القصة الكاملة| وزير مبارك يُشعل «انتفاضة الخبز» بالمحافظات

مواطنون يقطعون الطريق اعتراضا على سياسة وزير التموين

على مدار أربعة شهور كاملة منذ تعويم الجنيه، تحمّل المصريون صعابًا جمة مع ارتفاع غير مسبوق لكافة أسعار السلع الغذائية والخدمات، واستمعوا لنصيحة الرئيس عبدالفتاح السيسي بـ"الصبر" والمثابرة مع وعد بعدم المساس برغيف الخبز.

 

لكن مع فشل المواطنين في الحصول على حصتهم بالخبز يبدو أن صبر المصريين قد نفد، فنزل آلاف في تظاهرات بعدة محافظات ما أعاد للأذهان انتفاضة 1977 ضد الرئيس أنور السادات و2008 ضد الوزير الحالي علي المصيلحي.

 

فبعد 6 سنوات على رحيله من حقبة التموين والتضامن بعد سقوط نظام  الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد اندلاع ثورة 25 يناير2011 ، عاد الدكتور على المصيلحي وزيرً ا للتموين مرة أخرى في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.

 

وشهدت فترة مصيلحي الأولى أكبر وأشد أزمات الخبز، سقط خلالها العشرات ما بين قتيل وجريح، أطلقت عليهم وسائل الإعلام "شهداء الخبز"، في مشاجرات بين المواطنين الذين نال منهم الإعياء مبلغه من طول الوقوف في الطوابير التي كان يصل طولها أحيانا إلى عشرات الأمتار.

ووصلت حدة الأزمة في عهد المصيلحي لدرجة دفعت الرئيس الأسبق، حسني مبارك، إلى مخاطبة جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة،‏ ووزارة الداخلية،‏ في مارس 2008 للتدخل في مجال إنتاج الخبز لسد حاجات المواطنين.‏

 

المشهد  السابق الذي وقع  فيه ضحايا تم تسميتهم  بـ "شهداء الخبز"، عاد للأذهان بعد ما قام به المواطنون، منذ أمس الإثنين وزادت وتيرته، اليوم الثلاثاء، بالمحافظات من قطع للطرق وشق النساء ملابسهن في الشوارع  بسبب تخفيض حصة الكارت الذهبى الموجود لدى المخابز والذي من خلاله يتم صرف الخبز لغير حاملي بطاقات التموين.

 

 

 البداية

جاءت البداية مع إعلان وزير التموين والتجارة الداخلية في أول يوم عمل داخل الوزارة ضرروة إعادة النظر في منظومة الدعم المقدم للمواطنين في الفترة الراهنة، قائلا: "من الضرورى فك الاشتباك بين منظومة الخبز والسلع فيما يتعلق بفارق نقاط الخبز ، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في تنقية بطاقات التموين لحذف غير المستحقين.

 

تنقية بطاقات التموين، جاءت بشكل عشوائي في الفترة الحالية ورغم إسنادها إلى وزارة الإنتاج الحربي، إلا أنه حتى الآن لا توجد معايير محددة من جانب الحكومة لحذف غير المستحقين من قاعدة البيانات، وما تم الإعلان عنه حاليا هو أنه تم حذف مليون و200 ألف فرد من بطاقات التموين ما بين مسافر أو متوفٍ أو مكرر على قاعدة التموين.

 

 أسباب المظاهرات

 

قرار وزير التموين، الدكتور علي المصيلحي، بوقف العمل بالبطاقات الورقية وتخفيض عدد أرغفة الكارت الذهبي لأصحاب المخابز  لـ 500 رغيف يوميا  (بدلا من 1500)  تسبب في حدوث مشاجرات بين العديد من المواطنين وأصحاب المخابز في المحافظات واتهام " المخابز " بالامتناع عن تسليم المواطنين الحصص اليومية للخبز .

 

وأوضح بعض الأهالي أنه تم تخفيض حصة البطاقات التالفة من 20 رغيفا إلى 10 أرغفة وحصة الـ 15 رغيف إلى 5 أرغفة فقط.

 

 

شائعات

ونشرت وسائل إعلام عزم وزارة التموين والتجارة الداخلية تخفيض حصة المواطنين من الخبز لتصل إلي 3 أرغفة مقابل 5 أرغفة".

 

التموين تنفي

نفى محمد سويد، مستشار وزير التموين، تخفيض حصة المواطنين من الخبز المدعم التي يتم صرفها، مؤكدًا أن حصة المواطن من الخبز المقررة 5 أرغفة يوميًا كما هي ولم تتغير، كما أن سعر الرغيف المدعم بـ 5 قروش ولم تتم زيادته.

