رغم تصريحات المؤسسات الدولية والمسئولين المصريين الإيجابية بشأن تحسن الاقتصاد المصري، نتيجة الإصلاحات التي بدأتها الحكومة، ضمن اتفاقها مع صندوق الدولي، تأتي تقلبات سعر الجنيه في الآونة الأخيرة بما لا يتسق ومعدلات التحسن الاقتصادي المتوقعة.
بعد فترة من الهدوء استمرت لأكثر من شهرين، عادت السوق السوداء للدولار في مصر، منذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، ليصل الفارق بين السعر الرسمي ونظيره في السوق الموازي لأكثر من 75قرشا.
وسجل سعر الدولار في البنوك 17:75 جنيه مقارنة مع مستوى يتراوح بين 16.25 و16.50 جنيه الأسبوع الماضي، في حين سجل سعر الشراء 17.90 جنيه، وسجل سعر البيع 18.05 جنيه في السوق السوداء.
وحمل خبراء مسئولية عودة السوق السوداء مجددًا إلى البنوك لارتفاع الطلب على العملة الصعبة وعدم توافرها بالكميات المطلوبة، فالبنوك لا توفر الدولارات اللازمة للمستوردين والعملاء، ولديها طوابير انتظار على العملة، ما اضطر بعض المستوردين لتدبير احتياجاتهم من السوق السوداء.
زيادة الطلب
محمد ﻻشين، الخبير اﻻقتصادي والمصرفي، قال إن هناك زيادة في الطلب على شراء الدوﻻر، عقب انتهاء عطلة الصين، ورغبة التجار في تسديد مديونياتهم والبدء في فتح علاقات تجارية جديدة.
وأضاف ﻻشين، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن هناك نقصا كبيرا في الكمية المعروضة بسبب تضييقات البنوك، مشيرا إلى أن جميع التجار بدأوا في اﻻستعداد حاليا لتوفير سلع المناسبات القادمة مثل شهر رمضان وشم النسيم، ومن بعدهما عيد الفطر.
ولفت إلى أن البنك المركزي يستطيع تثبيت سعر الدوﻻر، وذلك من خلال تغطية نسبة العجز من خلال ضخ كميات متناسبة مع نسب اﻹقبال على الشراء، مؤكدا على أنه من الضروري حدوث تناسب بين العرض والطلب وخاصة بعد ارتفاع نسبة اﻻحتياطي اﻷجنبي.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن سعر الدوﻻر في الفترة المقبلة سيشهد حالة من التذبذب حتى نهاية العام مابين 16 إلى 19 جنيها دون تخطي ذلك السعر.
رمضان والعيد فخري الفقي، نائب رئيس صندوق النقد الدولي سابقا، قال لـ"مصر العربية"، إن الارتفاع الحالي لسعر الدوﻻر طبيعي إلا أنه لن يستطيع الوصول إلى مستوى الـ 20 جنيها كما كان سابقا.
وأشار إلى أن هناك عدة عوامل ساعدت الجنيه المصري في اﻻنتعاش والقدرة على المنافسة أمام الدوﻻر، يأتي في مقدمتها زيادة اﻻستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين للخارج.
وأوضح الفقي أن الاستيراد هو السبب الوحيد المحتمل أن يساهم في صعود الدوﻻر بنسبة بسيطة جدا في الفترة المقبلة، مرجعا ذلك إلى قدوم المناسبات وخاصة اقتراب شهر رمضان، الذي يساهم في الحاجة إلى استيراد كميات كبيرة من المواد الغذائية ومواد الزينة والأدوات الكهربائية.
البنوك السبب
وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي، شريف الدمرداش، إن الانخفاض الذي حدث فجأة في الفترة اﻷخيرة لم يكن هناك سبب اقتصادي لحدوثه، مؤكدا أن ذلك اﻻنخفاض لم يكن له مبرر أو سبب منطقي.
وأضاف الدمرداش، في تصريح لـ"مصر العربية" أن البنوك أصبحت تلعب دور شركات الصرافة في جمع العملة من السوق بسعر منخفض ومن بعدها يتم رفعه وبيعه للمشتري بسعر مرتفع.
ونفى الدمرداش أن يكون الإقبال الموسمي له دور في عودة الدوﻻر إلى اﻻرتفاع مجددا، مشددا على أن اﻻقتصاد المصري الحالي ﻻ يشتمل على مقومات أساسية وبنية تحتية تجعله يستطيع مقاومة انهياره أمام الجنيه، على حد وصفه.
الحكومة "الجاني"
وعلى صعيد متصل، اتهم الدكتور وائل النحاس الخبير اﻻقتصادي، الحكومة الحالية بالتدخل "المكشوف" في سحب وتوفير نسب المعروض من العملة الصعبة حسب أهوائها، مما يؤدي إلى حدوث تخبطات في السعر ما بين السعر الرسمي في البنوك وسعر العملة في السوق السوداء.
