تعالت الأصوات التي تطالب بزيادة المرتبات للموظفين والعاملين في مؤسسات وأجهزة الدولة، بعد موجة الغلاء، التي ضربت الأسواق بشكل عام والسلع الأساسية بشكل خاص، عقِب قرار البنك المركزي، بتحرير سعر الصرف، في نوفمبر الماضي.
أعضاء مجلس النواب، كانوا أول المطالبين بهذه الزيادة على المستوى الرسمي، وجاء رد وزارة المالية سريعًا، إذ قال أحمد حسن مدير عام بوزارة المالية، إن أي زيادة في المرتبات حاليًا سوف يترتب عليها موجة تضخمية جديدة في الأسعار.
وأشار حسن ـــ خلال اجتماع لجنة القوى العاملة بمجلس النواب برئاسة جبالى المراغي، لمناقشة طلبي إحاطة مقدمان من النائب إيهاب منصور، ومحمد عمارة حول زيادة المرتبات بعد ارتفاع الأسعار وكذلك منح علاوة للعاملين غير المخاطبين بالخدمة المدنية- إلى أن الزيادات في أسعار السلع قد يكون له أسباب عديدة منها وجود احتكار وبالتالي علاجه ليس زيادة دخول فئة معينة في المجتمع وهم الموظفين لأنه سيكون هناك تبعات كثيرة لتلك الزيادة.
وأضاف: «فى حالة زيادة مرتبات الموظفين سيكون هناك تبعات وآثار على العاملين بالقطاع الخاص،وكذلك على أصحاب المعاشات»، لافتًا إلى أنه قد يتجه بعض رجال الأعمال إلى الاستغناء عن العمال الموجودين لديهم فى حالة وجود زيادة جديدة في الأسعار، مطالبًا في الوقت ذاته بالتدقيق فى زيادة الإنتاج.
وتابع: «لابد من التفكير في حلول أخرى غير زيادة المرتبات لمواجهة ارتفاع الأسعار، لأن أى زيادة في المرتب ستضيف أعباء جديدة على الموازنة، وتزيد العجز الموجود بها، مطالبًا بالانتظار لحين إعداد مشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة 2017-2018».
من جانبه رد النائب جبالى المراغى، رئيس لجنة القوى العاملة، قائلًا: «اطمئن القطاع الخاص لن يستغنى عن العمالة ولن تزيد البطالة فى حالة زيادة المرتبات أو العلاوة»، واتفق أعضاء اللجنة على ارجاء طلبي الاحاطة لحين إعداد مشروع الموازنة العامة الجديدة.
الأسوء في العالم
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أعلنت الأسبوع الماضي، أن نصيب الأجور من الناتج المحلي الإجمالي في مصر يتراجع مقابل نصيب أرباح رأس المال، وفقًا لرصد البنك الدولي.
وأوضحت المبادرة، أن أجور العاملين انخفضت إلي نحو 25% من الناتج وظلت عند هذا المستوى حتى 2015 ، مشيرة إلى أن مصر تعد ثامن أسوء دولة في العالم من حيث توزيع الثروة، حيث زادت حجم الثروات الخاصة، كما زاد تركز الثروة في يد شريحة أصغر من المصريين، خلال القرن الواحد والعشرين.
وارتفع معدل التضخم بمصر إلى مستوى قياسي بلغ 29.6% خلال شهر يناير الماضي، مقارنة بنسبة 24.3% خلال شهر ديسمبر 2016، وذلك وفقًا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وهناك عدة تساؤلات تطرح نفسها في ظل تأكيد المالية علىصعوبة رفع الأجور خلال الفترة المقبلة، وأبرزها ما الحلول التي تمكن المواطن من مواجهة ارتفاع الأسعار؟ وهل يوجد طريقة لزيادة المرتبات بدون التأثير على معدلات التضخم ؟
«مصر العربية» استطلعت آراء خبراء اقتصاد، للوقوف على أفضل الحلول للخروج من هذه المعضلة التي يُعاني منها قطاع عريض من الشعب.
بداية، قال أشرف إبراهيم، الباحث الاقتصادي: «نظريًا يمكن أن تؤدي زيادة المرتبات إلى التضخم إذا كانت مستويات التضخم معتدلة ومستقرة، وبالتالي يؤدي زيادة المرتبات إلى زيادة الطلب المحلي ما يقود إلى ارتفاع الأسعار، وبخاصة في الأسواق غير محكمة الرقابة كالسوق المصري».
