"حسني مبارك بريء، حبيب العادلي بريء، مساعدوه أبرياء.. من قتل الأبرياء إذًا؟".. بعد ست سنوات طوى القضاء أول محاكمة لرئيس مصري، لم تنتهِ بإدانته بل أعاد الحياة إلى الرئيس المخلوع في تسعينيه.
منذ أولى جلسات محاكمة مبارك في قتل متظاهري ثورة يناير، يشكِّك كثيرون في جدواها، وإلى أين ستنتنهي؟ في مشهدٍ اعتبروا أنَّه سينتهي بالبراءة، غير أنَّ الحكم نزل صعقًا كما الموت، يصيب حيث يقع، فانهار أهالي شهداء الثورة بعد ضياع ما قالوا إنَّها فرصتهم في القصاص "بالقانون"، ختمها قاضي البراءة بجملة "رُفعت الجلسة"، فتبادر تساؤل هل رُفعت الجلسة أو الثورة؟، فـ25 يناير أطاحت بحكم مبارك وحاكمته برفقة أغلب مسؤولي نظامه، لكنَّه حصل على براءته بعد ست سنوات من الثورة.
يتذكر المصريون جيدًا أيام ثورة يناير، ومن بين ما يذكرونه مدرعات دهست ثوارًا.. من قادها؟، لماذا خرجت؟، ودفاعًا من؟، أسئلة لا تجد أجوبة - إلى الآن على الأقل - بعد حكم نهائي، غير ممكن الطعن عليه، فبات الحديث عن شهداء الثورة بين ضياع الحق وأمل القصاص، وهو ما يقولون إنَّه الأمل الأخير للثورة لتنجح فيه، وبخاصةً ما يعتبرونه عودةً في تضييق الأمن على النشطاء فضلًا عن ارتفاع الأسعار وغياب ما يصفونه بـ"الدور الرقابي الحقيقي للبرلمان"، وفق ما يرون، وهي مشاهد خرج عليها الثائرون في 2011.
مبارك وما لم يحدث
أمس الخميس، انعقدت محكمة النقض في أكاديمية الشرطة، في سابقة من نوعها، فهي المرة الأولى التي تغيِّر فيها "هيئة محكمة نقض" مقرها بوسط البلد لتحاكم متهمًا، وكان مدعى ذلك "الدواعي الأمنية"، وهو الأمر الذي أثار أزمة بين المحكمة ووزارة الداخلية، فالأولى صمَّمت على مدار أربع جلسات على إحضار مبارك لها بدار القضاء العالي، فقوبل التصميم بتصميم آخر من "الداخلية"، إلى أن انتهت الأزمة بانعقاد الجلسة في أكاديمية الشرطة.
وفي الأكاديمية، حكمت المحكمة بكتابة كلمة النهاية على قصة محاكمة مبارك، فبرأته من تهم الاشتراك في قتل المتظاهرين.
وخلال الجلسة، قال مبارك - ردًا على سؤال للقاضي في المحكمة، عمَّا نسب إليه من اتهامات النيابة العامة بشأن قتل المتظاهرين: "لم يحدث".
وعقب النطق بالحكم، ردَّد مبارك ونجلاه علاء وجمال - اللذان حضرا الجلسة بموافقة المحكمة: "الحمد الله.. والله أكبر"، فيما تلقُّوا التهنئة من قيادات أمنية داخل قاعة المحكمة.
دفاع الشهداء.. القاتل مسكوتٌ عنه
أمير سالم عضو لجنة الدفاع عن أسر الشهداء قال لـ"مصر العربية": "منذ جلسات المحاكمة الأولى وأنا متأكد من خلال ما حدث أنَّ مبارك وبقية المتهمين سيحصل على البراءة في النهاية".
وأضاف: "كل الأنظمة بعد الثورة تحمي نفسها وذلك من خلال حماية مبارك، والقضاء المصري غير مستقل.. وتبرئة مبارك هي ضرورة وجودية للنظام الحالي".
وأشار إلى أنَّ كافة قطاعات الشعب شاركت في الثورة ضد ما أسماها "الظلم" في عهد مبارك، لافتًا إلى أنَّ لن يغيِّر من عقيدتهم في شيء.
وتابع: "اللي قتل المتظاهرين هي الشرطة المدنية والشرطة العسكرية والبلطجية وجهاز أمن الدولة.. كل هؤلاء شاركوا في قتل المتظاهرين، ومبارك كأي رئيس كان مسؤول مسؤولية دستورية وقانونية وإدارية وتكاد تكون جنائية عن المواطنين، وبالتالي كان هناك اضطراب وثورة وكان الرئيس يتابع الأمر، وله السلطة الكاملة في الاعتداء على المتظاهرين من عدمه".
واستطرد: "مفيش ضابط أو عسكري في الشرطة أو في الجيش هيضرب بدون علم رئيس الجمهورية ويمكن بقرار منه، وأنا قدمت أدلة مسجلة كثيرة تبين الحرس الجمهوري يحرس الجناة في موقعة الجمل، والأدلة دي من غرفة عمليات ماسبيرو، ومنها أدلة على قناصة قتلوا المتظاهرين في لاظوغلي".
