يأتى هذا العام متزامنا مع توقيع مرتقب للحكومة المصرية مع الجانب الروسى على العقود والاتفاقيات الخاصة بإنشاء المحطة النووية بمنطقة الضبعة، ذلك المشروع الذى ثارت حوله العديد من علامات الاستفهام خاصة فيما يتعلق بالتكلفة الفعلية له وتفاصيل الاتفاقيات الخاصة به.
كما دار كثير من الجدل حول مدى ملائمة الحل النووى لمصر - أو على الأقل درجة أولويته - مقارنة بالحلول الأخرى الممكنة وعلى رأسها الطاقة المتجددة فى ضوء ما يحدث من إعادة تشكيل لخريطة مصادر الطاقة فى العالم الآن.
يستعرض المهندس حسام الزيات في هذا الملف تطور الاتجاهات العالمية فى استخدام الطاقة النووية بالمقارنة بمصادر الطاقة الأخرى مع إلقاء الضوء على بعض تفاصيل مشروع المحطة النووية المصرية وكذلك النقاط المثيرة للجدل فيه.
م. حسام الزيات
ينظر البعض إلى الطاقة النووية على أنها تمثل الطريق الأمثل لتأمين الطاقة اللازمة لتحقيق خطط التنمية الاقتصادية للدول، ويرون أنها مازالت تمثل خيارا جذابا بل ولا تزال تحقق انتشارا فى دول العالم، كما يميل البعض - فى سبيل الترويج لها – إلى أن يلحقها بقائمة الطاقات المتجددة ليضفى عليها قدرا من القبول الإعلامى والمجتمعى، وهذا فى واقع الأمر تصنيف غير دقيق.
فعلى الرغم من أن الطاقة النووية قد يمكن اعتبارها طاقة نظيفة من حيث انخفاض انبعاثات الكربون الناتج عن توليدها، إلا أن إدراجها على قائمة الطاقة المتجددة لايزال أمرا مثيرا للجدل ويحتاج أولا لتوضيح أوجه التشابه والاختلاف بين الطاقة المتجددة والطاقة النووية.
الطاقة المتجددة ومصادرها
يتم تعريف مصادر الطاقة المتجددة بأنها هى تلك المصادر التى تتيح طاقة ناتجة عن عمليات طبيعية والتى تتجدد بمعدل أعلى بكثير من معدلات استهلاكها.
وعلى هذا التعريف تكون على رأس تلك المصادر طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الكهرومائية، وطاقة البحار والمحيطات ، والطاقة الحرارية الأرضية، وطاقة الكتلة الحيوية.
ويهدف نشر الطاقة المتجددة إلى تحويل العالم من الاعتماد على مصادر طاقة ناضبة كالبترول، والفحم، والغاز إلى أخرى متجددة ومستدامة، وكذلك تقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن المصادر التقليدية للطاقة، مما يسهم فى تحسين الظروف البيئية والصحية فى العالم.
الطاقة النووية...هل تنتمى لمصادر الطاقة المتجددة ؟
ومن جهة أخرى فإن الطاقة النووية تنشأ نتيجة لعملية الانشطار أو الاندماج المتسلسل للذرات فى ظروف خاصة يتم توفيرها فيما يعرف بالمفاعلات النووية والتى تشكل أهم أجزاء المحطة النووية.
وفى حين تعمل محطات الكهرباء التقليدية عادة بمبدأ تحويل الحرارة إلى كهرباء باستخدام البخار، فإن محطات الطاقة النووية تقوم بانتاج الحرارة اللازمة لتوليد هذا البخار عن طريق الانشطار أو الإندماج الذرى.
أما عن في الوقود المستخدم عادة في معظم المفاعلات فهو اليورانيوم.
ويميل البعض لاعتبار الطاقة النووية أحد مصادر الطاقة المتجددة بسبب انخفاض انبعاثات الكربون الناتج عن عمل المحطات النووية. ويرى هؤلاء أنه إذا كان الهدف من استخدام الطاقة المتجددة هو خفض انبعاثات الكربون فإنه لا يوجد سبب يدعو لعدم اعتبار الطاقة النووية من مصادر الطاقة المتجددة.
ويرد هؤلاء على مسألة كون احتياطيات اليورانيوم المتوفرة على الأرض حاليا محدودة وقد تكون كافية لإنتاج الطاقة النووية لنحو 1000 سنة فقط، بأن الاحتياطيات الفعلية لليورانيوم يمكن اعتبارها أكثر بكثير مما هو متاح حاليا إذا ما أخذنا فى الإعتبار كميات اليورانيوم التي يمكن استخراجها بتكلفة أعلى من مياه البحار، وكذلك اليورانيوم الناتج من تآكل القشرة الأرضية.
لكن من ناحية أخرى فأن تلك المبررات لا يمكنها أن تقف أمام الحقائق التالية:
أولا: القول بأن الطاقة النووية منخفضة الإنبعاثات هو فقط نصف الحقيقة، إذ أن الصورة الكاملة تظهر أن عمليات استخراج وتخصيب اليورانيوم تستهلك قدرا هائلا من الطاقة وينشأ عنها أنبعاثات ضارة التى إن تم أخذها فى الإعتبار عند تقييم الأثر البيئى للطاقة النووية تكون أبعد مايمكن عن اعتبارها طاقة نظيفة ناهيك عن إعتبارها طاقة متجددة.
