"فأما اليتيم فلا تقهر"، أمر صريح من الله لرعاية اﻷيتام، لكن ما يحدث في بعض دور رعاية الأيتام بمصر، أصبح أمرًا كارثيًا تعدى "القهر"، ووصل إلى هتك العرض والاغتصاب وتعذيب اﻷطفال بأعضائهم التناسلية، بحسب ما أكدته النيابة وتقارير الطب الشرعي.
فبين التعذيب، والاغتصاب، والتحرش الجنسي، والضرب، ومنع الطعام، هناك أطفال لا ذنب لهم إلا أنهم وجدوا أنفسهم بدون أب يحميهم، أو أم تحنوا عليهم، إنما وجدوا مشرفين بدور الأيتام لا رحمة في قلوبهم، استحلوا تعذيبهم وكسر روحهم دون وجه حق، بحسب ما رصدته "مصر العربية" في عدد من وقائع التعذيب.
مقبرة "إشراقة"
"عمو عمرو كان بيربطنا في رجل السرير ويفضل يضرب فينا بالعصاية لحد لما يعمل علامات على جسمنا، ويحبسنا في اﻷوضة من أول ما نرجع من المدرسة لتاني يوم الصبح"، هكذا وصف "ط.س" أحد الأطفال الأيتام بدار إشراقة بالشيخ زايد، ما كان يعيشه من خوف وتعذيب، موضحًا أن مشرف الدار "عمر زكي"، قام بحرق زميله "إ.خ"، في عضوه الذكري ﻷنه كان يخاف من دخول الحمام ليلاً.
تصف عزة عبدون، مدير عام اﻹدارة العامة للأسرة والطفولة بوزارة التضامن الاجتماعي، الحال داخل دار إشراقة قائلة: "نَجْدْ محمد خميس"، زوجة رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، صاحبة الدار كانت تقطع الكهرباء عن اﻷطفال في الدار، وتقوم بتعيين مشرفين متقاعدين من وزارة الداخلية، يتعاملون مع اﻷطفال كأنهم معتقلين بالسجون، مخالفة بقواعد دور الرعاية، وكانت تمنع عنهم الطعام، وتترك لهم الطعام منتهي الصلاحية، وتمنع المتطوعات من الدخول للأطفال بطعام.
وأضافت عبدون في تصريحات خاصة لـ"مصر العربية"، أن الدار كانت في حالة سيئة جداً، عندما ذهبت إليها اﻷربعاء الماضي، موضحة أن اﻷطفال كانوا "جعانين ومش لابسين هدومهم وحياتهم صعبة جداً"، حتى أن الكهرباء انقطعت بعد وصولنا للدار بفترة بسيطة واكتشفنا أن صاحبة الدار تحمل كارت الكهرباء معها، وتترك الدار بعد انقطاعها بدون إنارة.
وأوضحت "مدير عام الطفولة بوزارة التضامن" أنها توجهت إلى قسم الشيخ زايد لعمل محضر بحالة الدار وإثبات انقطاع الكهرباء به، بعد أن رفضت صاحبة الدور الرد على اتصالاتهم بها ﻹعادة الكهرباء، لافة أنهت طلبت من بعض المتطوعات إنارة الدار للأطفال بواسطة الكشافات.
ولفتت "عبدون" إلى أن الدار ورغم موقعه المتميز، لا يوجد به إلا حارس واحد متطوع لحماية اﻷطفال ولا يأخذ راتب مقابل ذلك .
وأكدت "عبدون" أن نيابة أكتوبر بدورها اهتمت بالموضوع في نفس اليوم، وحضرت إلى الدار ووجدت أعلى سطح الدار " أسلاك الكهرباء والعصيان التي استخدمها المشرفين في تعذيب اﻷطفال، وكذلك السكاكين التي كانوا يسخنونها لحرقهم"، موضحة أن وكلاء النيابة حققوا مع 16 طفل كلاً على حدى، وأمروا بعرضهم على الطب الشرعي لوجود انتهاكات جنسية من المشرفين عليهم "، مشيرة إلى أن عدد من العاملين بالدار أكدوا أن صاحبة الدار مسئولة عن تعذيب اﻷطفال لرغبتها في بيع الأرض.
وبينت "مدير عام الطفولة بوزارة التضامن" أن النيابة وجدت كذلك غرف مجهزة على أعلى مستوى مغلقة بالمفتاح ، واﻷطفال يجلسون جميعاً في مكان واحد لا يصلح للإستخدام اﻵدمي.
وأشارت "عبدون"، أن وزيرة التضامن عزلت مجلس اﻹدارة بالكامل، وانتدبت مدير جديد للدار تابع لجمعية اﻷورمان، و8 مشرفات من الجمعية لتوفير الحماية والرعاية الجيدة للأطفال.
"إنقاذ الطفولة" وكر الشذوذ الجنسي
" 34 طفلًا من أصل 45 في المرحلة الابتدائية عانوا من الاعتداء الجنسي"، هذا ما أكدته صفاء صالح، الاخصائية النفسية في دار إنقاذ الطفولة، موضحة أن هذا الرقم جاء نتيجة الكشف على اﻷطفال من جانب طبيب التأمين الصحي.
