بين مد وجزر، وتقارب حينا وتباعد في أحايين أخرى، تمضي العلاقة بين السلطة والمؤسسات الدينية في مصر، بإيقاع غير رتيب، لا يمكن حساب درجته أو مستوى حدته، فالأمر يخضع لمبدأ غير معلن من الطرفين تلخصه عبارة يرددها كلا الطرفين خلف الأبواب المغلقة، تقول كلماتها: "لكل حادث حديث".
ويبرز الوجه المأزوم في علاقة المؤسسات الدينية بمؤسسات السلطة، تنفيذية وتشريعية، في أزمة الطلاق الشفهي والتباين الصريح في موقف كل من مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الأزهر الشريف إزاءها.
ولم يقف الأمر عند حد مؤسسة الرئاسة والأزهر بل دخل البرلمان، بثقله كسلطة تشريعية على خط تلك العلاقة، بعد تقدم بعض النواب بمشروع قانون لتعديل قانون الأزهر، وامتد الأمر إلى دار الإفتاء بتقدم نواب آخرون بمشروع لتنظيم الفتوى، وإن بدا الأمر بالنسبة للفتوى بعيدا عن أية أزمات.
وكيل وزارة الأوقاف الشيخ صبري عبادة انتقد وجود قانون لتنظيم الظهور الإعلامى للمتحدثين في الدين والخطابة الدينية فيما سمي بتنظيم الفتوى، وقال إنه مخالف للدستور الذي كفل لكل المصريين الحرية فى إبداء الرأى وعرض الرأى والرأى الآخر.
كما هاجم عبادة النائب محمد أبوحامد، صاحب مقترح تعديل قانون الأزهر، قائلا:"يا محمد أبو حامد عليك أن تبقى في تخصصك فقط فأنت وكيل لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، وأنت الذراع الأخرى للمتطرفين والمتشددين".
في المقابل، قال النائب محمد أبوحامد، عضو ائتلاف "دعم مصر"، إن التعديلات على بعض قوانين المؤسسات الدينية مثل الأزهر، ليس هدفه تحجيمها، أو السيطرة عليها ، ولكن رغبة في التجديد داخلها؛ لتواكب العصر الذي نعيش فيه وتحدياته".
وأضاف لـ"مصر العربية"، أن مقترح تعديل قانون الأزهر الذي تقدم به، يهدف إلى حوكمة اختياره وتشكيل 3 هيئات تابعة للأزهر الشريف، وهي: مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والمجلس الأعلى للأزهر، بما يضمن تنوعا أكثر في عضويته، والتجديد الدائم في متخذي القرار داخله، بحسب تعبيره.
كما رد على ما وصفه بـ"الإدعاءات" الخاصة بأن القانون انتقامي من الأزهر على خلفية أزمة الطلاق الشفهي الأخيرة بين المشيخة ومؤسسة الرئاسة، قائلا: هذا الكلام خاطىء تماما".
قال الدكتور أحمد البرعي، وزير التضامن الأسبق، إن مصر بلاشك في احتياج شديد لتجديد الخطاب الديني وإصلاحه، معلنا تأييده لأي إجراءات تتخذ في هذا السياق، لكن دون سيطرة على المؤسسات الدينية من الدولة؛ لأن أهميتها تأتي من كونها مستقلة.
وأضاف البرعي، لـ" مصر العربية"، أن البرلمان دوره وواجبه إصدار التشريعات، لكن دون المساس بقوانين هذه الهيئات، وأساسياتها، لافتا إلى أن هناك أزمة واضحة بين المؤسسات الدينية وخاصة مشيخة الأزهر والدولة ممثلة في الرئاسة، ووارد جدا أن يكون البرلمان في صف السلطة التنفيذية.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، إن الأزمة التي أُثيرت بين مؤسسة الرئاسة والأزهر الشريف، بدأت بمكايدة بين المشايخ في الطرفين، لكن دخول بعض الأحزاب والبرلمان بها سيحولها لصراع غير مطلوب.
وأضاف السناوي لـ"مصر العربية" إن البرلمان واجبه التشريع، لكن يجب عليه مراجعة المؤسسات الدينية في مشروعات القوانين التي يناقشها، ولا تصدر دون موافقة هذه المؤسسات؛ لأن ذلك سيعد مساعدة من البرلمان للسلطة التنفيذية في محاولاتها للسيطرة على المؤسسات الدينية.
وتابع أن الخطاب الديني في مصر يحتاج لتجديد وإصلاح، ولكن على نواب البرلمان التفريق بين هذا الأمر وسن قوانين هدفها تحجيم هذه المؤسسات ومساعدة السلطة التنفيذية في السيطرة عليها.
من جهته، أوضح الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن المؤسسات الدينية مثل الأزهر، تُسير امورها وفق قوانين وضعتها برلمانات سابقة بمشاركة الدولة؛ لذلك لا مانع من سن مجلس النواب الحالي قوانين تنظم العمل بداخل هذه المؤسسات بما يتناسب مع العصر الحالي.
وأضاف سعيد لـ"مصر العربية" أنه يرفض تعامل الكثير من المصريين مع المؤسسات الدينية وخاصة الأزهر بمنطق" الكهانة"؛ لأنها تخضع لمتغيرات العصر، لافتا إلى أن البرلمان واجبه التشريع لجميع مؤسسات وشرائح المجتمع المختلفة وليس "الأزهر والإفتاء" فقط.
وأردف أنه لا يوجد صراع بين المؤسسات الدينية والدولة ، ولكن هناك اختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا، وهذا ناتج لاختلاف الأدوار والوظائف، مشيرا إلى أن الطرفين دوما في حاجة لبعضهما، فالدولة تحمي الأزهر الذي بدوره يساندها في أزماتها.