فلسطين مفتاح السياسة الأميركية الجديدة

فلسطين مفتاح السياسة الأميركية الجديدة

بأسرع مما كان متوقعاً، أطلق الرئيس دونالد ترامب مساعي تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وقبل مرور ٥٠ يوماً على توليه الحكم، هاتَفَ الرئيس محمود عباس داعياً إياه إلى البيت الأبيض قريباً، كما أوفد مبعوثاً خاصاً إلى المنطقة للإعداد لإطلاق المسيرة السلمية، وعيّن طاقماً خاصاً لهذا الهدف. وكي يُطَمئن الجميع، أعلن أنه لن يفرض حلاً على أحد، وأنه يعمل من أجل تسوية لا خاسر فيها، وأنه يقبل بما يقبل به الجانبان.

 

تستدعي هذه التطورات المتسارعة ملاحظتين، الأولى أن استعجال ترامب فتح هذا الملف يشي بمدى جديته ورغبته في إنجاز «الصفقة الكبرى» التي تحدث عنها، ونأمل بألا تكون بأي ثمن، أو على حساب الفلسطينيين. والثانية أنه وضع ملف الصراع ضمن أولوياته، وإنْ ترَك الباب موارباً أمام حل الدولتين أو الدولة الواحدة.

 

من الصعب تخيُّل عملية التفاوض في عهد ترامب، فالراعي غيرُ من تعودناه، كما أسلوبه في العمل، ورؤيته القائمة على حسابات الربح والخسارة. لكن وإنْ توافر حسن النيات المطلق لدى الرئيس، فإن هذا لا يعني الإفراط في التفاؤل فلسطينياً، فمشاريع السلام الأميركية هي مشاريع إسرائيلية أساساً تحاول واشنطن إلزام إسرائيل بها (مثالها الصارخ «خريطة الطريق» التي حولتها تحفظات آرييل شارون خطةً إسرائيلية بامتياز).

 

وما زال الفلسطينيون يعانون غبن عملية سلام بدأت قبل ٢٤ عاماً ورعتها إدارات أميركية باعتهم أوهاماً من دون أن تنجح في زحزحة الموقف الإسرائيلي قيد أنملة، بل على العكس، نجحت الحكومات الإسرائيلية التي كانت تجنح أكثر فأكثر نحو اليمين، في فرض وقائع متزايدة على الأرض يصعب تغييرها، مرفقة بالكثير من الشروط التعجيزية المتزايدة في كل مرحلة من عملية السلام.

 

إن أي تفاؤل فلسطيني ربما لا يكون في محله الآن، خصوصاً عندما يتم الحديث عن «تنازلات مؤلمة»، وهي عبارة لا تعني سوى تنازلات مؤلمة بالنسبة إلى الفلسطينيين وحدهم، فماذا يعني لقوة الاحتلال أن «تتنازل» وتنسحب من نسبةٍ أقل أو أكثر من أراض محتلة، ومسروقة أصلاً، أو أن توقف بناء مزيد من المستوطنات على أراض مصادرة، أو أن تعترف بأن القدس المحتلة، التي لم تكن يوماً عاصمة لإسرائيل، هي عاصمة الدولة الفلسطينية؟ ثم ألا يندرج ضمن التنازلات الفلسطينية المؤلمة اشتراطُ واشنطن على السلطة وقف خيار التدويل والامتناع عن التوجه إلى المؤسسات الدولية، حتى قبل بدء المفاوضات الثنائية؟

 

ولئلا تكون التنازلات المؤلمة من نصيب الفلسطينيين وحدهم، ولئلا تقطف إسرائيل ثمار السلام مقدماً وقبل تحقيقه، يُنتظر من القمة العربية التي ستعقد في البحر الميت آخر الشهر الجاري، أن تضمن -وهذا هو التوجه الأردني أساساً- ألاّ يتحول الغطاء الإقليمي المطلوب لعملية السلام تطبيعاً مجانياً مع إسرائيل.

 

أما في إسرائيل نفسها، ورغم تعيين فريق سلام أميركي غالبيته من اليهود الصهاينة، وتأكيد ترامب أنه لن يفرض حلاً، والإغراء بحل إقليمي وتطبيع شامل، إلا أن الأجواء ملبدة بغيوم كثيرة، خصوصاً بين اليمين الحاكم الذي بدأ مراجعة حساباته إزاء الإدارة الأميركية بعد أن اتضح له أن الصورة ليست وردية كما كان يحلم، وأن مواقفها لا تتطابق مع مواقفه في قضايا الاستيطان ونقل السفارة الأميركية، وربما طبيعة الحل السياسي.

 

فهل يسعف إسرائيل، هذه المرة أيضاً، ما راكمته من خبرات في التحايل على المفاوضات والتهرب من استحقاقات السلام؟ وهل ستتخلى عن صيغة «المفاوضات الدائمة» التي ابتدعها رئيس الوزراء السابق إسحق شامير عندما قال قبل مؤتمر مدريد للسلام: «سنفاوضهم ٢٠ عاماً» من دون نتيجة؟ وهل ستواصل إسرائيل «الإعلان عن شيء وفعل شيء آخر على الأرض»، على ما كتب المفكر الفلسطيني البروفيسور وليد الخالدي؟ أم هل ستهرب إلى أمام عبر انتخابات مبكرة تتيح اصطفافاً جديداً يعيد خلط الأوراق ويرجئ الحلول، خصوصاً بعد فشلها في الهرب إلى أمام عبر «التهديد الإيراني»؟ هنا امتحان الإدارة الأميركية الجديدة.

 

أما استعجال ترامب وضع القضية الفلسطينية في صدارة جدول أعماله المكتظ بمشاكله الداخلية وأزمات المنطقة، من إيران إلى سورية والعراق ومحاربة «داعش»، فيعكس التسليم بمركزية الصراع أمام غيره من قضايا المنطقة ودوره في استقرارها. يعزز ذلك ما نُقل عن الموفد الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات، الذي قال خلال لقائه بنيامين نتانياهو قبل يومين، إن واشنطن تسعى إلى عملية سلام تحفظ أمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة.

 

بكلام آخر، عادت قضية فلسطين مفتاحاً للسياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.

مقالات متعلقة