ثانيا: محدودية إحتياطيات اليورانيوم على الأرض مهما جرى من محاولات لتعظيم حجمها بالمقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الحقيقية كالطاقة الشمسية أوطاقة الرياح.
ثالثا: بغض النظر عن مسألة استدامة إمدادات الوقود النووى، تبقى مخاطر الحوادث ومسألة النفايات النووية الضارة المشعة الناتجة عن عمل المفاعلات متعارضة مع مبدأ أساسى لاستخدام الطاقة المتجددة وهو الحصول على الطاقة الضرورية للتنمية مع الأخذ فى الإعتبار الوصول لبيئة نظيفة قليلة المخاطر.
وإذا كان يمكن اختزال مايبرر به المتحمسون لاعتبار الطاقة النووية من الطاقات المتجددة فى حقيقة إنخفاض إنبعاثات الكربون مع التسليم بالجدل حول إمكانية استدامة امدادات الوقود النووى، فلعل ماحسم هذا الجدل ماحدث فعليا من رفض الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) لفكرة اعتبار الطاقة النووية من المصادر المتجددة وكذلك تصريح المدير المؤقت للوكالة فى 2009، "هيلين بيلوسي - Hélène Pelosse"، حين قالت: "إن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لا تدعم برامج الطاقة النووية لأنها تنطوى على عملية معقدة وطويلة وينشأ عنها نفايات يصعب التخلص منها ومحفوفة بالمخاطر نسبيا". مثل هذا التصريح يثبت أن قرارا كهذا ليس له علاقة بالجدل حول وجود إمدادات مستدامة من الوقود أم لا وإنما لاعتبارات أخرى تتركز أساسا فى مسألة النفايات النووية، إذ أن أمرا كهذا ينسف أى محاولات لإلباس الطاقة النووية رداء الطاقة المتجددة من الأساس.
تاريخ الطاقة النووية فى العالم
وبعد أن تناولنا مسألة الجدل حول مدى صحة اعتبار الطاقة النووية طاقة متجددة، لعل من المفيد أن نلقى نظرة على تطور إنشاء المحطات النووية فى العالم على مدار أكثر من 60 عاما. فمنذ أن تم تشغيل أول مفاعل للطاقة النووية وتوصيله على الشبكة الكهربية فى الإتحاد السوفياتى في أوبنينسك فى يونيو 1954، شهد العالم موجتين رئيسيتين من إقامة المحطات النووية. كانت أولى هاتين الموجتين في العامين 1973 و 1974، حين تم تشغيل وتوصيل 20 و 26 مفاعل على الترتيب على الشبكة، وجاءت الموجة الثانية بين عامى 1984 و 1985، قبل حادث تشيرنوبيل بقليل، حين تم تشغيل وتوصيل 33 مفاعل في كل عام من العامين.
وطبقا للبيانات المنشورة فى تقرير صدر عن الجمعية النووية الدولية عام 2016 تحت عنوان "تقرير عن الأداء النووى فى العالم" (World Nuclear Association, World Nuclear Performance Report 2016)، فإنه فى السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات، وبالرغم من إضافة أعداد أقل من المفاعلات الجديدة كل عام، إلا أن ما تم إضافتة من مفاعلات جديدة فى أى عام كان دوما أكثر من حالات إغلاق أى مفاعلات فى نفس العام. وبحلول عام 1990، حدث - ولأول مرة – أن تجاوز عدد حالات إغلاق المفاعلات عدد حالات بدء التشغيل فى نفس العام.
وخلال عقد التسعينيات 1991-2000 بلغت حالات بدء التشغيل عددا أكبر بكثير من حالات إغلاق المفاعلات (52 تشغيل/29 إغلاق) لكن هذا النمط لم يستمر لأكثر من هذا، فبحلول العقد الأول من القرن الحالى 2001-2010 تجاوز مرة أخرى عدد حالات إغلاق المفاعلات عدد حالات بدء التشغيل (32 تشغيل/35 إغلاق)، مع ملاحظة أن هذا العدد من حالات بدء تشغيل المفاعلات خلال عشر سنوات كاملة هو أقل من عدد الوحدات التى كان يتم تشغيلها في سنة واحدة فقط في منتصف عقد الثمانينات.
وبين عامي 2011 و 2015، ونتيجة للأحداث في فوكوشيما، وبالرغم من إضافة 29 مفاعلا (18 منها في الصين) لم يعوض ذلك إغلاق 34 مفاعلا خلال الفترة ذاتها. وفي عام 2015، تم إضافة عشرة مفاعلات، وهو عدد لم يتكرر منذ عام 1990، ولكن ذلك لم يكن إنجازا حقيقيا بل كان نتيجة لما يسمى "التأثير الصينى"، حيث ساهمت الصين بإضافة ثمانية مفاعلات من المفاعلات العشرة، فى حين قامت روسيا بتشغيل مفاعل واحد فقط Beloyarsk-4 ودشنت كوريا الجنوبية مفاعلها Shin Wolsong-2 (علما بأن جميع هذه المفاعلات العشرة كان قد تم البدء فى انشائها قبل كارثة فوكوشيما فى اليابان فى مارس 2011).
إجمالا، يمكن تقسيم تطور إقامة محطات الطاقة النووية فى العالم إلى ثلاثة مراحل رئيسية:
1- مرحلة نشاط فى إنشاء المفاعلات ونمو القدرة النووية: واستمرت منذ بداية إنشاء المفاعلات النووية وحتى عام 1985 حيث نمت فيها القدرات النووية فى العالم حتى وصلت إلى حوالى 250 جيجاوات.
2-مرحلة تراجع فى إنشاء المفاعلات وزيادة حالات الإغلاق وتباطؤ النمو فى القدرة النووية: وفى تلك الفترة شهد العالم تراجعا ملحوظا فى معدلات إنشاء المفاعلات مع تزايد حالات الإغلاق مما أدى لتباطؤ النمو فى القدرات النووية، حيث زادت فيها من 250 جيجاوات إلى 380 جيجاوات فقط خلال 20 عاما.
3-مرحلة اتزان بين معدلات الإنشاء وحالات الإغلاق أدت إلى تجمد القدرة النووية: وهى الفترة من عام 2006 حتى 2015 وفيها حدث توازن بين معدلات الإنشاء والإغلاق للمفاعلات مما أدى إلى تجمد مجموع القدرات النووية العالمية تحت سقف ال 400 جيجاوات، فى الوقت الذى استمر فيه نمو القدرات من المصادر الأخرى وبالتالى تراجع نصيب الطاقة النووية من خليط الطاقة العالمى.
وتظهر البيانات أيضا أن نصيب الطاقة النووية من انتاج الكهرباء فى العالم فى تراجع مستمر منذ منتصف التسعينات حتى وصل فى عام 2015 إلى حوالى 10% فقط من إجمالى الطاقة الكهربية المولدة فى العالم.
ويوضح تقرير عن أعداد المفاعلات النووية فى العالم صدر عام 2016 عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (Nuclear Power Reactors in the World 2016, IAEA) أنه إذا ما قمنا باستثناء البرنامج النووى الصينى، فإن عدد المفاعلات التى يتم إضافتها سنويا لشبكة الكهرباء فى العالم تكاد تكون فى تناقص مستمر منذ الثمانينات.
كذلك توضح البيانات التى جاءت فى تقرير اخر للوكالة صدر عام 2015 بعنوان "توقعات الطاقة، والكهرباء والقدرات النووية حتى عام 2050" (IAEA, Energy, Electricity and Nuclear Power Estimates for the Period up to 2050) أن نسبة القدرة النووية إلى إجمالى قدرات توليد الكهرباء وكذلك إسهام الطاقة النووية فى خليط الطاقة فى العالم من المتوقع أن يعانيا من إنخفاض مستمر (كما هو موضح) مما يعكس الإتجاه العالمى الواضح لتقليص الإعتماد على الطاقة النووية فى مقابل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
الطاقة النووية والطاقة المتجددة – نظرة على عام 2015
تسارعت وتيرة التحولات في قطاع الطاقة فى العالم خلال الأعوام القليلة الماضية وذلك ليس نتيجة للتطور التكنولوجى، فحسب بل والسياسى أيضا لصالح نظم الطاقة المتجددة. وقد أعطت اتفاقية باريس الخاصة بتغير المناخ دفعة إضافية قوية لمصادر الطاقة المتجددة حيث قدمت 162 دولة خططها لإسهامات المصادر المختلفة للطاقة لم يتم ذكر الطاقة النووية فيها إلا فى خطط 11 دولة فقط فى حين ورد ذكر الطاقة المتجددة فى خطط 144 دولة منها 111 دولة لديهم بالفعل أهداف للتوسع في استخدامها بشكل حقيقى.
وبالرغم مما قد يبدو أن عام 2015 كان هو العام الأفضل للطاقة النووية فى الربع الأخير للفترة الممتدة من عام 1954 وحتى الان حيث تم فى خلاله تشغيل 10 مفاعلات جديدة حول العالم، لكن بنظرة متأنية نجد أن ماتم إضافته من قدرات نووية خلال هذا العام هو أقل بكثير مما تم إضافته من قدرات من المحطات الشمسية و محطات الرياح، والتي زادت قدراتها بأكثر من الطاقة النووية بكثير (سنعرض لذلك بالتفصيل لاحقا). ونتناول هنا بعض المقارنات بين أداء الطاقة النووية والطاقة المتجددة خلال عام 2015.
