"مسارات رصاصات الرشاشات وقذائف الأر بي جي التي أُطلقت في مخيم اللاجئين عين الحلوة في صيدا، بدأت من رام الله وغزة والقاهرة. منذ أسبوع يخيم التوتر على المخيم، بعد أن اندلعت السبت مواجهات مسلحة، أسفرت عن مقتل شخص واحد على الأقل، وتدمير محال تجارية ومنازل ، وإضراب وسائل المواصلات في أكبر معسكر للاجئين، يضم نحو 80 ألف شخص”.
جاء ذلك في مقال لـ"تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" تطرق فيه لما اعتبرها أسبابا حقيقية للمواجهات التي اندلعت مؤخرا بين فصائل فلسطينية مسلحة بمخيم عين الحلوة اللبناني.
السبب المباشر لاشتعال المخيم ليس واضحا. تقول بعض التقارير إن مشاجرة اندلعت بين سيدتين، سرعان ما تطورت إلى مواجهات بين الرجال. لكن خلاصة وافية للأحداث التي سبقت الاضطرابات تشير إلى أن خارطة الخصومات أوسع بكثير.
في المخيم نفسه ينشط نحو 20 فصيل فلسطيني، أبرزها فتح وحماس و"مجموعة القوات الإسلامية". وتتولى الأمور الأمنية في المخيم لجنة مشتركة مشكلة من كل الفصائل، تحت قيادة منير المقداح، نائب قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، صبحي أبو عرب.
المقداح بحسب الإسرائيلي "برئيل" أحد الموالين للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتلقى دعما قيمته 250 ألف دولار شهريا، لتمويل نشاطات قوات فتح في مجلس القوى الفلسطينية بلبنان.
في مطلع يناير قررت السلطة الفلسطينية تعليق التمويل على خلفية انتقادات حول عدم جدوى المقداح، وهي الخطوة التي أعلن بعدها الأخير استقالة فتح من لجنة الأمن المشتركة.
بدا قرار عباس بتجميد المساعدات ناجم في الأساس عن فشل المقداح في وقف نشاطات أنصار محمد دحلان، الخصم اللدود لعباس، في المخيم.
الخصومة بين دحلان وعباس ليست جديدة، وتطورت إلى حرب على الخلافة، تتورط فيها مصر والسعودية والأردن والإمارات.
حاولت الدول الأربعة في سبتمبر الماضي طرح صيغ مصالحة بين المعسكرين الفلسطينيين بهدف إعادة دحلان للعمل السياسي في حركة فتح، التي طرد منها على يد عباس في يونيو 2011، على خلفية محاولات دحلان إسقاطه.
رفض عباس المبادرة وأثار سخط مصر، التي تعمل على تعزيز مكانة دحلان، بهدف التأثير من خلاله على مجريات الأمور في الضفة وقطاع غزة، استعدادا لإمكانية اختفاء عباس من الساحة السياسية. كذلك تعاملت الأردن والسعودية بفتور مع عباس، وباتت زياراته لتلك الدول نادرة.
وصل الجفاء المصري ذروته الأسبوع الماضي، ففي خطوة غير مسبوقة منعت دخول جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح المقرب من عباس أراضيها، بعد دعوته رسميا للمشاركة في مؤتمر عن التنمية الاجتماعية والإرهاب، عقد في شرم الشيخ.
مُنع الرجوب حتى من مغادرة المطار، ما اضطره للعودة للأردن على متن نفس الطائرة التي أقلته لمصر. كانت تلك المرة الأولى التي لا تسمح فيها مصر بزيارة مسئول فلسطيني من فتح، وعلى ما يبدو لن تكون الأخيرة- طالما يصر عباس على موقفه.
قررت السلطة الفلسطينية من جانبها عدم الرد علانية على الإهانة الجارفة التي تلقتها بعد أيام قليلة من عودة المسئول في الحركة صائب عريقات من القاهرة، حاملا البشارة بأن العلاقات مع مصر جيدة.
قبل واقعة الرجوب، زار عباس لبنان، للتنسيق مع السلطات حيال سبل تشديد الأمن بمخيمات اللاجئين، وتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
لكن خلفت تلك الزيارة مواجهة جديدة مع دحلان وأنصاره، الذين سارعوا لاتهام عباس بتخصيص وقت لمقابلة المطربة أحلام ونجوم مسابفة "أراب آيدول"، وليس لتفقد مخيمات اللاجئين.
عشية مغادرته الأراضي اللبنانية، وصلت جليلة زوجة دحلان مخيم عين الحلوة، مع حزم مساعدات. هاجم أنصار عباس موكبها بالحجارة. منذ ذلك الوقت وصاعدا تدهورت الأوضاع في المخيم وصولا للمواجهات العنيفة، التي حاولت حماس خلالها، ونجحت بالفعل، في فرض الهدنة.
يعزي عباس أيضا هذه الواقعة للدعم الذي يتلقاه دحلان من مصر، وهو على ثقة من أن توطيد العلاقات بين حماس والقاهرة لا يعتمد فحسب على الموافقة على مواجهة الجماعات السلفية بالقطاع، وقطع علاقات الحركة مع داعش بسيناء، بل أيضا على التزام حماس بتأييد دحلان كخليفة له، رغم عدم إعلان حماس ذلك علانية.
تنضم مصر بذلك لإسرائيل، التي لا تعتبر عباس شريكا. لكن بينما ترى إسرائيل أن عباس ليس شريكا في عملية السلام، لا تعتبر مصر عباس شريكا في تحقيق طموحاتها السياسية في فلسطين.
في الظروف السياسية التي لا يبدي فيها عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو استعدادا للتحاور فيما بينهما، وفي وقت لا تبدي فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشارات على تدخلها في الصراع، تسعى مصر على الأقل لتحقيق مكاسب.
هذه المكاسب موجودة الآن في غزة، التي تحظى فيها مصر بنفوذ سواء بفضل سيطرتها على ممر الدخول والخروج، في معبر رفح، أو من خلال قدرتها على تعزيز أو إضعاف حماس بفضل سيطرتها على المعبر.
صحيح أن تأشيرة معدل السخونة التي تميز علاقاتها مع حماس تتطلب من مصر التنسيق مع إسرائيل، لكن هذه مشكلة ثانوية على خلفية التعاون العسكري بين الدولتين. النتيجة أن ردود إسرائيل على إطلاق الصواريخ من غزة يتدو فعلا حادة وغير مباشرة، لكنها بعيدة من تحقيق وعد ليبرمان بدفع حماس للصراخ "واحسرتاه". هنا يختم محلل هآرتس للشئون الإسرائيلية مقاله.
الخبر من المصدر..