بعد خمسة أشهر من الخلاف مع شركة أرامكو السعودية، أعلنت وزارة البترول المصرية مساء الأربعاء، عودة ضخ المنتجات البترولية دون تحديد موعد استئناف الشحنات.
وقال طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، خلال اجتماع موسع، إنه تم الاتفاق على استئناف الجانب السعودي توريد شحنات المنتجات البترولية وفقاً للعقد التجاري الموقع بين هيئة البترول وشركة أرامكو وجارٍ حالياً تحديد البرامج الزمنية لاستقبال الشحنات تباعاً.
وأشار الوزير إلى أنه خلال الفترة الماضية كان هناك تواصل بين الجانبين لاستئناف توريد الشحنات ولاسيما أن التعاقد كان سارياً.
وأوضح البيان أن تأجيل الشحنات كان لظروف تجارية خاصة بها في ظل المتغيرات التي شهدتها أسعار البترول العالمية في الأسواق خلال الفترة الماضية وقيام السعودية بتخفيض في مستوى إنتاجها من البترول وتزامن ذلك مع أعمال خاصة بالصيانة الدورية لمعامل التكرير.
وأكد مسؤول بوزارة البترول المصرية مساء اليوم الأربعاء أن من المقرر الانتهاء من تحديد الإطار الزمني لاستقبال الشحنات من أرامكو السعودية قريبا جدا.
وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه لوكالة رويترز: "خلال فترة وجيزة جدا سنكون انتهينا من تحديد مواعيد وأماكن استقبال الشحنات من أرامكو."
وكانت المملكة العربية السعودية قد توقفت بشكل مفاجئ عن إمداد مصر بالمواد البترولية منذ أكتوبر الماضي، إلا أن هذا التوقف لم تكن أسبابه واضحة رغم أن التوقف دام نحو 6 شهور.
وكان الاتفاق المصري خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر في إبريل 2016، على إمداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهرياً لمدة خمس سنوات بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار.
وبموجب الاتفاق، تشتري مصر شهرياً منذ مايو الماضي من أرامكو 400 ألف طن من زيت الغاز (السولار) و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود (المازوت) بخط ائتمان بفائدة 2% على أن يتم السداد على 15 عاماً.
واعتبر محللون أن من أهم إيجابيات القرار أنه سيخفف الضغط على طلب الدولار في البلاد في ظل أزمة العملة الكبيرة، خاصة أن الاتفاق السعودي قائم على الدفع الآجل وهو ما يميزه عن غيره، بالإضافة إلى أن الاتفاق سيوفر عملة صعبة ستدعم الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي.
ويرى الدكتور رمضان أبو العلا، الخبير البترولي، إن عودة شحنات أرامكو لمصر مرة أخرى، هو نوع من التقارب الحتمي بين البلدين الشقيقين، وكذلك تدخل العقلاء بين الجانبين لعدم تصعيد المواقف أكثر من ذلك، وهذا هو الوضع الطبيعي، الذي سينعكس على الاقتصاد بالإيجاب على مستوى البلدين.
وأوضح أبو العلا، في تصريحات لـ«مصر العربية»، أن عودة العلاقات بين مصر والسعودية، هو المكسب الأهم، موضحا أن ما تستورده مصر من أرامكو يُغطي 10 % من احتياجتنا فقط.
وتابع: «التعامل مع شركة أرامكو مُريح اقتصاديًا، وطريقة التسديد ليس بها أي ضغط على الميزانية المصرية»، مشيرًا إلى أن مصر تستورد من أرامكو 700 ألف طن، من 6 ملايين طن مصر في حاجة لهم شهريًا، وهناك بدائل أخرى.
وعن الاتفاقيات الأخرى التي أبرمتها مصر، قال الخبير البترولي: «لا توجد أي مشكلة حول ذلك، فاحتياجات مصر تتزايد وبالتالي لابد من إيجاد مصادر أخرى لتنويع مصادر الاستيراد»، مضيفًا: «كان يجب التروي قبل عقد أي اتفاقيات جديدة».
وكانت مصر قد لجأت إلى عدة دول لسد احتياجاتها النفطية بعد توقف أرامكو، وكان أبرزها الكويت والعراق، بالإضافة إلى إيران.
وكان سفير العراق لدى القاهرة حبيب هادي الصدر قال بنهاية فبراير الماضي إنه من المتوقع وصول أول شحنة من النفط العراقي إلى مصر في شهر مارس.
وأضاف الصدر، أنه كان يعمل من أجل التعجيل بوصول أول شحنة من النفط العراقي إلى مصر، لحيوية الموضوع لكل من العراق ومصر.
وتعمل شركات مصرية حالياً في البصرة في مجالات النفط والغاز؛ وهيئة البترول المصرية شريك في الحقل النفطي (بلوك 9)، جنوبي العراق، بنسبة 10%، ووقعت الأسبوع الماضي اتفاقاً بشأن حقل غاز سيبا جنوب شرق البصرة (جنوب) بنسبة مشاركة 15%.
في المقابل، قال حمدى عبد العزيز، المتحدث الرسمى باسم وزارة البترول والثروة المعدنية، في تصريحات لـ«مصر العربية»، إن الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع الدول الأخرى، مؤخرا لا يوجد بها أي مشكلة لأنها اتفاقيات لاستيراد الزيت، ولا علاقة لها بإمدادات أرامكو.
بدوره، رأى صلاح حافظ، الخبير البترولي ونائب رئيس هيئة البترول سابقا، أن ما حدث خلاف سياسي بين البلدين، وأن عودة استئناف توريد شحنات النفط لمصر دليل على اتفاق سياسي بين البلدين وأن العلاقات تحسنت.