حجم الاستثمارات:
بلغ حجم الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة فى 2015 رقما قياسيا يقدر ب 286 مليار دولار متجاوزا المستوى القياسي السابق عام 2011 بنسبة 2.7%. وقامت الصين وحدها باستثمار أكثر من 100 مليار دولار وهو ما يقرب من ضعفي استثماراتها في عام 2013. ودخلت كلا من شيلي (3.4 مليار دولار) والمكسيك (4 مليار دولار) لأول مرة قائمة أعلى عشرة دول فى الإستثمارفى الطاقة المتجددة بسبب مضاعفة إنفاقها فى 2015 بالمقارنة بعام 2014. كما جاءت الدفعة القوية للاستثمارات فى الطاقة المتجددة أيضا متأثرة بالنمو فى الإستثمار في الهند (+44 في المئة)، وفي المملكة المتحدة (+60 %) والولايات المتحدة (+21.5 %).
ويتوقع تقرير (World Energy Outlook 2015) للوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن تستحوذ الطاقة المتجددة على أكثر من 60% من الإستثمارات العالمية فى الطاقة فى الفترة من 2015 وحتى 2040 وذلك من خلال الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند.
القدرات المضافة:
في عام 2015، ساهمت الطاقات المتجددة بأكثر من 60% من إجمالى ما تم إضافته من قدرات إلى قدرات توليد الطاقة العالمية (156 جيجاوات) فى حين حققت الطاقة النووية زيادة فى القدرات مقدارها (15 جيجاوات) فقط.
وحققت طاقة الرياح والخلايا الكهروضوئية الشمسية إضافات قياسية للعام الثاني على التوالي وشكلا حوالي 77% من مجموع الإضافات العالمية من الطاقة المتجددة (62 جيجاوات رياح و56 جيجاوات طاقة كهروضوئية شمسية).
قرارات الإغلاق المبكر للمفاعلات
شهد عام 2015 اتخاذ ثمانية قرارات بالإغلاق المبكر للمفاعلات النووية حول العالم وذلك فى اليابان، السويد، سويسرا، تايوان والولايات المتحدة.
في تسع من الدول الأربعة عشر التى تقوم ببناء محطات نووية تم تأجيل جميع المشروعات قيد الإنشاء. حتى الصين قامت بتأجيل 10 مشروعات من أصل 21 .
باستثناء الإمارات العربية المتحدة، وروسيا البيضاء، قامت جميع البلدان الوافدة حديثا لهذا القطاع بتأجيل قرارات البدء فى إنشاء المحطات.
واصلت الصين رفع معدلات إقامة محطات الرياح فأضافت تقريبا (31 جيجاوات) أى ضعف ما قامت بإضافته في عام 2013 لتصل إلى مامجموعه (146 جيجاوات) متجاوزة بشكل ملحوظ لهدفها المعلن لعام 2015 والبالغ (100 جيجاوات) وأضافت (14 جيجاوات) من الطاقة الشمسية متفوقة على ألمانيا كأكبر مشغل للمحطات الشمسية فى العالم. أما ماقامت بإضافته إلى قدراتها النووية (7.6 جيجاوات) وبرغم تواضعه بالمقارنة بالطاقات المتجددة قد مثل أكثر من 68% من الزيادة العالمية.
إجمالا ومنذ عام 2000 حتى 2015، نجد أنه فى حين بلغت القدرات المضافة إلى الشبكات في جميع أنحاء العالم من طاقة الرياح (417 جيجاوات) و (229 جيجاوات) من الطاقة الشمسية، تراجعت القدرات النووية العالمية (العاملة) في الوقت نفسه بمقدار(8 جيجاوات).
الكهرباء المولدة:
وبمقارنة الكهرباء المنتجة فعليا من مصادر مختلفة، نرى أن تلك المنتجة من الطاقة النووية قد زادت بمقدار 31 تيراوات ساعة، بينما انخفض توليد الكهرباء الناتجة عن محطات الوقود التقليدى (الأحفورى) خلال نفس الفترة. ولايكمن السبب الرئيسي وراء انخفاض نصيب الوقود الأحفورى فى توليد الكهرباء فى النمو فى إنتاج المحطات النووية ولكنه يعود إلى الزيادة الكبيرة فى انتاج الكهرباء من محطات الطاقة المتجددة، والتى تقدر بأكثر من 250 تيراوات ساعة مقارنة بعام 2014، أى سبع أضعاف الزيادة النووية.
وكثيرا ما يتم تبرير اللجوء إلى الطاقة النووية بكونها تمثل الحل المثالى لتلبية النمو فى الطلب على الطاقة الضرورية لتحقيق التنمية الإقتصادية للدول، ولكن باستعراض قائمة الدول التى تسهم فيها مصادر الطاقة المتجددة غير المائية بنصيب أكبر من الطاقة النووية فى توليد الكهرباء نجد منهم البرازيل، الصين، ألمانيا، الهند، اليابان، المكسيك، هولندا، اسبانيا والمملكة المتحدة، وفيهم أربعة من أكبر خمسة اقتصادات في العالم الآن مما يؤكد ضعف هذه الحجة وافتقارها إلى أى سند حقيقى.
