مؤرخ سوري: الأسد أساء للعلويين .. والأكراد يريدون ابتلاع مناطق عربية

الدكتور عيسى حداد الباحث السوري المتخصص في الشأن التاريخي

اختلط الحابل بالنابل في المنطقة العربية، فبعد الربيع العربي أصبح كل طرف يطالب بحقوق تاريخية مختلف عليها يريد اقتطاعها اليوم، ما بين سعي أكراد العراق لضم مناطق كثيرة لإقليم كردستان ونظرائهم للحكم الذاتي في سوريا، وانفصال جبهة البوليساريو بالصحراء الغربية إلى ملفات أخرى شائكة، ولم يعد معروف من يمتلك ماذا ومنذ متى؟

 

"مصر العربية" العربية أجرت حوارا مع الدكتور عيسى حداد الباحث السوري المتخصص في الشأن التاريخي للمنطقة العربية، للتطرق للملفات الشائكة المتنازع عليها بين العرب والأقليات بها.

 

إلى نص الحوار..

 

 هل للأكراد حق تاريخي في إقامة دولة لهم في سوريا كما يطالب بعضهم؟  

الأكراد نوعان، الأول اندمج تاريخياً وثقافياً في النسيج السوري ومن بينهم عائلات عريقة في دمشق وغيرها من المدن والبلدات السورية، والثاني متجمهر في الشمال الشرقي من البلاد، من بينهم مجموعات كبيرة حضرت من تركيا بأساليب عديدة أبرزها عن طريق التسلل في زمن لم يكن للدولة السورية بعد حضور حقيقي في تلك المنطقة.

 

الظهور الفعلي للأكراد عبر التاريخ  حدث في ظل الحضارة العربية الإسلامية، وقد يكون لهم وجود سابق كقبائل في ظل الفرس، ولكن ما كان لهم من بروز لولا العرب، وكثير من الأكراد تصرفوا كعرب مثل صلاح الدين وغيره، الأمر نفسه كان مع باقي الأقليات، هذه السنة تكاد تكون تفردت بها الحضارة العربية الإسلامية.

 

وأسجل هنا أن الهوية العربية ثقافية تأسست عبر التاريخ ضمت قبائل وإثنيات عديدة انصهرت معا في ظل الثقافة العربية الإسلامية وحتى فيما قبلها، ومع الرصد التاريخي يظهر ملامح توتر بين بعض الأكراد ومكونات أخرى، أكثر منها مع العرب كالسريان والأرمن التركمان وغيرهم.

 

في المشكلة الكردية عامة ثمة مسألة تفرض ذاتها على المشهد لما لها من بعد إقليمي متعدد الاتجاهات، ولكن صلة سوريا بالأزمة الكردية أقل كثيرا من غيرها،  وليس من شأن سوريا تحمل وزر الإقليم كاملا.

 

الحل الموضوعي لأزمة الأكراد في سوريا يتلخص في تفعيل حق المواطنة، وإتاحة المجال لتنامي الثقافة الخاصة بهم ضمن بيئة وحدة الوطن كسائر المكونات، ولكن للأسف أصبح ظاهر للعيان دعوات الانفصال الكردية خفية كانت أو معلنة، وكلها  تأتي استغلالا للوهن السوري المتسبب من قبل نظام الأسد فبلدنا باتت الضحية من الجميع.

 

يقال إن الأكراد في سوريا ليسوا أغلبية في مناطقهم ما صحة ذلك؟  

نعم ليسوا أغلبية هم أقلية نشطة بسبب الدعم الأجنبي فضلا ًعن هشاشة الحدود بين تركيا وسوريا والعراق، ولأكراد إيران دور في هذا المضمار، فأغلب المسلحين قادمون من وراء الحدود.

 

والملفت اشتراك الحركة الشوفينية الكردية مع العنصرية الصهيونية بمنطلق خطير ينكر على العرب حقائق التاريخ والجغرافية، والظاهر في الأمر هو توافق تلك الشوفينيبة  مع المخططات الأجنبية المعادية ضد العرب.

 

 هناك خلاف كبير حول عين العرب كوباني  فلمن الأحقية عليها للأكراد أم العرب؟  

ثمة مزيج في عين العرب ربما يوجد حضور تركماني تعرّب لا أعرف النسب تحديدا، ومن جانب آخر عين العرب ليست جزيرة في بحر، هي جزء من  محيط وتاريخ وجغرافية لا يسمح باقتلاعها من وسطها وجغرافيتها.

 

 في أمريكا ذاتها ثمة أقليات تشكل مدنا خاصة بها، هل يحق لها تشكيل دول خارج بلدها، وفي كل مكان في العالم يوجد مثل هذه الظاهرة.

