محمود تيمور.. المنادي على المجهول بالرواية

الكاتب محمود تيمور

"لا أكاد أصدّق أنّ كاتباً مصرياً وصل إلى الجماهير المثقفة وغير المثقفة مثلما وصلت إليها أنت، فلا تكاد تكتب، ولا يكاد الناس يسمعون بعض ما تكتب حتى يصل إلى قلوبهم كما يصل الفاتح إلى المدينة التي يقهرها فيستأثر بها الاستئثار كله".. بهذه الكلمات وصف عميد الأدب العربي طه حسين، الكاتب والقاص محمود تيمور. محمود تيمور، أحد أعلام النهضة الفكرية والأدبية في تاريخنا المعاصر، وصاحب أول قصة قصيرة في تاريخ الأدب العربي، كرس حياته للتراث العربي وفنون اللغة العربية، ويحل اليوم ذكرى وفاته الـ34. بدأت الحكاية في درب السعادة، أحد أحياء مصر القديمة، ليشهد مولد الكاتب محمود أحمد تيمور عام 1894،الذي ينتمي لأحد الأسر العريقة، فوالده أحمد تيمور باشا أحد أبرز أقطاب الفكر في عصره، له العديد من المؤلفات الفريدة، وعمته الشاعرة عائشة التيمورية. لقّى محمود تيمور تعليمه حتى بالمدارس حتى التحاق بمدرسة الزراعة العليا، إلاَّ أنّه ونتيجة لمرضه الشديد بالتيفوئيد، انقطع عن هذه المدرسة أيّاماً طويلة، وهو دون سنّ العشرين، ما جعله يقضي فترةً طويلةً ملتزماً بفراش المرض، يقضي معظم وقته في التفكير والتأمّل. شغلت القراءة حيزًا كبيرًا في حياته، وبسبب مرضه اضطر للسفر لسويسرا للاستشفاء، وهناك اطّلع على مجمل الآداب الأوروبيّة، وأُتيحت له الفرصة لدراسة الأدب الفرنسي إضافةً للأدب الرّوسي، ليطلع على أعمال المشاهير العالميين.  

لم يكن مرضه السبب الوحيد في تشكيل موهبته، فكان شقيقه "محمد تيمور" مثلًا أعلى له وساهم في إرثاء تفكيره وساعده في تكوين ثقافة واسعة في مجال الأدب. لكن هذا المرشد الأدبي – محمد تيمور- لم يستمر طويلًا، ليتوفى وهو في ريعان شبابه؛ فشعر محمود بانهيار آماله وفقد حماسه وأصابه اليأس. ومع الوقت، استطاع محمود تيمور أن يتخطى كل الصعاب، وقرر أن يسير على درب أخيه ويسلك طريق الواقعية الأدبية. اتخذ من الكتابة ملاذ وصاحب يلجأ له في وقت المحن، فكانت سلواه، يَهرع إليها ليخفف أحزانه، ويضمد جراحه، ويتناسى آلامه، وهو ما انعكس في غزارة إنتاجه وكثرة مؤلفاته. كتب أول قصة قصيرة عام 1919، بالعامية ثم أعاد كتابة قصصه العامية باللغة الفصحى، وتوالت أعماله الأدبية فيما يزيد على خمسين عملًا، ترجم بعضها إلى عدة لغات، وتدور أعماله حول قضايا عصرية وتراثية وتاريخية، واستوحى القصص من رحلاته، مثل "أبو الهول يطير، المائة يوم، شمس وليل".  

ومن أعماله الأدبية، المجموعات القصصية: "أبو علي الفنان، زامر الحي، فرعون الصغير، مكتوب على الجبين، شفاه غليظة، 1946 إحسان لله، كل عام وأنتم بخير"، وفي الرواية "نداء المجهول، سلوى في مهب الريح، المصابيح اللزر"، وفي المسرح: "عوالي، سهاد أو اللحن التائه، اليوم خمر، حواء خالدة، صقر قريش".

 

ونال إنتاجه القصصي جائزة "مجمع اللغة العربية" بمصر عام 1947، ثم أصبح عضوًا بالمجمع عام 1949، كما حصل على جائزة الدولة للآداب عام 1950، وجائزة واصف غالي بباريس عام 1951، ومُنِح جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1963، من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما كرمته جامعات روسيا والمجر وأمريكا في أكثر من مناسبة. ترك محمود تيمور عالمنا، لكنه خلد بقلمه العديد من القصص التي تعرفنا من خلالها على التراث المصري، وعاداتنا وتقالدنا وشكل الحياة بأسلوب أدبي يذخر بألاف الكلمات والمفردات، وتوفي في لوزان بسويسرا عام 1973، ونقل جثمانه إلى القاهرة.

 

 

 

 

مقالات متعلقة