وتفصيلا، نجد انه في الصين فى عام 2015، وكما هو الحال في السنوات الثلاث السابقة، تجاوز إنتاج الكهرباء من الرياح وحدها (185 تيراوات ساعة) مقابل (161 تيراوات ساعة) فقط من الطاقة النووية. وبالرغم مما قد يبدو أنه توجه صينى نحو الطاقة النووية حيث بلغ حجم الاستثمارات فى المفاعلات النووية 18 مليار دولار إلا أنه لايمكن إغفال أنها أنفقت بالمقابل أكثرمن 100 مليار دولار على محطات الطاقة المتجددة فى نفس العام والفارق واضح بين حجمى الإنفاق.
وفي الهند، شهد عام 2015 تجاوز طاقة الرياح للطاقة النووية فى انتاج الكهرباء للسنة الرابعة على التوالي فساهمت طاقة الرياح ب(41 تيراوات ساعة) مقابل (35 تيراوات ساعة) فقط من الطاقة النووية.
وبنظرة على الأرقام بالنسبة للاتحاد الأوروبي يتضح التقلص السريع للدور الذى تلعبه الطاقة النووية: ففى خلال الفترة من عام 1997 حتى 2014، وفى حين أنتجت الرياح (303 تيراوات ساعة) إضافية والطاقة الشمسية (109 تيراوات ساعة)، أنخفض انتاج الكهرباء من الطاقة النووية بمقدار (65 تيراوات ساعة). حتى فى الولايات المتحدة، قفز نصيب مصادر الطاقة المتجددة غير المائية فى انتاج الكهرباء من 2.7% عام 2007 إلى 8% عام 2015.
منذ التوقيع على بروتوكول كيوتو بشأن تغير المناخ عام 1997، وحتى عام 2015 نجد أنه تم إنتاج (829 تيراوات ساعة) إضافية من طاقة الرياح على مستوى العالم و(252 تيراوات ساعة) من الخلايا الشمسية، مقارنة ب (178 تيراوات ساعة) فقط تمت إضافتها من الطاقة النووية. وفي عام 2015، بلغ المعدل العالمي السنوي للنمو فى توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أكثر من 33% ، ومن طاقة الرياح أكثر من 17%، فى حين لم يتجاوز النمو 1.3% بالنسبة للطاقة النووية، وحتى هذه النسبة الضئيلة ماكان لها أن تتحقق بدون التأثير الصينى.
وشهد قطاع الطاقة النووية في العالم نموا بلغ 1.3٪ وذلك حصرا بسبب نمو القطاع في الصين والذى بلغ 31٪ والذى بدونه لكان القطاع قد شهد انكماشا بدلا من النمو.
بلغ عدد المفاعلات التى تم تشغيلها في عام 2015 عشرة مفاعلات وهو العدد الأكبر منذ عام 1990 لكن لابد من الأخذ فى الإعتبار أن ثمانية من هذه المفاعلات العشرة قد تم إنشائها في الصين وحدها كا أن جميع هذه المفاعلات كان قد تم البدء فى انشائها قبل كارثة فوكوشيما فى ليابان فى مارس 2011.
شهد عام 2015 البدء فى بناء ثماني مفاعلات حول العالم ، ست مفاعلات منهم فى الصين.
عدد المفاعلات قيد الإنشاء في تراجع للسنة الثالثة على التوالي، من 67 مفاعلا في نهاية 2013 إلى 58 بحلول منتصف عام 2016، منها 21 مفاعل في الصين.
عالميا، حقق قطاع طاقة الرياح نموا بنسبة 17٪، والطاقة الشمسية بنسبة 33٪ أما الطاقة النووية فكان النمو بنسبة 1.3٪ فقط.
تقدر الطاقة الكهربية التى يتم توليدها من توربينات الرياح وحدها فى البرازيل والصين والهند واليابان وهولندا بأكثر من ما يتم انتاجه من محطات الطاقة النووية بهذه الدول.
باختصار، تظهر بيانات عام 2015 أن توليد الطاقة فى العالم اعتمادا على الطاقة المتجددة فى نمو سريع ومستمر، في حين أن الإنتاج العالمى للكهرباء من الطاقة النووية، باستثناء الصين، يتقلص على الصعيد العالمي.
وتكمن أسباب هذا الاتجاه العالمى المتزايد للتوسع فى إنشاء محطات الطاقة المتجددة حول العالم فى الانخفاض المستمر فى تكاليفها، كما أن محطات توليد الطاقة المتجددة تتمتع بدرجة أعلى من القبول لدى المجتمعات لأسباب متعددة أهمها تفوقها الكاسح على محطات توليد الطاقة النووية فى عنصرى الأمان والسلامة البيئية.
كذلك تتيح محطات توليد الطاقة المتجددة زمنا أقصر للإنشاء، وسهولة أكبر فى التركيب والتشغيل، وإمكانية التصنيع السريع لمكوناتها بكميات كبيرة. فى حين نجد أن إنشاء المحطات النووية ليس فقط أعلى تكلفة، ويستغرق زمنا أطول بكثير فى التنفيذ، ولكنه غالبا ما يتجاوز فى تكلفته، والزمن الفعلى للإنتهاء من أعمال الإنشاءات به التصورات المبدئية عند اتخاذ قرارات الاستثمار كما أن إنشاء المحطات النووية ينطوى دوما على أخطار بيئية وصحية جسيمة نتيجة للنفايات النووية والحوادث المحتملة.