 

وأوضح سويد أن الهدف من خفض وتوحيد حصص الكارت الذهبي لـ 500 رغيف يوميًا هو الحفاظ على المال العام وحق المواطن في الدعم ومنع بيع الخبز المدعم في السوق السوداء.

 

 

 رد فعل المواطنين

اندلعت تظاهرات من جانب المواطنين حاملي البطاقات الورقية في عدة محافظات على رأسها المنيا والإسكندرية وكفر الشيخ وأسيوط، خاصة بعد تخفيض حصة المخابز  لـ 500 رغيف على الكارت الذهبي وانخفاض الكميات المقدمة للمواطنين  ما جعل بعضهم يقوم بقطع الطرق والتجمهر أمام مكاتب التموين احتجاجا على القرار بالإضافة إلى قيام بعض النساء المشاركات في المظاهرات بشق ملابسهن.

 

وقال المواطنون إن أصحاب المخابز قاموا بتخفيض الحصة اليومية من الخبز بعد قرار وزير التموين بوقف العمل بنظام البطاقات الورقية لتنخفض الحصة لنصف الكمية مقارنة بما قبل تولي وزير التموين  على مصيلحي.

 

هتافات ضد قرار الوزير

 

وفي محافظة المنيا، خرج المئات من الأهالي، مرددين هتافات “عايزين عيش، عايزين عيش”.

 

وتجمهر  المئات من أهالي مدينة أسيوط أمام مكاتب التموين، ونتج عن الاحتجاجات حالة من الهرج والمرج، وتدخلت الشرطة لفض هذه الاحتجاجات.

 

وفي محافظة كفر الشيخ، قام الأهالي بقطع طريق شارع الجيش من أمام مجلس مدينة دسوق، ومنعوا مرور السيارات القادمة من اتجاه الموقف العمومي، ورفضوا إعادة فتح الطريق مرة أخرى، مرددين هتافات “الصحافة فين الغلابة أهم ..و”واحد اتنين رغيف العيش فين”، و”العيش العيش ..الحكومة فين”.

 

ومن ناحيته، أعلن عصام البديوي محافظ المنيا أن وزارة التموين أنهت إجراءات إصدار 54 ألف بطاقة من إجمالي 74 ألف بطاقة للمواطنين الذين فقدوا بطاقاتهم التموينية، وتم تخفيض حصص الخبز الخاصة بهم، وسيتم تسليم البطاقات خلال الأسبوع الجاري من خلال مديرية التموين بالمنيا.

 

 المظاهرات الحالية لم تكن الأولي للدكتور على المصيلحي، حيث شهد أثناء توليه حقبة التموين في عهد مبارك وقوع "شهداء الخبز في مصر"،  حيث شهد عهده أكبر وأشد أزمات الخبز، سقط خلالها العشرات ما بين قتيل وجريح، أطلقت عليهم وسائل الإعلام "شهداء الخبز"، في مشاجرات بين المواطنين الذين نال منهم الإعياء مبلغه من طول وقوفهم في الطوابير التي كان يصل طولها أحيانا إلى عشرات الأمتار.

 

 

 سبب التخفيض

 

 وكشف مصدر مسؤول بوزارة التموين والتجارة الداخلية أن الهدف من تخفيض كميات الخبز  داخل الكارت الذكي معالجة التشوهات الموجودة في منظومة الخبز، موضحا أن الهدف منه معرفة المستحقين للدعم من عدمه.

 

وأضاف فى تصريحات لـ "مصر العربية" أن  هناك اشتباكا بين منظومة الخبز والسلع التموينية وفي ظل الاشتباك الموجود حاليا لن تستطيع الوزارة معرفة قيمة الأموال الموفرة من الدعم.

 

وأكد أن بناء قاعدة جديدة من مستحقي الدعم يتطلب وقف كل الثغرات الموجودة في النظام القديم، سواء كان كارت ذهبي أو غيره، لمعالجة منظومتى السلع والخبز .

 

 الكارت الذهبي

وقال عطية حماد، رئيس شعبة المخابز في غرفة القاهرة التجارية، إن  وزير التموين قام بتخفيض أعداد أرغفة الخبز على نظام الكارت الذهبي الموجود لدى المخابز ما أدى إلى قيام المواطنين بالتجمهر في عدد من المحافظات أمام اﻷفران.

 

 وأضاف فى تصريحات لـ "مصر العربية" أن عددا من المتجمهرين أمام الأفران حاليا معظمهم لديهم بطاقات تموين ويستغلون الكارت الذهبي في صرف الخبز دون بطاقة لتوفير  حصصهم للاستفادة منها في صرف فارق نقاط الخبز.

