بعد 7 أشهر من انطلاق عملية "درع الفرات" التركية برعاية دولية روسية نهاية أغسطس الماضي ضد تنظيم داعش سوريا، بدأت ملامح مواجهة عسكرية تركية أسدية تلوح في الأفق، بعد سعي الأخير إعاقة تقدم "درع الفرات" بقيامه إنشاء منطقة عازلة جنوب مدينة الباب وفتح حلقة وصل جديدة إلى المناطق الكردية بما يعيد رسم خريطة الصراع قرب الحدود التركية.
محاولات نظام الأسد إعاقة القوات التركية وحليفها الجيش الحر في منطقة الباب ربما يربك المنطقة الملتهبة في الأساس لسنوات طويلة، خصوصًا في ظل انقسام القوى المتحاربة في تلك المناطق، الأمر الذي قابلته "درع الفرات" باستهداف لمواقع النظام.
ويعتبر هذا الاشتباك هو الثاني من نوعه خلال أسابيع، حيث اندلعت اشتباكات منذ أسبوعين تقريبًا بالأسلحة الثقيلة بين النظام والجيش الحر ضمن غرفة علميات درع الفرات على جبهتي بلدات الغوز وأبو الزندين جنوب غرب مدينة الباب، خلال محاولات قوات من النظام التقدم واستهداف فصائل الجيش الحر.
المعارضة السورية أكّدت، على هامش مفاوضات جنيف للسلام، قبل يومين، أنها تمتلك وثائق تثبت وجود تنسيق بين النظام السوري وتنظيم الدولة، وسوف تسلّم هذه الوثائق للأمم المتحدة.
ونقلت "الأناضول" عن مصادر داخل مدينة الباب، التي تمّ تطهيرها من التنظيم مؤخراً على يد قوات "الجيش السوري الحر"، قولها: إنّ "قوات النظام والمليشيات الأجنبية الداعمة لها، سيطرت على 22 بلدة سكنية بجنوبي المدينة خلال الأسبوع الأخير".
وخلال عمليات السيطرة على الأحياء السكنية، لم يُظهر التنظيم مقاومة تُذكر، وبذلك فرضت قوات الأسد والمليشيات الأجنبية سيطرتها على الطريق الواصل بين "الباب" ومحافظة الرقة الشمالية، معقل التنظيم في سوريا.
اشتباكات شكلية
ونتيجة تلك الاشتباكات الشكلية، تمكنت قوات النظام من الوصول إلى مشارف مدينة منبج الخاضعة لسيطرة عناصر تنظيم "ب ي د"، الذراع السورية لمنظمة بي كا كا الإرهابية.
ونظراً للتطورات الأخيرة الحاصلة في تلك المناطق، فإن احتمال دعم النظام السوري لتنظيم "ب ي د" للمحافظة على مناطق سيطرته، بات قوياً، لا سيما أنّ النظام و"ب ي د" تعاونا طيلة الأزمة السورية التي شارفت إتمام عامها السادس. بحسب مراقبين.
من جانبها، تقدمت قوات النظام السوري باتجاه بلدة دير حافر، أحد آخر معاقل تنظيم الدولة في ريف حلب، حيث بات لا يفصلها عن هذه البلدة سوى ستة كيلومترات تقريبًا، وذلك بعدما سيطرت فصائل الجيش المنضوية تحت لواء "درع الفرات" على مدينة الباب.
وكانت قوات النظام قد جمّدت منذ العاشر من الشهر الجاري؛ عملياتها في محيط مدينة الباب، بعدما سيطرت على قرية أبو طلطل المحاذية لبلدة تادف، كما وسعت بالمقابل من رقعة المعارك في محيط مطار كويرس العسكري، حيث سيطرت على عدد من القرى في محيط المطار.