وعلى جانب اخر، نجد فى مصر تبريرا للتوجه النووى بالقول بأنها تعمل على التوفير فى مساحة الأرض المستخدمة بمعنى أنه يلزم لإقامة محطات الطاقة النووية مساحات أقل من تلك اللازمة لإقامة محطات طاقة شمسية أو طاقة رياح بنفس القدرة، وهو أمر قد يكون على درجة من الأهمية فى الدول ذات التوزيع السكانى المتوازن والإستغلال الإقتصادى الجيد للمساحات لكن تبريرا كهذا يتضاءل حجمه بشدة فى الحالة المصرية حيث ماتزال 94% من مساحة الدولة صحراء غير مأهولة ولا مستغلة!
ولعل من أكثر التحديات التى تواجهها الطاقة النووية في الدول الصناعية المتقدمة هو أن الطاقة المتجددة قد تسببت فى خفض تكلفة انتاج الكهرباء فى تلك الدول، فتكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فى انخفاض مستمر مما يؤدى إلى أن الإنشاءات الجديدة من هذه المحطات غالبا ما توفر طاقة كهربية أرخص بشكل واضح من تلك المولدة من محطات الطاقة النووية. أدى ذلك إلى أن عددا متزايدا من المفاعلات أصبحت تحقق خسائر اقتصادية رغم استمرارها فى توليد الكهرباء كما هو مخطط لها.
تواجه الصناعة النووية في العالم مفترق طرق إذ تواجه المنشئات النووية في العديد من الدول الأوروبية مشاكل على مستوى القبول المجتمعى ووجودها فى بيئة سياسية سلبية. هناك ظروف اقتصادية صعبة للمشغلين ليس فقط في بعض أسواق الطاقة التى جرى تحريرها، كما هو الحال في أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضا في الدول الأوروبية حيث انخفضت أسعار الكهرباء كنتيجة لتزايد حصة الطاقة المتجددة.
من تقرير الجمعية النووية الدولية عن الأداء النووى فى العالم 2016World Nuclear Performance Report 2016, World Nuclear Association
لابد هنا من التحذير من أن الصناعة النووية تحت الضغط الاقتصادى المفروض عليها من الممكن أن تتحول إلى صناعة أكثر خطورة، إذ يلجأ القائمون على اقتصاديات تشغيلها لعمل ما في وسعهم لخفض تكاليف التشغيل لتجنب تعظيم الخسائر الإقتصادية فتقوم بتخفيض عدد الموظفين، وتقليل أعمال الصيانة و الرقابة والتفتيش الأمر الذى يؤدى حتما لانخفاض نسب الأمان وزيادة هامش المخاطر.
عمالقة الطاقة النووية فى العالم في أزمة
تعانى عملاقة الطاقة الفرنسية - أريفا (http://www.areva.com/) والتى تملك الحكومة الفرنسية 87% من أسهمها، من مشاكل مالية عنيفة حيث بلغت خسائرها 11 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية وبلغت خسائرها فى 2015 وحدها أكثر من 2.1 مليار دولار.
تعانى EDF الفرنسية (https://www.edf.fr) أيضا من ديون بلغت 41.5 ملياردولار مما أدى إلى تخفيض تصنيفها من قبل مؤسسة ستاندرد أند بورز.
CGN الصينية ، شريك EDF فقدت 60٪ من قيمة حصتها منذ يونيو 2015.
عن مشروع المحطة النووية بالضبعة
اتفقت الحكومة مع شركة «روساتوم» الروسية على إنشاء محطة طاقة نووية تضم 4 مفاعلات قدرة كل منها 1200 ميجاوات بطاقة إجمالية 4800 ميجاوات.
المعلومات المتاحة عن نوع المفاعلات المتعاقد عليها قليلة لكن من المرجح أن يكون كل من المفاعلات الأربعة من نوع VVER-1200 وهى تنتمى لسلسة من المفاعلات الروسية ذات تصميمات مختلفة والتى تعمل بتكنولوجيا الماء المضغوط (PWR).
تم الانتهاء من إنشاء أول مفاعل من هذا النوع وتوصيله على الشبكة فى نوفوفورونيج (Novovoronezh) فى روسيا فى أغسطس 2016 وبدأ التشغيل التجارى له فى فبراير 2017
(المصدر: https://www.iaea.org/PRIS/CountryStatistics/ReactorDetails.aspx?current=898)
من المقرر أن يستغرق الانتهاء من بناء محطة الضبعة النووية 7 سنوات، على أن تدخل الخدمة في عام 2024
يتضمن العقد بين مصر وروسيا لإنشاء وتشغيل المحطة، أربعة إتفاقيات هى "الإنشاء الرئيسى" و" توريد الوقود للمحطة" و"تقديم الخبرة والدعم الفنى أثناء التشغيل" و"إنشاء مخازن للوقود المستنفد".
