الأزمة أكبر من الزواج والطلاق

عبد الناصر سلامة

كلما كان هناك حديث عن المرأة، أو حقوق المرأة، أو اليوم العالمى للمرأة، أو حتى مؤتمرات وندوات بشأن المرأة، تتفتق الأذهان فوراً عن الزواج والطلاق، حقوق المتزوجة، حقوق المطلقة، الحضانة وقائمة المنقولات، حقوق الأولاد، حقوق الأمهات، مقدار النفقة والمتعة وشكل السكن، الخُلع وما أدراك ما الخُلع، العصمة وما أدراك ما العصمة، التعدد وما أدراك ما التعدد، ثم كان ما كان من الطلاق الشفوى، وكيفية إثباته، الطلاق التحريرى وكيفية وقوعه، إلى غير ذلك من ملايين القضايا التى تضج به محاكم الأسرة وغيرها من المحاكم على مدار العام.

إلا أننى توقفت قبل ساعات أمام خبر من النوع المؤلم والمحزن والمبكى فى الوقت نفسه، أرى أنه الأجدر والأَولى بكل مناقشات هذا العام، حول قضية المرأة بصفة عامة، وربما المجتمع ككل، جاء به نصاً على لسان مُسِنَّة ضريرة تبلغ من العمر ٧٠ عاماً: (ابنتى ركبتنى القطار، وسابتنى علشان ولادها مش عايزينى).. بهذه الكلمات لخصت بخيتة محمد مأساتها، أثناء تواجدها بمستشفى السويس العام، مؤكدة أنه ليس لديها مكان تعيش فيه، بعد قيام ابنتها الوحيدة بالتخلص منها، تلقت بخيتة العلاج بالمستشفى بعدما نقلها مواطنون منذ فترة، حتى أصدر المستشفى تصريحاً بخروجها، ولكنها لا تجد مكاناً تذهب إليه بعد رفض دار للمسنين بالسويس استقبالها.

  أضافت السيدة الضريرة: كنت أعيش منذ أشهر فى دار للمسنين بالسويس، وجاءت ابنتى وأخرجتنى لأعيش معها فى منزلها بالقاهرة، إلا أن زوجها وأبناءها عاملونى معاملة سيئة، وطلبوا من ابنتى التخلص منى، اصطحبتنى إلى محطة القطار فى القاهرة، وتركتنى داخل القطار، وأنا كفيفة، حتى وصلت السويس، ولم أشعر بشىء، إلا وأنا فى المستشفى، كل ما أريده فقط أن أموت بدون مهانة، ليس لدىّ مكان أعيش فيه، بعدما تخلى عنى الجميع، وتخلصت منى ابنتى.

انتهى كلام السيدة الضريرة، إلا أن كلام المؤتمرات والندوات والمسؤولين والمُنظّرين يجب أن يبدأ فوراً، يجب أن يبدأ ببحث حالة بخيتة، وكل من على شاكلتها، من رجال ونساء غدر بهم الزمن، إلى الحد الذى لا يجدون فيه مكاناً يأويهم، ما بالنا إذا كانوا مرضى، إذا كانوا من ذوى العاهات، إذا كانوا من ذوى القدرات الخاصة، لا يجب أن يتوقف أمر دور المسنين على من لديهم القدرة على تسديد مبالغ شهرية، وإلا فما معنى وجود وزارة للتضامن الاجتماعى، أو الشؤون الاجتماعية، أو جمعيات خيرية، أو بيوت الزكاة، أو جمعيات أهلية، أو وزارة أوقاف لديها ما لديها من أموال طائلة، أو حتى احتياطى نقدى خاص بالدولة المصرية.

تذكرتُ مع هذه المأساة موقفاً للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، قبل عدة أسابيع، وهو يتجول بإحدى المناطق النائية فى بلاده، فوجد سيدة مُسنّة تعيش وحدها بأحد البيوت المتهالكة، فأمر على الفور ببناء منزل يليق بها خلال شهرين من تاريخه، ليس ذلك فقط، بل أصدر أمراً لرئيس الوزراء كالتالى: حصر كل البيوت المتهالكة، فى أرجاء تركيا، والتى لا يستطيع أصحابها إعادة تجديدها، على أن تقوم الدولة التركية بإعادة تشييدها من جديد خلال عامين من تاريخه، منوهاً بأنه سوف يعاود المرور على مثل هذه المناطق فى نهاية العامين، ثم علّق قائلاً، وهو التعليق الذى توقفتُ أمامه: (ما معنى أن يكون لدينا احتياطى نقدى كبير فى البنوك، وفِى الوقت نفسه لدينا بيوت بهذه الحالة المزرية؟).

أعتقد أن سياسة الأولويات فى بلادنا هى الأكثر إهداراً، هذا هو المشروع القومى الذى يجب أن نتبناه على الفور، أن يكون الغذاء فى متناول الجميع، أن يكون السكن فى متناول الجميع، أن يكون التعليم فى متناول الجميع، أن يكون العلاج فى متناول الجميع، باختصار: الحياة الكريمة للجميع، لكبار السن قبل غيرهم، للمعاقين قبل غيرهم، للمرأة قبل الرجل، للطفل قبل الشاب، لن يتأتى ولن يتحقق ذلك بدون تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، ومعاشات ضمان اجتماعى تتناسب مع حالة الغلاء والتضخم التى يعيشها المجتمع.

هذه القضية أيضاً يجب أن تفتح ملف المعاشات بصفة عامة، ذلك أنه لم يعد مقبولاً أبداً تلك المعاشات التى يتقاضاها أى رجل أو أى امرأة فى نهاية حياة وظيفية استمرت فى معظم الأحيان ما يزيد على ٣٥ أو ٤٠ عاما، كما لم يعد مقبولاً رفع معاشات فئات بعينها، كجزء من سياسات احتواء، دون اعتبار للفئات الأخرى، كما لم يعد مقبولاً استمرار المنظومة الصحية بوضعها الحالى، الذى لم تعد تقدر عليه معظم فئات المجتمع، سواء قبل الخروج للمعاش أو بعده.

الأمر أيها السادة جد خطير، حين الاحتفال بيوم المرأة العالمى، الذى يواكب اليوم، لا يحب أن نحصر أنفسنا فى أمور الطلاق، التى كانت ومازالت نتاج الفقر فى معظمها، يجب أن نبحث فى أمر الجوع والفقر والضنك، الذى تعانى منه المرأة المصرية، نبحث فى أمر التشرد والمرض والبطالة الذى تعانى منه الأسرة المصرية عموماً، نبحث فى كيفية النهوض بالمجتمع من كل الوجوه، من خلال اعتبار الحياة الكريمة للمواطن هى الأولوية، بدلاً من القفز على كل ذلك بمشروعات للشهرة، أو حتى لرفع الروح المعنوية!!!

مقالات متعلقة