المعارض العسكري السوري المقدم إبراهيم الطقش أحد أهالي ريف إدلب، قال إنَّ النظام سيطر مؤخرًا على عدة قرى في محيط مدينة الباب من المحور الجنوبي، مستغلاً الانسحابات الداعشية التي قام بها التنظيم في معاركه الشكلية مع الأسد، مضيفًا: "مواجهة عسكرية وشيكة بين درع الفرات ومليشيات الأسد، بدأت تعلن في الأيام الأخيرة.
تفاهم أمريكي روسي
وأوضح الخبير العسكري السوري لـ"مصر العربية" أن الأسد سيخسر كثيرًا في حال عرقلة درع الفرات التركية المدعوم من روسيا والتحالف الدولي، وبالتالي فالتفاهم التركي الروسي الأخير سيمنع الأسد وإيران من عرقلة التقدم التركي في منطقة الباب.
وتابع: "الطبيعة الجبلية أخرت إنهاء عملية درع الفرات، كما أن التكتيكات التي يقوم بها داعش لمواجهة تركيا والحر، سواء بإغراق مناطق الاشتباكات بالمياه لعرقلة تقدم العربات خاصة في المناطق الزراعية أيضا تعرقل تلك القوات، وبالتالي نحن أمام حرب ربما تستمر لسنوات.
وأكّد الطقش أن الأسد يحاول توسيع سيطرته حول مدينة حلب انطلاقًا من تأمين مطار كويرس العسكري، في مواجهة قوات درع الفرات والتي توسع من رقعة سيطرتها في الشمال، وبالتالي سعى النظام مؤخرًا للسيطرة على بلدة دير حافز ويستهدف الآن بلدة مسكنة ومدينة الطبقة جنوب الرقة.
بدوره، استبعد السياسي السوري أحمد المسالمة أي صدام بين الجيش التركي وقوات الأسد بمنطقة الباب، لافتًا أنه سيكون هناك حدود فصل بين الطرفين.
مليشيات إيران
وأوضح المسالمة لـ"مصر العربية" أنّ تركيا ستبقى متفرجة للقتال بين الحر والميلشيات الإيرانية واللبنانية التي تساند قوات الأسد ولن تتدخل بصراع مع هذه الميلشيات بشكل مباشر، وقد تبقى تدعم درع الفرات إلى مستويات تجعله متوازنًا بالمنطقة.
وتابع: "ليس من صالح تركيا المواجهة المباشرة مع قوت النظام، كونها ضامنا لوقف إطلاق النار من ناحية، ومن ناحية ثانية حفاظًا على الجوار وعدم امتداد المعارك إلى أراضيها؛ لأنَّ الأسد قد يجرؤ إلى قصف بعمق الأراضي التركية لإحراج الحكومة التركية أمام شعبها.
وتقدمت مليشيات النظام، خلال الساعات الماضية وتمكنت من دخول بعض أحياء بلدة تادف الملاصقة لمدينة الباب شمالي البلاد، بعد انسحاب تنظيم داعش منها بشكل نهائي.
وشهدت بلدة تادف معارك، السبت، وسط تقدم للجيش الحر والسيطرة على نقاط فيها من الجهة الشمالية والشمالية الغربية للبلدة.
يذكر أنَّ الجيش التركي أطلق -بالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي في 24 أغسطس الماضي- حملة عسكرية في مدينة جرابلس بريف حلب الغربي تحت اسم "درع الفرات" تهدف لدعم الجيش السوري الحر في تطهير المدينة والمنطقة الحدودية من تنظيم الدولة ومنع توسع القوات الكردية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية غرب نهر الفرات.
ونجحت عملية درع الفرات في استعادة جرابلس ومناطق مجاورة لها جنوبا وشرقا، كما تم لاحقا طرد تنظيم الدولة من الشريط الحدودي ما بين مدينتي جرابلس وإعزاز السوريتين، وأعلنت مؤخرًا تركيا سيطرتها على غالبية مدن الباب، وبذلك لم تبق أي مناطق متاخمة للحدود التركية تحت سيطرة التنظيم.