"تحية العروبة والوطن والتحرير، أما بعد إن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أني قد مِتُ، وقد صعدت الروح إلى خالقها، لكَمْ من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها، لطالما حيرتني مختصرة سريعة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة" .. كانت هذه أبرز ما جاء في وصية الشهيد الفلسطيني باسل الأعرج..
"أنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني، وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد؟ كان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهورٍ طويلة، إلا أن ما أقعدني سؤالكم أنتم الأحياء، فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم، أما نحن ــ أهل القبور ــ فلا نبحث إلا عن رحمة الله".
بعد مسيرة حافلة بالمقاومة والمظاهرات والكتابات الداعية لمقاطعة الكيان الصهيوني، اغتالت قوات الاحتلال الاسرائيلي، فجر الاثنين الماضي، الناشط والمدون الفلسطيني باسل الأعرج، بعد أن اقتحمت منزله في برام الله.
ولد باسل الأعرج (33 عاما) في قرية الولجة قرب بيت لحم بالضفة الغربية ودرس الصيدلة في القاهرة، وعمل في مجاله مخيم "شعفاط" في مدينة القدس لمدة قصيرة.
حياة الأعرج
واشتهر الأعرج بمقالاته الداعمة للمقاومة الفلسطينية والداعية لمقاطعة جميع أشكال الحياة معه في فلسطين وخارجها، ونشاطه في الحلقات التثقيفية، والتصدر للمظاهرات والجولات الميدانية الداعمة لمقاطعة الاحتلال، التي تعرض خلالها للعدد من الاعتقالات من قبل السلطات الإسرائيلية. ومن أبرز الفعاليات التي سطع فيها نجم الأعرج المظاهرات الاحتجاجية على زيارة كانت مقررة لوزير الأمن الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز خلال عام 2012 إلى الضفة الغربية، وتعرض للضرب آنذاك على يد سلطات الاحتلال.
وتمتع الأعرج بثقافة واسعة جعلته يعمل على مشروع لتوثيق مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولا للاحتلال الإسرائيلي، من خلال تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات شبابية متنوعة للتعريف بها على أرض الواقع.
كما حرص الأعرج على تنظيم ندوات تثقيفية في عدد من محافظات الضفة الغربية، كما نشط في "دائرة سليمان الحلبي" التي كانت تنظم محاضرات وطنية وتاريخية، وتناقش مواضيع تخص الفكر المقاوم. كذلك كان يحرص على أن يكتب باستمرار في عدة مواقع فلسطينية عدداً من المقالات المتنوعة، التي تتمحور حول مواجهة الاحتلال وأمن المقاوم، ومن بينها مقالة تعكس شخصيته المثقفة كباحث ومؤرخٍ، تحت عنون"عش نيصاً... وقاتل كالبرغوث".
ومن أهم التدوينات المسجلة للأعرج حديثه عن حرب العصابات بوصفها قاطع طرق بمشروع سياسي، إضافة للمراحل التي مرت بها ثورة 1936، وفي كتيبة الجيش العراقي التي قاتلت في فلسطين عام 1948، ونموذج ريف مدينة جنين في المقاومة قديما وحديثا، وأهم عمليات المقاومة الحديثة عام 2002 في واد النصارى بمدينة الخليل.
الاختفاء والاعتقال
بدأت قصة مطارده الأعرج، عقب اختفائه مع عدد من أصدقائه في أواخر مارس عام 2016 لعدة أسابيع، واصلت خلالها قوات الاحتلال خلال أشهر اختفاء الأعرج، اقتحامها لمنزل عائلته والتنكيل بها بصورة متكررة، ليتم بعد ذلك اعتقالهم، واتهم الشباب المعتقلون بالنية والإعداد لتنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال.
وقررت محكمة إسرائيلية إطلاق سراحهم في التاسع من سبتمبر الماضي، عقب إضراب عن الطعام نفذه الشبان احتجاجا على اعتقالهم دون تهمة، فيما قام قوات الاحتلال باعتقال الشبان تباعا باستثناء الأعرج الذي بقي متواريا عن الأنظار.
الاغتيال
خلال تلك الفترة كان هناك عدة اقتحامات قامت بها قوات الاحتلال لمنزل عائلة الأعرج بحثا عنه، وهددتهم عائلته لإجباره على تسليم نفسه، إلى أن حاصرته قوات الاحتلال فجراً في منزل بمحيط مخيم "قدورة" واشتبك معهم لساعتين وأطلقوا على المنزل قذيفة من نوعه "أنيرجا" أدت إلى تدمير أجزاء من المنزل، واقتحمت القوات المنزل ليطلقوا عليه وابلا من الرصاص عن قرب بعد انتهاء الذخيرة التي بحوزته. ورفض الاحتلال تسليم جثمان الأعرج، وأبلغت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية العائلة، بأن سلطات الاحتلال تشترط للإفراج عن جثمانه، أن تقوم العائلة بنقل بيت عزائه من مكانه في قرية الولجة حيث تقطن عائلته إلى منطقة أخرى، كون الولجة تقع قرب المستوطنات.