 

وأشار إلى أن  من حق صاحب المخبز الامتناع عن صرف الخبز  للمواطنين غير حاملي بطاقات التموين، قائلا:" صاحب المخبز حر.  بعض المواطنين بيكون عنده بطاقة ويجي يأخد العيش من غيرها".

 

 مشاكل بطاقات التموين

وانتقد عبد الرحمن عمر، رئيس شعبة المخابز بالمنيا، قرار الوزير الخاصة بخفض حصة الكارت الخبز الذهبي ، قائلا:" في ملايين المواطنين في مصر عندهم مشاكل في بطاقات التموين والناس معظمها بتصرف من خلال الكارت الذهبي الموجود عندنا".

 

وأضاف فى تصريحات لـ "مصر العربية" أنه تم تخفيض الكميات المقدمة للمواطنين ما أدى لحدوث اشتباكات بين المخابز والمواطنين، موضحا أن تخفيض الكمية المقدمة من جانب المخابز للمواطنين غير حاملي بطاقات التموين جاء بسبب خفض حصة الكارت الذهبي للمخابز .

 

 سياسة وزير التموين

 

قال نادر نور الدين، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، إن وزير التموين الجديد علي المصيلحي، لا يهتم بمصلحة المواطن على قدر ما يهتم بـ "مصلحة الدولة".

 

وكتب "نور الدين" عبر حسابه الشخصي على موقع "فيس بوك": "علي المصيلحي. كعادته يريد أن يثبت أنه يعمل لصالح الدولة فقط".

 

وتابع نور الدين: "أعمل لصالح المواطن وهذا لصالح الدولة، فالحقوق المكتسبة من الصعب المساس بها حاليًا في ظل نكسة التهاب الأسعار والتي تتركها، وكأنها لا تعنيك وتهتم بتقليص مخصصات دعم الغذاء!! دعم الغذاء هو آخر  ما يمس من الدعم".

 

 

طلب إحاطة بالبرلمان

رفض النائب محمد العقاد، قرار وزارة التموين، بتعديل الكارت الذهبي بالمخابز البلدية المدعمة بكافة المحافظات ليصبح 500 رغيفًا يوميًا كحد أقصى.

 

وحذر النائب في بيان اليوم، من موجة الغضب التي بدأت تنتشر في ربوع محافظات مصر، بسبب هذا القرار، مطالباً وزارة التموين بسرعة التدخل لإنهاء الأزمة قبل تفاقهما، حرصا علي مصلحة المواطنين، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية للشعب المصري لا تتحمل مثل هذا القرار في الوقت الراهن.

 

وقال العقاد إنه سيتقدم بطلب إحاطة إلي الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، خوفاً من استمرار حالات الغضب الشعبي.

 

 

انتفاضة 1977

ويملك المصريون تاريخا حافلا مع التظاهرات من أجل الخبز، الذي يعد بمثابة "خط الدفاع" الأخير لدى البسطاء ومحدودي الدخل قبل السقوط في "الجوع الكافر".

 

وفي 18 و19 يناير 1977 اندلعت انتفاضة شعبية في طول البلاد وعرضها، إثر قرار الرئيس الراحل أنور السادات برفع الدعم عن عدة سلع غذائية، كان على رأسها الخبز، وهو ما تسبب في تضاعف أسعارها.

 

ورغم أن السادات كان "صانع" انتصار العبور، إلا أن نداء البطون الجائعة وقسوة الجيوب الخاوية كان أشد وطأة، وسقطت أمامه أي انجازات سابقة لـ "بطل العبور".

 

وتطورات تلك التظاهرات، خاصة مع انضمام عمال المصانع إليها، إلى أعمال عنف وتخريب، ما دفع الرئيس السادات إلى طلب تدخل قوات الجيش، التي نزلت إلى الشوارع لإحتواء الغضب الشعبي العارم، لكنها اشترطت قبل النزول أن يتراجع السادات عن قرار زيادة الأسعار، وبالفعل رضخ الرئيس للأمر، وهو ما سهل مهمة عناصر الجيش الذين انتشروا في شوارع القاهرة.

 

وأطلق الرئيس السادات على تلك التظاهرات اسم "ثورة الحرامية" وخرج الإعلام الرسمي يتحدث عن "مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات وقلب نظام الحكم" وتم القبض على عدد كبير من النشطاء السياسيين، خاصة من اليساريين، قبل أن يصدر القضاء حكما تاريخيا بتبرئتهم، مؤكدا على الطبيعة العفوية والعادلة لتلك التظاهرات. ورسخت تلك التظاهرات في الوجدان الوطني والشعبي تحت اسم "انتفاضة الخبز".

مقالات متعلقة