تكلفة المشروع الإجمالية تقدر بنحو 29.4 مليار دولار، يتحمل الجانب المصرى منها 4.4 مليار دولار تقريبا فى حين تقدم روسيا قرضاً حكومياً لصالح مصر بقيمة 25 مليار دولار لتمويل 85% من التكلفة، تحصل عليه مصر خلال مدة 13 عامًا من خلال جدول زمنى بفائدة 3% سنوياً، من أجل تمويل الأعمال والخدمات الخاصة بإنشاء وتشغيل المحطة، وتسدد مصر أصل القرض على مدار 22 عامًا، من خلال أقساطً نصف سنوية، على أن يكون أول سداد فى 2029.
بتاريخ 19 نوفمبر 2015 تم التوقيع على إتفاقية بين الحكومتين المصرية والروسية بشأن تقديم القرض من روسيا إلى مصر بغرض إنشاء المحطة.
فى 24 ديسمبر 2015 صدر القرار الجمهورى 484 لسنة 2015 بالموافقة على الإتفاقية وتم نشر القرار الجمهورى بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 مايو 2016.
الاتفاقية تنص على أن تدفع مصر أقساط القرض بالإضافة إلى الفوائد والمتأخرات بالدولار الأمريكى، أو أى عملة أخرى بعد الاتفاق بين وزارة المالية المصرية، والروسية، ويتولى النواحي المالية من الاتفاقية من الجانب الروسى بنك فنشيكونوم، ومن الجانب المصرى البنك الأهلي المصرى.
لايزال الغموض يحيط بجوانب كثيرة من تفاصيل المشروع خصوصا تلك المتعلقة بالترتيبات الخاصة بإمداد المحطة بالوقود النووى، والتخلص من النفايات النووية.
مشروع المحطة النووية...حضور الغموض وغياب المنطق!
فى دول العالم المتقدم، يتم مناقشة مشروعات مصيرية بهذا الشكل فى المجالس النيابية من النواحى العلمية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والبيئية والأمنية، بل والنفسية أيضا ودراسة علاقتها بالتنمية المستدامة والدخول فى حوار مع المؤسسات المعنية قبل أن تتحول تلك المشروعات إلى قرارات وأمر واقع. أما فى مصر، فقد رأينا مؤخرا "حوارا مجتمعيا" يتم بشكل مفتعل كتحصيل حاصل بعد أن تم اتخاذ القرار بالفعل بإقامة المحطة وهو أمر يدعو للدهشة فالمنطق يقول أن الحوار يأتى سابقا للقرار وليس العكس.
ونرى أنه من النقاط المهمة الواجب طرحها بشفافية على المجتمع هى مايتعلق بالضمانات والإجراءات الخاصة بالأمان النووى للمحطة. فكثيرا مايردد المتحمسون لإنشاء المحطة فى مصر مقولة أن مفاعلات تلك المحطة تنتمى للجيل الثالث من المفاعلات والتى تتمتع بدرجات غير مسبوقة من الأمان مما يجعل احتمالات الحوادث غير واردة. ويتجاهل هؤلاء - عن عمد أو سوء تقدير - أنه لم يحدث أبدا قبل الشروع فى إقامة أى مفاعلات نووية فى العالم (بما فيها تشيرنوبيل وفوكوشيما) أن صرح القائمون عليها بأن التكنولوجيا المستخدمة ذات درجات أمان منخفضة أو أن إقامة المحطة تنطوى على احتمالات عالية للحوادث بل كانت دوما التصريحات تؤكد على جانب الأمان والسلامة إلى أن يقع حادث نووى، فعندها تتركز التبريرات كلها فى اتجاه أن ذلك كان أمرا مستبعدا وغير متوقع الحدوث، وبالتأكيد يكون هذا بعد فوات الأوان فالحوادث النووية إن وقعت تكون هائلة التأثير وتصبح معها أى تبريرات غير ذات معنى.
كذلك ليس بالضرورة أن تنشأ الحوادث النووية فقط نتيجة لخلل فنى أو خطأ بشرى - وكلاهما وارد - ولكن يمكن أيضا أن يكون ذلك نتيجة لاستهداف الموقع فى أى عمليات إرهابية أو عسكرية معادية مما يستلزم اتخاذ إجراءات أمنية متواصلة على درجة غير مسبوقة من الشدة والصرامة، ونتساءل إن كان قد تم أخذ ذلك فى الإعتبار وحساب تكلفة تأمين - على تلك الدرجة من التعقيد - على طول العمر الإفتراضى للمحطة والمقدر ب 60 عاما وإضافته لتكلفة إنشاء المحطة للوصول إلى التكلفة الحقيقية.
