اعتبر خبيران، سعودي ومصري، إعلان مصر رسميا موافقة الرياض على عودة توريد شحناتها البترولية للقاهرة بعد خمسة أشهر من التوقف، أنه "ذوبان لجليد الخلافات وإقرار بتفاهمات حدثت بينهما في الفترة الأخيرة".
وكان وزير البترول المصري، طارق الملا، أعلن مساء أمس الأربعاء، استئناف شركة أرامكو السعودية توريد شحناتها البترولية إلى بلاده، المتوقفة منذ أكتوبر الماضي، بالتوازي مع تأكيد مسؤول مصري معني للأناضول في وقت سابق أمس أن أولى الشحنات ستكون الشهر المقبل، دون مزيد من التفاصيل أو إعلان من الجانب السعودي.
ونشبت أزمة بين مصر والسعودية عقب تصويت القاهرة في مجلس الأمن منتصف أكتوبر المنصرم إلى جانب مشروع قرار روسي، لم يتم تمريره، متعلق بمدينة حلب السورية، وكانت تعارضه دول الخليج والسعودية بشدة، ووصف مسؤول سعودي الموقف المصري وقتها بـ"المؤلم".
وإثر ذلك طفت على السطح أزمة أخرى على خلفية ممازحة الوزير السعودي السابق، إياد مدني (رئيس منظمة التعاون الإسلامي السابق) للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، عبر التلميح بعبارة استخدمها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ولم يشفع اعتذار مدني في تهدئة الأوضاع بينه وبين القاهرة، حتى استقال بعدها من المنظمة "لأسباب صحية".
**ذوبان جليد وتفاهمات
وقال أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إن "هذا الإعلان (المصري) يعني أنّ هناك ذوبانا للجليد بين مصر والسعودية في هذه الأيام وهذا يسعد الشعبين المصري والسعودي، ويبدو أن هناك أمورا (لم يحددها) جرت وشجعت على هذا العمل".
وتتحدث تقارير صحفية عربية في الأشهر الأخيرة عن مساع تقودها الإمارات لطي الخلاف الطارئ على العلاقات المصرية السعودية، وسط تقارير صحفية مصرية الأيام الماضية تشير إلى زيارة محتملة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير للقاهرة.
عشقي الذي عمل سابقا في أكثر من موقع رسمي سعودي أضاف: "سواء أكان هناك جفوة سعودية مصرية أم لا في الفترة الأخيرة، فما حدث الآن ظاهرة حسنة سوف تدعم اقتصاد مصر في هذه المرحلة الحساسة التي تحاول مصر فيها أن تتغلب على تحدياتها".
ومستقرئًا مستقبل العلاقات المصرية السعودية، قال الخبير السعودي البارز: "لا يمكن استئناف النفط السعودي لمصر إلا إذا كانت تفاهمات حدثت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين".
وأضاف "لهذا لا أستبعد تحقق الشائعات التي ذكرت أن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، سيزور مصر الشقيقة، أو أن هناك لقاءات بين البلدين ستنعقد على مستوى عال في القمة العربية (تنعقد بنهاية الشهر الجاري)"، مستطردا "أعتقد أن هذا وارد في هذه المرحلة".
وبخصوص القضايا العالقة بين مصر والسعودية لاسيما في الملف السوري، وإمكانية تجاوزها، أكد أنور عشقي أن "هناك اختلافا وجهات النظر حدث بين مصر والسعودية في موضوع سوريا ولكن هناك تقدم بسيط يحدث في سوريا نحو حلحلة الأمور، وسط دور تركي جيد بجانب دور روسي سيساهم في حل الأزمة محل تباين وجهات النظر".
وشدد على أن " العلاقة بين مصر والسعودية لها شقان أحدهما استراتيجي ثابت، وآخر قابل لتعدد وجهات النظر، وهذا يخضع للحوار المباشر وأعتقد أن الحوار سيتم في هذه المرحلة".
عودة قوية للعلاقات
وأمس الأربعاء، قال أمين مجلس الأمن القومي المصري، خالد البقلي، إن العلاقات مع السعودية "لم تنقطع أبدا، وسنشهد في القريب العاجل عودة علاقات أقوى بين الجانبين".
وأوضح، خلال حوار له مع صحيفة الوطن المصرية الخاصة، هو الأول منذ توليه مسؤولية الجهاز الأمني الرفيع في 2014، أن المبادئ الاستراتيجية التي تربط البلدين "لن تتغير، لكن في بعض الأوقات تكون هناك اختلافات في وجهات النظر".
وأشار إلى أنه حدثت اتصالات بين المسؤولين والتنسيق بين الأجهزة المختلفة "متواصل"، مؤكدا أن "ما حدث سوء فهم لبعض المواقف والأطراف التقت وسنرى في القريب العاجل عودة علاقات أقوى بين الجانبين".
وحول وجود اتصالات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، قال البقلي إن "الاتصالات قائمة ولم تنقطع".
**فك الخلاف
يتفق مع الطرح السابق، مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، قائلا إن هذا الإعلان المصري "يكشف عن احتمالية وجود اتصالات وتفاهمات حول نقاط خلاف كثيرة بين مصر والسعودية".
وأضاف: "وراد جدا أنه حدثت تفاهمات حول نقاط خلاف بين البلدين مثل سوريا وجزيرتي تيران وصنافير والوضع في اليمن".
وفي أبريل 2016 وقعت مصر والمملكة اتفاقية تتضمن تنازل القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر للرياض، وخرجت احتجاجات شعبية مصرية رافضة للتنازل، وصدر حكم قضائي نهائي في مصر بإلغاء الاتفاقية، وسط محاولات حكومية رسمية لإقرارها في البرلمان المصري تمهيدا لتنفيذها.
ويستبعد غباشي في الوقت الراهن أن تكون هذه الخطوة السعودية المعلنة من جانب مصر نتيجة للقاء الأخير بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يدعم عادة الجانب المصري بصورة لافتة الفترة الأخيرة.
ورجح الخبير المصري البارز، احتمالية وجود دور عربي في حلحلة الخلاف المصري السعودي دفع لإعلان بادرة طيبة من طرف واحد وهو مصر.
وأشار إلى أن "هذا الاحتواء الذي أعلنته مصر لأزمتها المعروفة مع السعودية باستئناف النفط بادرة طيبة توحي أنه ربما في الأفق فك الخلاف وتطوير العلاقات وهذا ليس مستبعدا".
وعادة ما توصف العلاقات المصرية السعودية بأنها جيدة، وظهر دعم المملكة بشكل كبير للقاهرة منذ نهاية صيف عام 2013، عقب الاطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، وقدمت لها مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية بملايين الدولارات، غير أنها شهدت توترات في فترات بين إعلاميي البلدين، وسط موقف رسمي من كلا الجانبين "دبلوماسي النزعة"، يثني على دور المملكة والقيادة المصرية.