وأوضح لـ"مصر العربية"، أن هذه الحالة لا تنطبق على الوضع المصري حاليًا، فمعدل التضخم تجاوز 30% وفقًا للبيانات الرسمية، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تدهور القيمة الشرائية للأفراد، ومن ثم يتراجع مقدار ما يحصلون عليه من منافع رغم ثبات الدخل، وبالتالي تتدهور أحوالهم المعيشية.
واعتبر إبراهيم، أن السبيل الوحيد هو إما معالجة أسباب ارتفاع معدل التضخم، والعمل على تخفيضه في أسرع وقت، وهو ما لا تملكه الحكومة في الوقت الراهن، وإما مواكبة ارتفاعات الأسعار عن طريق زيادة المرتبات.
وبيّن أن ارتفاع مستوى التضخم الحالي غير ناجم عن زيادة الطلب المحلي، حتى تخشى الحكومة من حدوث موجة تضخمية جديدة، كما أن نسبة كبيرة من شركات ومؤسسات القطاع الخاص قامت برفع الأجور حتى تُضيق الفجوة بين الدخول وارتفاع الأسعار.
بدوره، ذكر الدكتور أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي، أن زيادة الأجور من الناحية الاقتصادية بدون إنتاجية تمثل إضافة لارتفاع التضخم، ولكن هذا مقارنة بالكثير من التصرفات مثل زيادة الاقراض للاستهلاك أخطر كثير.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن طباعة النقود بدون غطاء ويضاف إليها الدخول ذات المستويات العالية وعلى الجانب الاخر تدني الأجور، يؤدى إلى انخفاض القوة الشرائية مما يؤدى إلى كساد ينتج عنة الكثير من المشاكل وانخفاض النمو وكل هذا يأتى لعدم وجود تشريعات محفزة للانتاج سواء زراعي أو صناعي أو سياحي أو خدمي.
ورأى «خزيم»، أن زيادة محدودى الدخل طبقًا لحكم المحكمة إلى الحد الأدنى للأجور، لا يؤدى مطللقًا إلى التضخم بل يؤدي إلى حركة الأسواق ولكن من خلال تشريعات تهيئ المناخ للانتاج.
وتابع: «للأسف لا توجد رؤية تجعل المنظومة الاقتصادية تعمل بكفاءة دون أن تكون عبء على محدودى ومتوسطي الدخل، مثل الحد الاقصى للاجور في كافة القطاعات»، مؤكدًا أننا في حاجة إلى رؤية توازن بين متطلبات النمو وعلاج مشكلة التضخم التى تمثل سرطان في جسم أي اقتصاد.
وذكر الدكتور يسري طاحون، أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا، أن طباعة «بنكنوت» دون زيادة الانتاج، يؤدي بكل تأكيد إلى ارتفاع معدلات التضخم، لأن كل زياده في حجم النقود لابد أن يقابلها زيادة في السلع في السوق أما بالانتاج أو الاستيراد.
وبين لـ«مصر العربية»، أنه لو زادت كمية النقود دون ذلك فسترتفع الأسعار، لأنه يتم تقسيم كمية النقود علي حجم السلع.
وأشار طاحون، إلى زيادة الأجور والمرتبات لبعض الفئات في المجتمع يزيد من معاناة الطبقات الفقيرة ويركز العبء عليها، قائلًا: «لما نزود مرتبات بعض الفئات دون أخرى تعاني الطبقات الفقيرة بينما الأخرى تزود معدلات التضخم بزيادة الأجور».
وعلّق وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، قائلًا: «بصفة عامة لو ارتفعت الأجور ارتفع التضخم، ولكن إذا اتجهت الدولة للإنتاج والبحث عن موارد جديدة، سيكون بإمكانها رفع المرتبات دون التأثير على معدلات التضخم».
وأضاف في تصريحات لـ«مصر العربية»، أنه كان من الأولى على الحكومة أن تعمل على زيادة الموارد لتحسين أوضاع محدودي الدخل، بدلًا من الاتجاه للانفاق في العاصمة الإدارية الجديدة أو لعمل مشروعات طرق وكباري.
واعتبر أن زيادة مرتبات بعض الفئات من غير محدودي الدخل، لن يكون له تأثير على معدلات التضخم، لأن زيادة أجورهم تكون من خلال مواردهم والصناديق الخاصة بهم، حيث أن مؤسسة مثل الجيش لديها إيرادات داخلية وتمول نفسها بنفسها.