ايضا ينبغى الإجابة على ما إذا كان قد تم تقييم تكلفة تخزين وتأمين النفايات النووية الناتجة عن عمل المحطة على مدار 60 عاما، وتكلفة تفكيك المحطة والتخلص الامن من مكوناتها عند انتهاء عمرها الإفتراضى - وهى عملية عالية التكلفة - وأيضا التكلفة الإحتمالية لوقوع حادث نووى بما فى ذلك تكاليف خطط الإخلاء المحتمل - إن وجدت - لسكان المناطق الممتدة لمئات الكيلومترات إلى مناطق امنة وكذلك علاج الآثار الصحية والإشعاعية الناتجة، وكذلك التكلفة الإقتصادية فى حالة الحوادث متضمنة الإنهيار المحتمل لقطاعى الصادرات والسياحة. ذلك التقييم، أن كان قد تم بالفعل، هو السبيل لمعرفة التكلفة الحقيقية للمحطة بالإضافة إلى ال 29 مليار دولار والتى هى مجرد التكلفة المبدئية ليس إلا.
"حوادث كبيرة، مثل تلك التي حدثت فى تشيرنوبيل وفوكوشيما، لا يمكن استبعاد خدوثها فى أى مكان فى العالم، بما في ذلك في أوروبا".. بيير-فرانك شيفيه، رئيس هيئة السلامة النووية الفرنسية 9 أبريل 2016
تشيرنوبيل وفوكوشيما
بعد مرور ثلاث عقود على حادث تشيرنوبيل ، مايزال 6 ملايين شخص يعانون من الحياة في مناطق عالية التلوث.
تسبب التسرب الإشعاعي الناتج عن تشيرنوبيل فى تلوث 40 في المائة من مساحة القارة الأوروبية مع توقع ظهور 40 ألف حالة سرطان قاتلة إضافية على مدى ال 50 عاما المقبلة.
بعد خمس سنوات من كارثة فوكوشيما على الساحل الشرقي لليابان، مايزال أكثر من 100 ألف شخص محرومين من العودة إلى مناطقهم الأصلية.
وبالحديث عن الحوادث المحتملة، فإن اختيار موقع المحطة فى منطقة الضبعة التى تقع فى الشمال الغربى للبلاد هو، فى حد ذاته، اختيار على درجة عالية من الخطورة لسبب بسيط يتعلق باتجاه الريح. فالإتجاه الغالب علي حركة الرياح فى مصر هو الإتجاه الشمالى الغربى بدءا من الساحل وصولا إلى القاهرة وسائر المحافظات. ويمثل وجود المحطة فى هذا الموقع عاملا فى غاية الأهمية فى حال وقوع أى حادث نووى محتمل، إذ يساعد ذلك على سرعة وصول أثار الحادث والغبار النووى للمناطق القريبة والبعيدة علي حد سواء مما سوف يؤدى لسرعة انتشار الكارثة فى المنطقة المحيطة، بل والتسبب فى كارثة أكبر على القاهرة الكبرى بتعدادها السكانى الهائل.
وتبقى مسألة ضمان استدامة إمدادات الوقود النووى، ومدى القيود المفروضة على مصر فى حال أرادت الحصول عليه من مصادر أخرى غير المصادر الروسية مستقبلا، وأيضا قضية التعامل مع النفايات النووية الناتجة عن عمل المحطة طوال عمرها الإفتراضى أمور فى غاية الأهمية ولابد أن تطرح تفاصيلهما بشكل شفاف على المجتمع الذى سيدفع الثمن الحقيقى لتلك الترتيبات سواء إقتصاديا أو بيئيا أوصحيا.
ومن الممكن فهم – وليس الإتفاق مع - حماس الدولة تجاه الخيار النووى فى إطار ما يطلق عليه "المواءمات الدولية"، حيث يكون لإتخاذ قرار كهذا أسبابا تتعلق بالعلاقات السياسية والإقتصادية بين الدول، لكن أن تتم محاولة تسويق ذلك الخيار إعلاميا وسياسيا على أنه هو الإجابة لمسألة مستقبل الطاقة فى مصر، فهذا بلا شك تشويه للحقائق وتضليل غير مقبول. كذلك يعد تضليلا أيضا التأكيد على أن مشروع إقامة المحطة النووية هو خطوة على طريق تحقيق الإستقلال الوطنى فى مجال الطاقة وهو أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة لأنه في حالة المفاعلات النووية، وعلى العكس من الطاقة المتجددة، تزداد التبعية الاقتصادية والسياسية خلافا لما يتم الترويج له وذلك للحاجة باستمرار للوقود النووى لضمان عمل المحطة.
إجمالا، وباستعراض الإتجاهات العالمية فى مجال الطاقة، نرى بوضوح كيف أن دول العالم المتقدم تتحول عن اللجوء للطاقة النووية لإنتاج الكهرباء والاتجاه نحو الطاقات المتجددة النظيفة خلال السنوات القليلة القادمة.
لذا فإن اختيار الطاقة النووية فى مصر– أو على الأقل إعطائها الأولوية فى هذه المرحلة – كوسيلة لتنمية قطاع الطاقة هو بلا شك سير عكس التاريخ.
فالطاقة النووية صارت ينظر إليها فى دول العالم المتقدم على أنها طاقة تنتمى للماضى فى حين أن الطاقة المتجددة هى، بشكل قاطع، طاقة المستقبل وعلى القائمين على اتخاذ القرار فى مصر أن يحسموا أمرهم من حيث الإنحياز إما للماضى أو للمستقبل.