وعن إمكانية تحقيق القصاص لشهداء الثورة والعدالة لهم من المتهمين، أوضح سالم: "هذا سيحدث في المستقبل.. فالسيسي امتداد لمبارك بإعلامه وقضائه، والعدالة لن تتحقق إلا بتغيير النظام السياسي في البلاد".
الإخوان وحماس وحزب الله
فريد الديب في مرافعته أمام هيئة المحكمة، أمس، اتهم جماعة الإخوان المسلمين وعناصر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله بقتل متظاهري يناير بهدف إشاعة الفوضى في البلاد.
الديب قال إنَّ عناصر من "حماس" وحزب الله تسلَّلوا عبر الأنفاق وشاركوا بالتنسيق مع عناصر إخوانية بتسلق أسطح المباني واستخدموا أسلحة لقنص وقتل المتظاهرين وإلصاق التهمة بالشرطة.
الدولة لم تساعد المحكمة
خالد داود رئيس حزب الدستور قال لـ"مصر العربية" إنَّ الحكم ببراءة مبارك كان متوقعًا، لافتًا إلى أنَّ الحكم السابق الذي أصدره المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة في وقتٍ سابق، أكَّد أنَّ بعض أجهزة الدولة بينها "المخابرات" لم تقدم الأدلة الكافية على إدانة مبارك والعادلي ومساعديه، مشيرًا إلى أنَّ الثورة قائمة في عقول المواطنين ولا تكترث بحكم البراءة.
وأضاف: "هناك قرابة 850 قتيلًا في الثورة، ولا بد أنَّ هناك قاتلًا لهؤلاء، والمسؤول عن القتل معروف، وأعتقد أنَّ الشعب المصري نفسه أصدر حكمه في مبارك بغض النظر عن حكم البراءة، وذلك في 11 فبراير عندما إجباره على التنحي".
ودعا داود الجهات الحقوقية للتحرك سريعًا للبحث عن سبل مناسبة لحفظ حقوق أهالي شهداء الثورة منعًا لضياعها بعد حكم البراءة.
وأشار داود إلى إجراء مناقشات بين الأحزاب السياسية بما يتعلق بحكم البراءة لبحث إمكانية الدعم المناسب لأسر شهداء الثورة.
القاتل "من المريخ"
الباحث السياسي الدكتور عمار علي حسن قال - لـ"مصر العربية": "مظاهرات يناير كانت سلمية والشرطة بدأت الاعتداء على المشاركين فيها، ومبارك بصفته كان رئيسًا للجمهورية كان لزامًا عليه حماية المتظاهرين لكنَّ انحراف الشرطة في ذلك الوقت جعلها طرفًا في القضية بصفتها سلاحًا للدفاع عن الرئيس".
وأضاف: "محاكمة مبارك لم تكن على عدم حمايته للمتظاهرين لكنَّ المحاكمة تمَّت على أنَّه جندي أمن مركزي ركب سيارة مصفحة ودهس الناس وهذا لم يحدث، وبالتالي هناك من حوَّل سير القضية من أجل الوصول إلى براءة مبارك".
وأكَّد عمار أنَّه بالإمكان إعادة تحريك القضية من جديد حال ظهرت دلائل جديدة، داعيًّا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الشهادة بالقضية في هذا الصدد".
وتابع ساخرًا: "من قتل المتظاهرين كائنات من المريخ، أنزلها الله لتصون مبارك لأنه كان رجلًا صالحًا، والمتظاهرون كانوا كائنات شريرة".
الثورة مستمرة
جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ندَّد بحصول مبارك، على حكم بالبراءة في "قتل المتظاهرين".
وقال - في تغريدة عبر حسابه على موقع التدوين المصغر "تويتر": "إذا مات الآن سيموت لص، إذا امتد به العمر سنحاكمه محاكمة جادة عادلة على باقي جرائمه، مبارك حرامي، والثورة مستمرة".
براءة سابقة
محكمة جنايات القاهرة كانت قد عاقبت مبارك ووزير داخليته حيبب العادلي بالسجن المؤبد، وبَّرأت مساعدي العادلي الستة في يونيو 2012، وهو الحكم الذي ألغته محكمة النقض في يناير 2013، وقررت إعادة المحاكمة من جديد.
وفي إعادة المحاكمة حصل المتهمون على البراءة، وحصل مبارك على حكم بألا توجه لإقامة الدعوى ضده، وطعنت النيابة العامة على الأحكام، في حين قبلت النقض فقط الطعن فيما يخص مبارك، وأيدت أحكام البراءة لوزير الداخلية السابق ومساعديه، حتى حصل على البراءة أمس.
ومساعدو العادلي في القضية كانوا عدلي فايد مدير مصلحة الأمن سابقًا، وأحمد رمزي رئيس قوات الأمن المركزي سابقًا، وحسن عبدالرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة "المنحل"، وإسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة سابقًا، وعمر الفرماوي مدير أمن 6 أكتوبر سابقًا، وأسامة المراسي مدير أمن الجيزة سابقًا.