ترامب و «نظرية المجنون»

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

ثمة تباين بائن في نواة فريق السياسة الخارجية «الترامبي»، فمن جهة يجمع الفريق هذا رجالاً من أصحاب الخبرة والحكمة والسياسة المحافظة، وسياساتهم لا تشذ عن معايير النهج الأميركي الدولي الساري منذ 1945، وهم في متن السياسة الأميركية. وكان ليسع هيلاري كلينتون جمع مثل هذا الفريق، من وزير الأمن الداخلي، ومدير الـ «سي آي إيه» ووزير الدفاع جايمس ماتيس، ووزير الأمن القومي ماكماستر. ولكن الرئيس، من جهة أخرى، هو خلاف فريقه. فهو يفتقر إلى الخبرة وغير تقليدي ومنفلت من كل قيد أو عقال. وتزرع تصريحاته الاضطراب، بدءاً من طي سياسة الصين الواحدة وحل الدولتين العربي- الإسرائيلي، وصولاً إلى قوله إن الناتو «بائد» وتقويضه التجارة الحرة.

ولكن هل تدور عجلة عمل فريق على هذا القدر من التباين؟ يحمل عدد من الحوادث الجواب، فقد أرسل ترامب الراشدين في فريقه (نائب الرئيس بنس، ووزير الدفاع ماتيس، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون) إلى محادثات مغلقة في ألمانيا لطمأنة الحلفاء حول التزام أميركا الأمن الأوروبي. وأشار هؤلاء إلى شكوى ترامب من «طفيلية» الحلفاء، وتقليصهم حصتهم في أعباء الدفاع. وبعد أيام، أعلنت ألمانيا زيادة عدد قواتها العسكرية، ووصلت الرسالة إلى دول أوروبية أصغر. ويشير جون حنا من مؤسسة «الدفاع عن الديموقراطيات» إلى أن آلية «الدفع والجذب (أو التحفيز)» قد ترتجى منها منفعة في أوساط الأصدقاء والخصوم على حد سواء، فالصين أعلنت قبل أيام أنها ستوقف استيراد الفحم من كوريا الشمالية في 2017. ونسبة استيراد الصين من الفحم الكوري الشمالي هي ثلث صادرات هذا البلد، ووقف الاستيراد يوجه ضربة قوية إلى اقتصاد بيونغ يانغ.

ولا شك في أن غضب الصين مرده إلى اغتيال الأخ غير الشقيق لكيم جونغ أون، الذي كان في حمايتها. لكن مقاطعة استيراد الفحم الكوري الشمالي أُعلن عنها بعد أيام على التجربة الصاروخية الكورية الشمالية الاستفزازية، وبعد تنصيب رئيس أميركي جديد غريب الأطوار لا يقيم وزناً «للحساسيات» الصينية. والموقف المتذبذب من سياسة الصين الواحدة وقع على بكين وقع المفاجأة. فترامب ندد بالتوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي، وتقرب من رئيس الوزراء الياباني، أي ارتكب كل ما يقلق الصين ويثير نقمة دائمة. ولكن مقاطعة الصين صادرات بيونغ يانغ هي إشارة إلى أن واشنطن لا يستخف بها.

وما تقدم يوحي بأن بنية فريق الأمن القومي الغريبة والمتنافرة قد تفضي إلى العودة لسياسة «نظرية الرجل المجنون» النيكسونية (نسبة إلى ريتشارد نيكسون)، وركنها التهور والمغامرة والإيحاء بالجنون. وحاول هنري كيسنجر، ومن ورائه نيكسون، أكثر من مرة توسل «نظرية الجنون» للضغط على الخصوم. وأظهر فريق ترامب براعة في التعامل مع مترتبات نوباته المتكررة، فطوال أعوام درج على القول «كان الأولى بنا الاستيلاء على النفط العراقي». وفي بغداد، أعلن ماتيس أن الأميركيين لطالما سددوا ثمن ما يستهلكون من غاز ووقود، وأنهم لن يغيروا ما درجوا عليه في المستقبل.

وعلى رغم عودة السفير الأميركي في الأمم المتحدة عما قاله ترامب عن حل الدولتين، أفلح الرئيس الأميركي في توجيه رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن عقوداً من الممانعة قد لا تفضي إلى حل الدولتين، وأن ثمة ثمناً ربما يترتب على عدم التنازل والمساومة وانتظار أن تمنحهم أميركا دولة فلسطينية.

ولكن ثمة من غير شك مجازفة في سياسة خارجية مدارها على مسارين وسياستين وواقعين. وهي سياسة مضطربة ومربكة. ولكن حوادث الشهر الأول هي دليل على أن ثمار هذه السياسة قد تنعقد، وأن الجمع بين خطاب راديكالي وسياسة محافظة قد يحسن أداء الأصدقاء والأعداء. ولكن الأمور طبعاً قد تنزلق إلى الأسوأ.

* معلق، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 23/2/2017، إعداد م. ن.

 

مقالات متعلقة