وأوضح النحاس، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن قرارت الحكومة أثرت بشكل سلبي على انخفاض نسب المعروض من العملة فجأة مما أحدث فجوة كبيرة ما بين نسبة المطلوب والمعروض، مشيرا إلى أن هناك ارتفاعا جديدا متوقعا حدوثه خلال اﻷيام المقبلة.
ووصف "النحاس" انخفاض الدوﻻر أمام الجنيه في الفترة الماضية بأنه كان "وهم" خدعت به الحكومة الشركات المصرفية والتجار والمستثمرين من أجل جمع العملة من السوق بسعر منخفض وإثارة مخاوف حائزي الدوﻻر من انهياره من أجل إرغامهم على بيعه بسعر منخفض من جهة، ورفع قيمة اﻻحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، من جهة أخري.
وأشار إلى أن نوفمبر الماضي شهد إعلان المركزي أن الاحتياطي 19.6 مليار دولار، وفي الشهر ذاته أعلن عن اتفاق مبادلة الجنيه اليوان بقيمة 2.8 مليار دولار، ثم تم الحصول على الشريحة الأولى من قرض النقد الدولي بقيمة 2.7 مليار دولار.
وتم طرح سندات ببورصة أيرلندا بـ2 مليار دولار ثم حصلت مصر بعدها على على مليار دولار من البنك الدولي ونصف مليار من بنك التنمية الإفريقي، وبذلك كان يجب على المركزي إعلان أن الاحتياطي 28.5 مليار دولار في ديسمبر، ولكن أعلن أن الاحتياطي 24.256 مليار دولار فقط بنقص عما حصل عليه بأكثر من 4.25 مليار دولار.
وأكد " النحاس" أن هذا اﻻرتفاع يؤكد تدخل البنك المركزي بطريقة غير شرعية لرفع قيمة الجنيه، عبر المضاربات نحو ارتفاع الجنيه، موضحا أن هذا الأمر كوارثه أخطر من ارتفاع الدولار لأنه يؤدي إلى تبخر الأموال المفترض أنها لدعم الاحتياطي.
وتوقع النحاس ارتفاع الدولار مرة أخرى إلى 24 جنيها في الربع الرابع من العام الجاري، مع فتح تأشيرات العمرة واقتراب نفاد مخزون المواد الخام من شركات الأدوية واحتمالية توجه رجال الأعمال الذين لديهم مشكلة اعتمادات مستندية بقيمة 7 مليارات دولار وشراء المبالغ من السوق لسد مديونياتهم.
وأدى تحرير سعر الصرف إلى انخفاض قيمة الجنيه بواقع النصف تقريبا ليصل الدولار إلى قرابة 20 جنيها بحلول ديسمبر . لكن الجنيه ارتفع منتصف فبراير الماضي ليبلغ ما يقل قليلا عن 16 جنيها للدولار في ضوء تراجع الطلب على الدولار من أجل الاستيراد.
وتوقع بنك إتش إس بي سي HSCB انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ، لتسجل العملة الخضراء 18 جنيهاً بنهاية العام المالي الحالي 2016/2017 بشهر يونيو القادم، علي أن يكون متوسط سعر العملة الأمريكية خلال العام المالي الحالي 15.96 جنيهاً مصرياً.
وأضاف "البنك" أنه من الصعب تحديد القيمة العادلة للجنيه المصري لحاجة السوق للتكيف مع النظام الجديد بعد سنوات من الاختلال وأكد على عدم وضوع رؤية للنمو أو التضخم.
السوق السوداء
الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، اعتبر أنه من الطبيعى أن تعود السوق السوداء للدولار من جديد، لأن المستوردين لم يجدوا احتياجاتهم في البنوك، رغم تصريحات البنك المركزي بتوفيرها، مما اضطرهم للتعامل مع السوق السوداء، التي ستستمر في ظل السياسة الحالية.
وقال في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" إن انخفاض سعر الدولار كان لأسباب مؤقتة منها الإعلان عن زيادة النقد الأجنبي، ولكن مع عودة المستوردين للعمل واقتراب شهر رمضان سيرتفع سعر الدولار بشكل كبير.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه ربما نجد وصول الدولار إلى نحو 20 جنيها مجددًا، بسبب زيادة الطلب ونقص المعروض، بالإضافة إلى أننا مطالبون بسداد بعض القروض التي حصلنا عليها.
وأكد على أن تصريحات محافظ البنك المركزي عن أنه لا يتدخل في تحديد سعر الدولار في البنوك غير صحيحة.