وأضاف في تصريحات لـ«مصر العربية»، أن مصر لم تتوقف عند اتفاق «أرامكو» وبعد توقف الامدادات بدأت الاتصالات مع ليبيا والعراق، لاستيراد النفط الخام، وقطعنا شوطًا كبيرًا في هذه الاتفاقيات.
وتابع: «عودة استئناف توريد نفط أرامكو لمصر، ليس هو المحدد لطبيعة الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع الدول الأخرى، وليس محددًا لاستمرار مصر في هذه الاتفاقيات أم لا، والمحدد الرئيسي هو مدى استفادة مصر من هذه الاتفاقيات».
9 نقاط تشرح القصة كاملة:
1- وقع العقد مع أرامكو السعودية في أبريل 2016 لتوريد منتجات بترولية خلال 5 سنوات.
2- الاتفاق يتضمن توريد 700 ألف طن من البنزين والسولار والمازوت شهريًا تشمل 400 ألف طن سولار و200 ألف طن بنزين و100 ألف طن مازوت.
3- الاتفاق يتيح لمصر عدم التقييد بـتوريد الـ 700 ألف طن المتفق عليها شهريًا ويمكن الاستيراد حسب حاجة السوق.
4- تضمن الاتفاق أن يتم السداد على 15 سنة مع فترة سماح 3 سنوات.
5- يدفع الصندوق السعودي للتنمية مقابل المواد البترولية لشركة أرامكو بشكل فوري، ثم يستعيدها من مصر على أقساط.
6- لا يوجد تحديد قيمة تعاقدية ثابتة لفترة الـ5 سنوات نظرًا إلى أن سعر برنت متغير فى الأسواق العالمية
7- أول شحنة وصلت مصر فى مايو الماضي بمعدل 700 ألف طن.
8- آخر شحنة وصلت مصر في سبتمبر الماضي وتوقفت فى أكتوبر دون ذكر أسباب
.
9- 3,5 مليون طن تسلمتها الهيئة العامة للبترول وفقا لجدول الشحنات في الموانئ المصرية المختلفة.
سياسيا
لم تمض 24 ساعة على إعلان رئيس مجلس النواب علي عبد العال، أمس الثلاثاء، وصول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والمعروفة إعلاميا بـ"اتفاقية تيران وصنافير"، إلى المجلس، حتى أعلن وزير البترول، اليوم، استئناف أرامكو مد مصر بالمواد البترولية.
ويرجح كثير من المراقبين حدوث تقارب يصفونه بالكبير بين القاهرة والرياض رغم الملفات التي ما تزال محل خلاف، وخاصة الموقف المصري إزاء الأزمة السورية، وكذلك حرب اليمن.
وقال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن توقف إمداد شركة أرامكوا لمصر بالمواد البترولية كان لسبب فني، وذلك وفق ما حمل خطاب الشركة للحكومة المصرية في أكتوبر الماضي، لافتا إلى أن التعاقد مازال ساريا حتى الآن.
وأضاف هريدي، لـ" مصر العربية"، أنه بعيدا عما إذا كان التوقف فني أم لا، لكن عودة الشركة للعمل، أمر جيد، ودليل على أن العلاقات المصرية السعودية مصيرية للشعبين، مع الوضع في الاعتبار أن هذا اتفاق تجاري ستسدد مصر ثمنه بالكامل.
وتابع: "هذا القرار سيترك أصداء جيدة ليس على العلاقات المصرية السعودية فقط، ولكنه سيساهم في تحسن علاقة القاهرة بالخليج وجميع الدول العربية"، موضحا أن حدوثه قبل القمة العربية بعمان يؤكد أنه سيكون هناك توافق عربي خلالها.
من جانبه رأى الدكتور سعد الدين ابراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، أن العلاقات المصرية السعودية تشهد حالة من التوتر خلال الفترة الأخيرة، نتيجة لتصويت مصر على قرار فى مجلس الأمن يتعلق بسوريا، وكان أحد مضاعفاته وقف صفقة النفط لمصر من شركة أرامكو السعودية رغم ان العقد بينها وبين الحكومة المصرية مازال ساريا.
وقال ابراهيم، لـ" مصر العربية"، إن عودة إمداد الشركة السعودية لمصر بالمواد البترولية، دليل على وجود أحاديث بين الطرفين بعيدا عن تأثيرات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لإزالة الشوائب التي طرأت على علاقة البلدين، وأنها أتت بثمارها.
وأضاف: هذا القرار دليل على سير العلاقات المصرية السعودية في طريق التحسن، الأمر الذي سيعود على العلاقات المصرية مع باقي دول الخليج، مشيرا إلى أنها ستتحسن خلال الفترة المقبلة.
على الجانب الآخر، تواجه مصر أزمة كبيرة، بسبب مستحقات الشركات البترولية، إذ قال وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، مؤخرا إن مصر ملتزمة بسداد مستحقات الشركاء الأجانب في مصر والبالغة 3.5 مليار دولار.
وأضاف الملا، أن مصر تعمل على عدم زيادة تلك المستحقات مستقبلاً، فيما تعمل شركات أجنبية عديدة في مجالات أنشطة استكشاف وإنتاج النفط والغاز، من بينها "بي بي" البريطانية وشل الهولندية وإيني الإيطالية.
وكشف الوزير المصري، أن الوزارة تدرس عمليات طرح أسهم لشركات البترول في البورصة، مثل شركة "انبي" للبترول ليتم تداول جزء من أسهمها في البورصة المصرية، دون مزيد من التفاصيل.