قال الكاتب البريطانى جدعون راخمان، أن فرنسا والولايات المتحدة تنظران إلى نفسيهما كأمتين استثنائيتين؛ على أن تاريخيهما يتبعان نسقا متشابها.
وأوضح راخمان فى مقاله بصحيفة الـفاينانشيال تايمز، أن الثورة الأمريكية 1775 سرعان ما تبعتها ثورة فرنسية 1789 على نحو دعا بعض المؤرخين إلى اعتبار أواخر القرن الثامن عشر بمثابة فترة "الثورات الأطلنطية".
وتساءل الكاتب عما إذا كان مؤرخو المستقبل يوما ما سيكتبون عن فترة "الثورات المضادة الأطلنطية" واصفين بذلك فترة أوائل القرن الحادى والعشرين؟ أن ذلك رهينٌ بانتخاب مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة رئيسة لفرنسا فى مايو المقبل بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فى نوفمبر المنصرم.
ونبه راخمان إلى أن حركتى ترامب ولوبان تتقاسمان العديد من الأفكار؛ فمن ذلك مثلا: معاداة الإسلام، والنزعة القومية، والشعبوية، والحمائية، ودعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والتعاطف مع روسيا، وكراهية الإعلام؛ كما يرغب الزعيمان (ترامب ولوبان) فى الرجوع بالزمن إلى الوراء حيث عهود أكثر محافظة، قبل العولمة والتعددية الثقافية وذلك عبر تدشين ثورة مضادة فى وجه المؤسسة الليبرالية.
ورصد صاحب المقال كيف استقبلت مارين لوبان خبر فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية بالحبور واصفة ذلك بأنه "فجْر عصر جديد"؛ كما أن بعضًا من مستشارى ترامب المقربين، من أمثال ستيفن بانون، حريصون على توثيق الصلات مع اليمين الأوروبى المتطرف.
ورأى راخمان أن ثمة أسبابا سياسية تضطر مارين لوبان إلى التعامل بحذر مع العلاقة بـترامب، فى ظل ما أظهرته استطلاعات رأى مؤخرا من أن الرئيس الأمريكى الجديد لا يحظى بشعبية بين أوساط الناخبين الفرنسيين حتى أولئك فى اليمين المتطرف... لكن فى حقيقة الأمر، يعتبر فوز ترامب بالرئاسة بمثابة إضافة لـمارين لوبان؛ فلقد عزز ذلك من الزخم خلف القوى القومية المُعادية للعولمة فى أوروبا؛ وبعد فوز ترامب وخروج بريطانيا فإن الناخب الفرنسى بات أقل خشية من مسألة تشويه صورة فرنسا أو عزلتها حال فوز مارين لوبان بالرئاسة.
ولفت صاحب المقال إلى أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية فى فرنسا هى بكل الأحوال فى صالح مارين لوبان أكثر مما كانت عليه مثيلاتها فى الولايات المتحدة بالنسبة لـترامب قبل انتخابه؛ كما أن معدلات الوفيات جراء الإرهاب الجهادى فى فرنسا تفوق بكثير مثيلاتها فى الولايات االمتحدة بعد ثلاث هجمات مروعة فى غضون ثمانية عشر شهرا، هجمتان منها فى باريس وثالثة وقعت فى "نيس".
كما أن العلاقات بين الأقلية المسلمة وبقية المجتمع هى أكثر توترا فى فرنسا منها فى الولايات المتحدة؛ فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة فى فرنسا عنها فى أمريكا، كما أن النمو الاقتصادى فى فرنسا أبطأ وتيرة منه فى الولايات المتحدة... علاوة على أن فرنسا تئن تحت نيّر قيود تتعلق بالميزانية يفرضها عليها الاتحاد الأوروبى على نحو يؤجج القلق بشأن فقدان السيادة.
ورصد راخمان أخبارا أخرى اعتبرها الأفضل بالنسبة لـمارين لوبان تتعلق بعقبات تعترض طريق منافسيها على نحو يعزز اتهامات كانت قد وجهّتها هى لهم من قبل بالفساد والاغتراب عن الواقع المعاش؛ حيث يخضع فرانسوا فيون، مرشح يمين الوسط، فى الوقت الراهن لاستجواب رسمى بعد توظيفه زوجته واثنين من أبنائه بأموال عامة.... ونوه الكاتب عن مهارة مارين لوبان فى المناظرات التليفزيونية والتى تكون حاسمة فى الانتخابات الفرنسية.
ورأى صاحب المقال أن ثمة اختلافا وحيدا واضحا بين حركتى ترامب ومارين لوبان يمكن أن يكون ضد اليمين المتطرف الفرنسى هذا الاختلاف هو "حداثة العهد"؛ فلقد ظهر المستر ترامب من اللامكان فجأة وفاز بتسمية الحزب الجمهورى ثم بالرئاسة الأمريكية، على النقيض من الجبهة الوطنية الفرنسية الموجودة على الساحة السياسية الفرنسية منذ عقود تماما كما هو حال عائلة "لوبان".
ورصد الكاتب اقتراب شعبية مارين لوبان من منافسها فرانسوا فيون فى عدد من استطلاعات الرأى التى تخطت فيها لوبان ما يمكن تسميته بــ"السقف الطبيعى لليمين المتطرف" مسجلة نسبة 45 بالمائة فى مواجهة فيون وهو فارق ضئيل جدا قبل شهرين على موعد الانتخابات؛ وقد يتحسن وضع مارين لوبان إذا ما واجهت مرشحا من اليسار المتطرف فى الجولة الثانية، وهو ما قد يحدث إذا ما توحدت قوى اليسار.