شنت جمعيات وشخصيات إسرائيلية ويهودية مقيمة في بكين، حملة واسعة، استمرت شهرين متتاليين، عقب اكتشاف أحد المسافرين الإسرائيليين اليهود فجأة وجود “ركن للصلاة” فى “مطار بكين الدولى” دون إشارة سلطات المطار الصينية لنوعية الصلاة المقامة عليه، وهل هي تخص المسلمين أم المسيحيين أم اليهود؟
بدأت الحملة من قبل مواطنيين إسرائيليين ويهود مقيمين فى بكين بشأن، متسائلين: هل يمكن لليهود الصلاة بجوار المسلمين فى ركن الصلاة فى مطار بكين الدولى؟ وهل هناك عوائق لذلك مادامت السلطات الصينية لم تحدد صراحةً الفئات المستهدفة بالصلاة؟ وبدأ الإسرائيليون واليهود المقيمون فى بكين وعموم الصين بنشر وعرض تلك الصور الخاصة – التى التقطوها بعناية ودقة بالغة – بركن الصلاة في مطار بكين الدولى لتوضيح وجهة نظرهم.
إصرار يهودي
الباحثة المصرية المتخصصة فى الشأن اليهودى والإسرائيلي فى الصين الدكتورة نادية حلمي قالت إنها تابعت تلك الحملة باهتمام شديد، ولفت نظرها أنها متصاعدة وبها نوع من الإصرار من قبل جهات يهودية لخلق نوع من الحرج ضد المسلمين، بسبب توقعات رفض المسلمين لهذا الأمر، لأسباب شرعية.
لهذا، اختارت الباحثة أن تطرق الأمر من منظور شرعي بالفعل لمعرفة الرأي من المختصين بالعلوم الشرعية، لا سيما بعد أن سألها صينيون ويهود منظمون للحملة عن رأيها الشخصي في مسألة صلاة اليهودي بجوار المسلم، أو من يخالف المسلم في الديانة، في مكان واحد، لكنها اعتبرت أنها لن تكون رأيًا حتى تستشير المتخصصين في الفقه.
كان تحمس الباحثة المصرية كبيرا للبدء فى القراءة حول هذا الموضوع الشائك، بإمكانية وجواز صلاة المسلمين مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى – وعلى رأسهم اليهود – فى مكان واحد وركن واحد للصلاة يجمعهم.
استطلاع رأي
بدأت “حلمي” في سؤال كل من تعرفهم بصراحة: هل تقبل كمسلم الصلاة بجوار يهودي فى مكان واحد؟ مع شرح مغزى السؤال حتى لا يكون غريبًا، وجاءت الإجابات متفاوتة بين الرفض القاطع، والتأييد على استحياء، وهناك طرف أخذ الموضوع بشكل بسيط، قائلاً إنّه لو كان يصلي في هذا الركن وجاء يهودي ووقف بحواره ليصلي صلاة اليهود، فإنه كمسلم سيكمل صلاته ولن يقطعها.
هناك من أخبر الدكتورة نادية برأي آخر قائم على حقيقة مفادها أن الجنود الأمريكيين الذين يقومون بمهمات عسكرية في الخارج، تخصص لهم وزارة الدفاع الأمريكية “ركن” للصلاة والتعبد يتشارك فيه الجميع، بغض النظر عن الديانة.
فتاوى فقهية
هنا قررت الباحثة المصرية أن تنقل السؤال للمختصين مباشرة، في هذا الإطار تقول إنها طرحته بداية على صديق لها يعمل مدرسًا للعلوم الفقهي والشرعية بمعهد أزهري في مدينة الزقازيق المصرية، فأكّد لها عدم جواز الأمر، لأنّ المكان سيكون به نجاسة وغير طاهر من الناحية الدينية والشرعية والفقهية، وبالتالي فلا تجوز صلاة المسلم مع غير المسلم بما فيهم اليهودى بالطبع.