وروت "صالح" لـ"مصر العربية"، الواقعة منذ اكتشافها لها قائلة: "أنا مسؤولة عن اﻷطفال في ابتدائي وإعدادي في الدار، وفوجئت في أحد اﻷيام بمشرفة على صفوف الابتدائي، تشتكي لها أنها أثناء قيامها بحموم أحد اﻷطفال وجدت فتحة الشرج عنده دون عضلة"، موضحة أنها عقدت للطفل الذي يبلغ من العمر 8 سنوات، وقال لها إن أحد الشباب في الجزء الخاص بأبناء الجمعة قام بالاعتداء عليه.
وأوضحت الاخصائية النفسية، أنها عقدت بعد ذلك جلسات متتالية لأطفال هذه المرحلة، واكتشفت أن عدد كير منهم تعرض للاعتداء الجنسي، ومنهم طفل في سن الـ12 عامًا يعاني من انسداد في فتحة الشرج ويحتاج إلى عملية، وآخر في المرحلة الإعدادية اعتدى عليه زميل له في نفس المرحلة وصوره ثالث.
وأكدت أنها عندما أبلغت المدير ونائب المدير بهذه الوقائع رفضوا التحقيق في اﻷمر خوفاً من الفضائح، مما اضطرها أن ترسل شكوتين لوزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، مؤكدة أن الوزارة أرسلت لجنة ولكن لم تفعل شئ في بداية اﻷمر.
ولفتت "صالح" إلى أن مدير الجمعية المدعو "منير عبد العظيم" عليه أكثر من قضية خاصة بدور أيتام كان يرأسها في السابق ومنها دار "أحباب الله".
وأوضحت أنه بالنسبة لطلاب المرحلة الثانوية فإن نسبة الشذوذ الجنسي بينهم قد تصل إلى 100%، مؤكدة أنه تم اكتشاف اﻷمر منذ عام 2011، مؤكدة أن الطلاب وقعوا على استمارة تفيد برغتهم في العلاج لكن دون رد، مشيرة إلى أن مدير الدار أصدر قرار بفصلها بسبب افشاء أسرار الدار.
وهذا ليس أمرًا جديدًا على هذه الجمعية بالتحديد، حيث إنه في عام 2014 نشرت منظمة العدل والتنمية مستندات مسربة لوقائع محاضر المشرفين الاجتماعيين بجمعية إنقاذ الطفولة بشارع ميرت بالتحرير والمشهرة برقم 596 لسنة 1967 بوزارة الشئون الاجتماعية بخصوص وقائع شذوذ جنسى داخل الجمعية.
وأوضحت المحاضر عدم وجود أخصائيين اجتماعيين بالجمعية أو نفسيين على الرغم من أن إدارة الشئون الاجتماعية بعين شمس تقوم بالإشراف على تلك الجمعية التى تعتمد على تبرعات رجال الأعمال.
وبدورها قررت وزارة التضامن الاجتماعي، إحالة المشرفين بالدار إلى النيابة العامة وفتح تحقيق مركزي بشأن الاستيلاء على شقق الأيتام وعزل مدير الدار، وتقديمه للنائب العام، وجرد المخازن، وإزالة القمامة، وإنارة الشوارع المحيطة بالدار، وتنظيف وإصلاح الحمامات، وتعيين واعظ ديني بالدار.
والتعاقد مع شركة أمن وحراسة، وعمل تحليل مخدرات للمشرفين والنزلاء، وتطوير ملاعب الدار، وتوفير فرص عمل لخريجي الدار، وشقق حي الأسمرات.
البيزنس الحرام بدار "الهبة الخيرية"
في هذه الدار اختلف مفهوم الرعاية كثيرًا بعد أن اقتادها صاحبها إلى سبيل غير إنساني، فباتت مرتعًا للاتجار بالأطفال وساحة لـ"الدعارة"؛ حيث أكد حارس العقار الذي يوجد به الدار أنَّه لاحظ دائمًا توافد أشخاص وصفهم بـ"المريبين" إلى مقر الدار، موضحًا أنَّ الأطفال كانوا دائمًا ما يتعرَّضون للعنف، وأنَّهم كانوا يستمعون إلى صراخهم بشكل مستمر.
"البيزنس الحرام" في الإسكندرية.. مخدرات ودعارة وتجارة أطفال في "دار أيتام"
هذا إلى جانب العشرات من وقائع الاعتداء بالضرب والتعذيب للأطفال بدور الرعاية المختلفة، فهذه مشرفة قررت تعذيب طفل عن طريق المياه الساقعة، وأخر قرر تعليق اﻷطفال من قدمهم، وأخرى قررت حرق الرضع لانهم لا يتوقفون عن البكاء، وبين تحقيقات الوزارة وواقائع التعذيب بيقى "الأطفال" هم المتضررون دون ذنب يذكر.
دور الدولة
وكشفت عزة عبدون مدير عام الأمومة والطفولة بوزارة التضامن أن حجم الانتهاكات في دور الايتام في مصر كبيرة، مؤكدة أن تقديراتها تتراوح بين الضعيف والمتوسط في إحصائيات الوزارة، لافتة إلى أن المديريات الاجتماعية هي المنوط بها الإشراف على هذه الجمعيات.
وأوضحت عبدون أن الوزارة خصصت 12 مليون جنيه لدور رعاية اﻷيتام، و11 مليون للمسنين، لتحسين البيئة المحيطة بهم، ودعم الجهاز الوظيفي، مؤكدة أن الوزارة ستوقع خلال اﻷيام المقبلة بروتوكول تعازن لعلاج اﻷطفال الذين تعرضوا للانتهاكات نفسيًا، بالتعاون مع مراكز " أبو العزايم، والقاهرة، وعين شمس" للطب النفسي، بتكلفة 600 ألف جنيه.