 

 

    ما حجم الطائفة العلوية في سوريا مقارنة بكل الامتيازات التي حصلوا عليها في حقبة الأسد الأب والابن؟  

 الإحصائيات عديدة بعضها يذهب للتضخيم والآخر للتقليل، ولكن المتوسط أنهم قرابة الـ 10 في المائة من الشعب السوري، وفي واقع الأمر أن هذا النظام أساء للعلويين قبل غيرهم بوضعهم فوق الآخرين، في بلد كان يعتبر نموذجا للتعايش بين الطوائف، وكان يتجه حثيثا نحو نظام المواطنة، ما أساء للقضية الوطنية برمتها.

 

 

تردد أن إيران أصرت على إسقاط حلب بيدها لاعتبارات طائفية، تتعلق بفترة حكم الحمدانيين قديما للمدينة.. هل تحدثنا أكثر حول هذا الأمر؟  

يروى أن الحمدانيين كانوا ينتسبون للعلويين أو الشيعة، لكنهم تصرفوا كعرب لا كفرس، ربما المتنبي قرمطي الهوى، ولكنه كان عربي الوجه واللسان شعرا وموقفا صريحا لا لبس فيه، فضلا عن كون الحمدانيون مثلوا القبيلة الحاكمة لمدينة ومنطقة عربية وسنية.

 

فلا يوجد ما يبرر لإيران فعلتها  فعلي بن أبي طالب عربي النسب والموقف واعتبره السني الأول ربما قبل عمر، ولم يكن شيعيا، ولم يسعَ لتشكيل حزب ولا أن يتأله، ما يدل على ذلك قبوله للتحكيم، وخلافه مع معاوية محض سياسة.

 

  ديار بكر في جنوب شرق تركيا هي الأخرى محل جدل كبير، بحكم التاريخ لمن تبيعتها الأتراك أم السوريين؟  

ديار بكر وماردين والرها في تركيا وما حولها سورية الانتماء تاريخيا وسكانا، وحتى كانت جزءا من مشروع الدولة العربية في ظل الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين، بيد أن تلك المنطقة قد تعرضت لتغيير ديموغرافي، على يد الترك والكرد ومازال في دمشق من يحمل اسم مارديني أي من ماردين.

 

 

إذا انتقلنا للعراق .. يسعى الأكراد لضم مناطق في ديالى والموصل وكركوك لإقليم كردستان .. هل لهم حق في ذلك؟  

الموصل عربية ديموغرافيا وتاريخا، فيها أقليات آشورية وغيرها، وكركوك بها أكثرية عربية وتركمانية وأقليات أخرى، ولا يحق لهم ضمها، والأخطر من ذلك أن  الحركة الكردية تريد ضم شمال سوريا وطرد العرب وغير العرب من تلك المناطق،  لا يوجد  بلد في العالم لا يوجد فيه أقليات ولا سيما في فضاء بحجم الفضاء العربي.

 

للأسف يبرز للسطح مشاريع خطيرة  كردية وفارسية وتركية وصهيونية ما يجعل المنطقة عرضة للنهب، ولا يستبعد أن يحمل ذلك خطرا على أصحاب تلك المشاريع أنفسهم وأقوامهم فهم أنفسهم عرضة للتفكيك وما يسعون له قد يعمم على الجميع على يد الأقطاب الكبرى.

 

   وعن مشكلة الصحراء الغربية في المغرب هل ترى للبليساريو حق في المطالبة باستقلالها؟ وكيف تحل المشكلة بين المغرب والجبهة من وجهة نظرك؟  

لعل الأمر يعود لتقسيمات استعمارية سابقة تركت آثارها على المزاج السكاني المحلي الصحراوي، والحل المرحلي يكمن بإعطاء حكم ذاتي في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، مع توجه أولي لقيام نظام مغاربي عربي كخطوة لقيام اتحاد عربي ديمقراطي شامل يصون حق أناس المنطقة بمكوناتهم المتعددة يؤسس لحياة حرة يسودها العدل والرفاهية والكرامة للجميع.

 

 

البعض يتخوف من انقسام اليمن لدولتين وليبيا لثلاث اذا استمر الصراع أطول من ذلك .. من دراستك للتاريخ وتحليلك هل هذا متوقع للدولتين؟  

في ظل النكوص يظهر التشظي كعدوى، كل شيء ممكن، والانقسام مرض كالسرطان، يبدأ من بؤرة ثم يتعمم.

 

الأمر لو حدث لن يكون إلا مؤقتا وعابرا؛ لكون المنطقة العربية لا يمكن أن تحقق ذاتها من دون مشروع حضاري عصري مشترك، يحقق لإنسان المنطقة العدل والحرية والكرامة..

 

 

في النهاية  ما توقعاتك للأزمة السورية في الفترة المقبلة؟  

أرى أن المشهد السوري يحمل في ذاته كل الاحتمالات في القريب، السلبي فيه أكثر من الإيجابي، بيد أن ذلك لن يكون إلا مؤقتا، حتى لو طال شأن هذا المؤقت، فللتاريخ والجغرافية إرادة.

مقالات متعلقة