بمزيد من البحث في الموضوع، وجدت د. نادية الفتوى رقم (2712) الصادرة من دار الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 15 أكتوبر 2012، تحت تصنيف “الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“، ونوع الفتوى بحثية باعتبارها تدخل ضمن المسائل والأمور البحثية الفقهية والشرعية، كانت الفتوى المشار إليها من قبل أحد المسلمين الذى توجه لدار الافتاء فى الأردن بسؤال: صلينا العيد في أحد الأماكن، وكان قد شاركَنا في هذه الصلاة أشخاص غير مسلمين، فهل تجوز صلاة غير المسلمين معنا؟
وجاءت إجابة دار الافتاء الأردنية – تتركها الباحثة للقراءة بلا أدنى تعديل من جانبها- كالآتى: “لا حرج عليكم في صلاة غير المسلمين معكم، ولا يجوز لكم الإنكار عليهم، بل الواجب تشجيعهم وتقريبهم إلى الإسلام والمسلمين؛ لعل ذلك يكون سبباً في هدايتهم.
ومع ذلك فصلاة غير المسلم غير صحيحة؛ لأن من شروط صحة الصلاة أن يكون المصلي مسلماً، ولذا فلا تُقبل الصلاة من غير المسلم. ولكن ذلك لا يعني منعكم لهم من إقامة الصلاة معكم، خاصة أن بعض هؤلاء قد يكونون من المسلمين الذين لم يعلنوا إسلامهم، فإن كانوا كذلك فصلاتهم صحيحة يؤجرون عليها”.
فى السياق ذاته، وجدت الباحثة فتوى أخرى صادرة عن مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية تحمل ذات المغزى والمعنى بشأن جواز صلاة المسلم مع الكافر أو غير المسلم عموماً – المجلد السابع عشر – من فتاوى (العقيدة) تحت تصنيف: فتاوى وأحكام، بتاريخ 10 ذو القعدة 1427 هجرياً، أو بتاريخ الأول من ديسمبر 2006 ميلادياً.
كان السؤال المطروح على لجنة الإفتاء السعودية تحديداً: ما حكم دخول غير المسلم مسجداً أو مصلى للمسلمين سواء لحضور الصلاة أو للاستماع إلى محاضرة؟
وجاءت إجابة دار الإفتاء السعودية صريحة وصارمة – بلا أى تعديل من قبل الباحثة – بأنه “حرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما حوله من الحرم كله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا)… الآية (28) من سورة التوبة، أما غيره من المساجد فقال بعض الفقهاء: يجوز؛ لعدم وجود ما يدل على منعه، وقال بعضهم: لا يجوز قياساً على المسجد الحرام، والصواب: جوازه لمصلحة شرعية، ولحاجة تدعو إلى ذلك كسماع ما قد يدعوه للدخول في الإسلام، أو حاجته إلى الشرب من ماء في المسجد”.
لماذا الآن؟
بعد هذا الاستعراض تساءلت الباحثة: هل اختيار التوقيت الآن لبدء هذه الحملة اليهودية فى الصين لصلاة المسلمين معهم فى مطار بكين الدولى هو اختيار ينمّ عن مغزى وتحليل سياسى أم مجرد مسألة فقهية وشرعية ودينية بحتة؟ وهل ستقبل السلطات الصينية صراحةً أن يصلي الجميع بجوار الجميع مع احتمالية أن يسبب ذلك أي مشاكل أو صدامات ما؟ وأخيراً، هل سينجح اليهود فى الصين فى حملتهم ولفت الأنظار إليهم أم أن حملتهم ستظل مقصورة داخل جدران الصين فقط؟
وتختتم د. نادية حلمي بالقول: “هل بكتابتى لهذا التقرير أكون قد أثرت نقطة خلافية جديدة بين المسلمين وغيرهم، أم أطلقت صيحة تحذيرية بشأن كيف يفكر العالم من حولنا ونحن غافلون؟”.