مع انتهاء جولة محادثات "جنيف 4" حول سوريا قبل أقل من أسبوعين، لم يحدث أي خرق ملموس تجاه حل الأزمة السورية، حتى إنه يمكن القول إن الجولة الأخيرة انتهت دون الخوض في أمور جوهرية تتعلق بالحل السياسي المأمول للنزاع الذي يكمل عامه السادس.
ثمانية أيام في "جنيف 4"، قبيل اختتامها في 3 مارس الجاري، كانت كفيلة بإسدال ستار تتفق خلفه الأطراف المجتمعة على 4 سلال تشكل جدول أعمال واضح للعملية التفاوضية، التي تستهدف إنهاء الحرب، التي أودت بحياة أكثر من 310 آلاف شخص، وشردت ما يزيد عن نصف سكان سوريا، البالغ عددهم قرابة 21 مليون نسمة، فضلا عن دمار مادي هائل.
الاجتماعات كانت "بناءة"، كما وصفها مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا، ستيفان دي ميستورا، ما دفعه إلى التفكير في دعوة وفدي النظام والمعارضة السورية إلى جولة جديدة خلال الشهر الجاري، رغم أن ما أعلنه هو جدول أعمال لم تتم مناقشته فعليا بعد.
السلة الأولى، وفق ما ذكره دي ميستورا في مؤتمر صحفي عقب ختام الجولة الرابعة من المباحثات، هي: تشكيل حكم غير طائفي خلال 6 أشهر، وتليها صياغة الدستور، ثم إجراء انتخابات خلال 18 شهرا بإشراف أممي.
أما السلة الرابعة فأُضيفت لاحقاً بناء على طلب وفد النظام، وتركز على "مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، والعمل على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين"، وفق المبعوث الأممي.
ودأب نظام بشار الأسد في السنوات السابقة على طرح موضوع الإرهاب على جدول أعمال المباحثات، دون الخوض في جوهر العملية السياسية، مستفيدا من موقف داعميه، وهما روسيا وإيران، إلا أنه وافق هذه المرة على تناول الحكم الانتقالي، إلى جانب الإرهاب.
بناء على ما سبق، يمكن القول إنه جرى في الجولة الماضية الاكتفاء بأمور إجرائية لبدء المفاوضات، ولم يتم بعد الخوض في القضايا الجوهرية الأساسية المطلوبة من المفاوضات، وهو المنتظر في الجولة المقبلة، التي حددها دي مسيتورا في 23 مارس الجاري.
ومسار جنيف حول الأزمة السورية بدأ عام 2012 مع بيان "جنيف 1"، من قبل الأطراف الدولية المعنية بسوريا، وفي 2014 عقدت جولتان من المباحثات أيضا دون نتيجة، بينما عام 2016 شهد ثلاث جولات لم تحقق جديدا.
المعارضة السورية المشاركة في مفاوضات "جنيف 4"، ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، قالت إنها لأول مرة تناقش مع المبعوث الأممي بـ"عمق مقبول" مستقبل سوريا والانتقال السياسي، وقضايا أخرى مبنية على بيان "جنيف 1".
في ختام "جنيف 4"، قال نصر الحريري، رئيس وفد المعارضة: "تابعنا (مع دي ميستورا) مناقشة الانتقال السياسي، والهدف هو تطبيق القرارات الدولية وبيان جنيف لتحقيق الانتقال السياسي".
وسبق أن تباينت وجهات نظر الأطراف المشاركة في مفاوضات جنيف بشأن طبيعة الحكم الانتقالي ومسار المرحلة التي من المفترض أن تقود سوريا إلى الاستقرار.
المعارضة السورية، بدعم من حلفائها وأبرزهم تركيا، ترى ضرورة إرساء حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلا أن روسيا وإيران، الداعمتان لنظام الأسد، تسعيان إلى صيغة للتشارك في السلطة القائمة.
هيئة حكم انتقالي
وفيما يتعلق بآمال المعارضة السورية من جولات المفاوضات، فهي مجمعة على ضرورة أن يكون جدول الأعمال الرئيسي لمحادثات جنيف هو الانتقال السياسي، فضلا عن مطالبتها بالتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
محمد الشمالي، عضو وفد المعارضة المفاوض في الجولة الماضية، قال: "مطالبنا أصبحت واضحة للجميع، وهي الانتقال السياسي، ومن وجهة نظرنا هي هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وهذه هي رؤيتنا كما تم الإعلان عنها في الرياض من قبل".
وأضاف الشمالي، أن "الآمال متعلقة بالمجتمع الدولي، وجدية الأمم المتحدة، والمبعوث الدولي في فرض موضوع البحث بالمسارات التي أعلن عنها (السلات)، وخاصة الانتقال السياسي.. نظن أن النظام غير جاد وغير مستعد للدخول بالعملية التفاوضية".
ومضى قائلا إن المعارضة "تسعى إلى تحقيق موضوع الانتقال السياسي بشكل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة.. هذا ما تسعى المعارضة إلى تحقيقه في هذه الجولة (المقبلة)، بمساندة المجتمع الدولي والأمم المتحدة؛ لأنها أقرت موضوع الانتقال السياسي بموجب القرار 2254، وهذا يتطلب جهد وضغط دولي على النظام ليقبل مناقشة هذه الفقرة، وعدم المراوغة بموضوع مسارات أخرى، حتى لا يتم تمييع الفقرة الأساسية من المفاوضات، وهي الانتقال السياسي".
النظام غير جاد
وردا على سؤال حول محاولات فرض حكومة الوحدة الوطنية التي يريدها النظام وداعميه، أجاب المعارض السوري بأن "الحكومة الوطنية غير مقبول بها، وهي مخالفة لقرار مجلس الأمن، الذي يقول بانتقال سياسي حقيقي بهيئة حكم انتقالي كامل الصلاحية، وهو يعتبر خرقا، وطلب المبعوث الأممي بهذا الشكل يخاف القرار الدولي، ويتجاوز صلاحيته الممنوحة".
وعما رؤيتهم لـ"جنيف 5"، قال الشمالي: "نحن متفائلون دائما طالما نسعى إلى تحقيق مطالب الشعب، وإنهاء معاناته، لكن المعطيات الحالية وعلى المدى المنظور، وخاصة من النظام وروسيا التي تدعمه، تظهر أنهم غير جادين في مناقشة الانتقال السياسي، وربما يمكن أن يكون مستعدا لمناقشة الفقرة من زاوية أخرى مختلفة، مثل طرح حكومة الوحدة الوطنية".
وختم المعارض السوري بأن "النظام، الذي لا يزال يرتكب ممارسات منها الحصار والقصف والتهجير القسري في سبيل تغيير ديموغرافي في البلاد، أظن أنه بعيد عن هكذا حل، بمعنى أنه غير مستعد لمناقشة الانتقال السياسي، وهذا واضح من إجراءاته على الأرض، في ظل سكوت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم".