تكنوقراط يركزون على فكرة أن مصر "آمنة قبل الكمال"، وهذا يعني أن محاولة تحسين حقوق الإنسان لن تكون ضمن اﻷولويات، الأولوية حاليا لضمان اﻷمان والتحرر من الإرهاب.
ثانيا، الحكومة تسعى لدفع عجلة النمو - التي كانت قوية إلى حد ما في السنة المالية الماضية وبلغت 4.2 % رغم الانخفاض الحاد في السياحة، والقاهرة تسعى لذلك من خلال محاولة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والشراكة مع إسرائيل في مشاريع مشتركة، وإعادة الروح والحيوية لمجال السياحة.
ثالثا، يريد المصريون ضمان حماية قناة السويس، التي تعتبر مصدر هام للدخل بالنسبة للأمة، ورمز للشحن والخدمات اللوجستية للمجتمع العالمي. رابعا وأخيرا، مصر ملتزمة للغاية بعلاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها سوف تسعى لشركاء إضافيين يحتمل أن يكونوا غير تقليديين.
ورغم أن مصر تواجه الإرهاب الداخلي، بما في ذلك هجمات من ما داعش التي تحاول اختراق البلاد، إلا أن أجهزة الأمن والمخابرات يقومون بعمل معقول للسيطرة على التهديدات، إنهم يراقبون ما يحدث في ليبيا، وغزة بحذر، والتعاون مع كل من الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية جيدة. اقتصاديا، قد يبدأ النمو إذا تحسنت أحوال السياحة، والبطالة قد تنخفض، بجانب انخفاض عجز الميزانية السنوي بنسبة 10 %.
الفساد والبيروقراطية المفرطة تعطل بعض الصناعات مثل الزراعة، والمنسوجات، والصناعات التحويلية، ولكن الحكومة تدرك جيدا أن تلك المشاكل تحتاج إلى جهد كبير ﻹصلاحها، ويحتاج المصريين أيضا لتحسين استخدام التكنولوجيا المالية في الاقتصاد، والتي لا يزال لديها أوجه قصور كامنة.
والسؤال حاليا، كيف يمكن للولايات المتحدة مساعدة المصريين في الاستمرار بالمسار اﻹيجابي؟ وكيف يمكن لمصالح الولايات المتحدة أن تتفق مع مصر؟
أولا، يجب ضمان علاقة عمل جيدة بين إسرائيل ومصر، وهذه بالفعل شراكة إيجابية في العامل اﻷمني، وذلك لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والفوائد التجارية لكلا الجانبين.
ويمكن للولايات المتحدة تحسينه عن طريق تشجيع مستويات أعلى من الاتصال العسكري بين الجيوش، ولحسن الحظ، وزير الدفاع الأمريكي الجديد - الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية الجنرال جيمس ماتيس - يعرف جميع المسئولين عندما كانوا يرتدون الزي العسكري، ويجب عليه القيام برحلة في وقت مبكر للغاية لكلا العاصمتين والتأكيد على أهمية العلاقة، ونحن بحاجة أيضا إلى توخي الحذر من اﻷفكار المثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس - وهو شيء يمكن أن يثير غضب المصريين العاديين.
ثانيا، يجب على الولايات المتحدة العمل على إزالة التوترات التي شابت العلاقات بين مصر والسعودية، حيث تسعى الرياض لقيادة العالم السني، ويريدون القاهرة كشريك، إلا أن المصريين يرون أنفسهم قادة، وغير مستعدين لاتباع إملاءات السعودية في اليمن، والقضايا الإقليمية الصعبة الأخرى، كما أن البلدين لديهما نزاع غير منطقي على جزر في البحر الأحمر .
ويجب على الولايات المتحدة العمل بجد للمساعدة في رأب الصدع لمواجهة الأخطار التي تشكلها إيران، وهي المسألة الأمنية الرئيسية في المنطقة، ويجب على "ريكس تيلرسون" وزير الخارجية اﻷمريكي الجديد توفيق اﻷوضاع بين الرياض والقاهرة.
ثالثا، يمكن للولايات المتحدة مساعدة القاهرة من خلال تشجيع النمو الاقتصادي، والمشاركة بين الحكومة الأمريكية والمصرية يضفي الشرعية الدولية على القاهرة وهذا يمكن أن يساعد في فتح الاستثمارات الأجنبية المباشر. ويمكن أيضا للولايات المتحدة تقديم الدعم الدبلوماسي لمصر في الهيئات الاقتصادية الدولية بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك في المحافل التابعة للأمم المتحدة، إدارة ترامب يجب أن تدرك أيضا أن الهجرة إلى الولايات المتحدة هي قضية اقتصادية مهمة لمصر، ويجب أن تعترف بضرورة فتح المجال للطلاب المصريين، ورجال الأعمال والأكاديميين، وغيرهم.
رابعا، يجب أن تعمل أمريكا مع الشركاء لضمان أمن قناة السويس، وهو ممر مائي عالمي حيوي وجزءا أساسيا من الممرات البحرية، وهذا يتطلب مستويات أفضل من تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير الحلول التكنولوجية الجديدة للمراقبة، وتمارين مكافحة الإرهاب، وتبادلات متكررة للمعلومات البحرية.
وأخيرا، يمكن للولايات المتحدة أن تشجع الشراكات الإقليمية والتقليدية لمصر مع إسرائيل والسعودية، والعمليات البحرية والتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط. ونحن أيضا يجب ألا ننسى أن الناتو لديه برنامج قوي للتعاون الإقليمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط للدول غير الأعضاء في الحلف، وتسمى "الحوار المتوسطي". وهذا يمكن أن يكون مكانا جيدا لبناء مثل هذه الاتصالات.
وعموما، مصالح مصر تتشابك مع أميركا بطرق قوية، وأبرزها كشريك بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل، وعلى الأمريكيين القيام بكل ما في وسعهم لمساعدة شركائه المصريين، والاستقرار ونجاحها سيكون ضروريا لحدوث تقدم في نهاية المطاف في المنطقة بأسرها.
الرابط الأصلي