ترامب وأميركا وإسرائيل

محمد علي فرحات

حوالى عشرين حاخاماً اعتُقلوا أثناء تظاهرهم في نيويورك اعتراضاً على مرسوم دونالد ترامب الأول لحظر سفر مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة. وأياً كانت طائفة هؤلاء فهم يؤكدون تقاطعات الجاليات في الولايات المتحدة عند نقطة التعددية التي تليق بدولة مهاجرين هي الأقوى في العالم.

 

العالم يصغر والشعبوية تنتشر وكابول ليست بعيدة من واشنطن وتل أبيب ليست بعيدة ايضاً. الشعبويتان المتلفعتان بالإسلام واليهودية تعاديان واشنطن أو تبتزانها، وكل منهما يريد أميركا على صورته ومثاله، فتدفعانها بالتالي إلى شعبوية ترغب هي الأخرى بطرد الآخر والتطهّر منه. هكذا أميركا ترامب بتغيير صورتها التعدّدية إنما تبتلع سمّ الشعبوية من حيث تتصور محاربة التطرّف، خصوصاً في الشرق الأوسط. ومثلما يفجّر «داعش» الآثار القديمة ومزارات الصوفيين ومعابد الأديان الأخرى، يجنح اليمين المتطرف، في أميركا وغيرها، إلى طهرانية تبدأ بتنقية الذات من «شوائب» التنوُّع، ليس على قاعدة الدين كما تضلّلنا الشعارات، لأن الدين ماضياً وحاضراً مفتوح على التنوُّع البشري والثقافي، وإنما على قاعدة الوطنية التي هي أيضاً قناع لقبلية أو عرق أو طائفة مغلقة.

 

برنار هنري ليفي افتخر بتظاهرة الحاخامات المؤيدة لحق سفر مواطني دول ذات غالبية مسلمة، لكنه لم يفتخر بيهود معتدلين في إسرائيل يقل عددهم يوماً بعد يوم، يناصرون الحق الفلسطيني ويدعون إلى حل الدولتين ويعتبرون التعايش الإسلامي المسيحي اليهودي فرصة تاريخية لطيّ صفحة الظلم التي ألحقتها أوروبا باليهود مع سقوط الأندلس ثم مع محارق النازي. كل ما في الأمر أنه اكتشف متأخراً براغماتية بنيامين نتانياهو المخزية حين سكت عن تجاوزات ترامب بحق ضحايا المحرقة، كأنه شخص آخر غير ذلك الذي خطب في الكونغرس متحدياً باراك أوباما وسعيداً بتصفيق ممثلي شعب الولايات المتحدة.

 

لن يتحقق مطلب اليهود المؤيدين لإسرائيل بلا قيد ولا شرط بإضعاف العلاقات بين واشنطن والعالمين العربي والإسلامي عبر إطلاقهم صورة بشعة للمسلمين والتحريض عليهم في الإدارة والمجتمع المدني. وإذا افترضنا تحقُّقه فهو سيستند إلى وطنية تعادي الأجنبي المسلم ثم تنسحب بالضرورة على الأجنبي غير المسلم، واليهودي ضمناً.

 

ترامب هو ثمرة أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، إضافة إلى ما بقي في النفوس من الحرب الأهلية الأميركية حين غلبت نزعة الحداثة وتحرير العبيد على الشمال وتمسك الجنوب بالمحافظة والاستعباد وصولاً الى التمييز العنصري كحد أدنى.

 

كأنّ ترامب يلوّح بتجديد تلك الحرب بصورة ناعمة، فهو والمحيطون به يمثلون روح الجنوب فيما غالبية الشعب تمثل روح الشمال وتؤكد صورة أميركا الديموقراطية. ويبعث ساكن البيت الأبيض برسائل رمزية تثير حذر الأقليات ويجدد إرسالها بين فترة وأخرى لئلاّ ينسوا. وليس على العرب والمسلمين أن يفرحوا بانزعاج اليهود فالرسالة تعنيهم أيضاً. لأن الذين يتقاتلون في المشرق العربي منذ وعد بلفور ونهاية الحرب العالمية الأولى وإنشاء إسرائيل وتفاقم حضورها العدواني، يجتمعون معاً في سلة دونالد ترامب.

 

شواهد قبور يهودية في نيويورك ومناطق أخرى جرى تخريبها بأيدي مجهولين، وأُحصي 121 تهديداً ضد مؤسسات يهودية، ولم يجرِ إحصاء التهديدات الموجّهة إلى مؤسسات إسلامية أو هندوسية أو بوذية أو تاوية أو سيخية لكن عددها لن يكون أقل.

 

هذا يعني سياسياً انقضاء مرحلة التسليم الأميركي الأعمى لليمين الإسرائيلي وبدء مرحلة جديدة لم تتبلور بعد. وعندما تتضح المتغيرات الداخلية في الولايات المتحدة قد نشهد حضوراً مكثّفاً لليهود المعتدلين بهدف إنقاذ إسرائيل عبر تطويعها لتصبح صديقة للدولة الفلسطينية الموعودة وللداخل العربي. أهي أحلام؟ ربما؟ لكن حكماء العالم يعرفون أن إسرائيل لا تكتمل شرعيتها كدولة إلا باعترافها بفلسطين، ويعرفون أيضاً أن التطرُّف ملّة واحدة والاعتدال ملّة واحدة أيضاً.

مقالات متعلقة