في اليمن.. المعاناة تزداد باختفاء الدواء

انهيار شبه تام للنظام الصحي

يدفع مواطنو اليمن ضريبة الحرب المتصاعدة في بلادهم منذ قرابة عامين، لا سيما بعد انهيار شبه تام للنظام الصحي، وتوقف نصف المنشآت الصحية عن الخدمة واختفاء معظم الأدوية. وتهدد هذه الظروف، حياة الكثيرين في بلد تعاني اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية. وتسببت الحرب المندلعة على مدار العامين الماضيين في ارتفاعاً كبيراً بأسعار الأدوية في السوق المحلية، جراء انهيار سعر العملة المحلية (الريال)، وارتفاع سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء (غير الرسمية) إلى 350 ريالاً (بزيادة 100 ريال عن السعر الرسمي). وفاقم من حدة الأزمة، فرض جمارك مضاعفة على الدواء من قبل الحكومة الشرعية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، فيما تتوالى الاتهامات على تجار الدواء برفع الأسعار "بشكل جنوني"، وهو ما ينفيه مختصون، خصوصاً وأن التجار باتوا بين خيارين، إما رفع سعر الدواء، أو التوقف تماماً عن الاستيراد. وتدور حرب أهلية في اليمن منذ 26 مارس 2015، بين جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، المدعومين من إيران، والقوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة من تحالف عربي يقوده السعودية. وخلفت الحرب الدائرة أوضاعاً إنسانية وصحية متدهورة، حتى بات 21 مليون يمني، أي قرابة 80% من السكان (27.4 مليون نسمة)، بحاجة إلى مساعدات، وفق منظمة الأمم المتحدة. كما قتل أكثر من 6 آلاف و600 شخص، وأصيب نحو 35 ألف بجراح، بحسب أحدث إحصاء لمنظمة الصحة العالمية، فضلا عن نزوح أكثر من ثلاثة ملايين يمني في الداخل. مبالغة في الأسعار وقال سكان في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة تحالف الحوثي وصالح، في أحاديث مع الأناضول، إن أسعار الأدوية ارتفعت بشكل مفاجيء، فيما اختفت عشرات الأصناف من الأدوية المنقذة للحياة، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وانعدام مصادر الدخل، وتوقف رواتب موظفي الدولة للشهر الخامس على التوالي. ووفق أحمد العديني، موظف في شركة خاصة، فإن "بعض أصناف الأدوية شهدت ارتفاعاً مبالغاً فيه، بزيادة تتراوح بين 1500 ريال و2000 ريال يمني (5.8 - 7.7 دولارات) للصنف الواحد". وتابع المواطن اليمني: " الدواء الخاص بالجيوب الأنفية ارتفع سعره من 1800 ريال (قرابة 6 دولارات) إلى 2800 ريال (10.7 دولار) خلال يومين، وأصحاب الصيدليات يرجعون السبب إلى انخفاض قيمة العملية المحلية وصعوبة الاستيراد.. كل هذا ولا يوجد لدينا أي مصدر دخل". وتضطر شركات الأدوية في اليمن إلى شراء الدولار من السوق السوداء بأسعار مبالغ فيها بسبب قلته في البنوك، مع سعيها لإتمام صفقاتها الخارجية، وهو ما يضطرها إلى رفع سعر الدواء. جشع التجار وتشكو شركات الأدوية من جانبها اختفاء أدوية مهمة لحياة الإنسان منذ شهور؛ جراء تأخر الشحن البحري؛ ما يجبر التجار على تحمل تكلفة مضاعفة لجلب الأدوية، وبالتالي التقليل من الاستيراد. وقال "عمار سنان"، صيدلي في صنعاء: "نعاني انعداماً تاماً للأدوية الخاصة بمرضى السكري، وخاصة الأنسولين، الذي كان يحتاج إلى عملية نقل عبر طائرات والاحتفاظ به في ثلاجات خاصة". وأضاف سنان: " تنعدم أيضاً أدوية سرطان الدم، وأدوية القلب والربو، إضافة إلى أدوية خاصة بالجراحة والإسعافات الأولية ومستلزمات غرف العمليات." وأرجع "سنان"، الارتفاع المفاجيء في أسعار المتوفر من الأدوية إلى "تدهور العملة المحلية مقابل الدولار، إضافة إلى جشع التجّار". جمارك مضاعفة ويقول عاملون في شركات استيراد الأدوية، إن اجراءات التفتيش المتبعة من التحالف العربي على السفن القادمة إلى اليمن، وارتفاع سعر صرف الدولار، جعل التجار يقللون من عملية استيراد الأدوية، بعد أن باتوا يدفعون مبالغ مالية مضاعفة جراء تأخر تلك السفن في الوصول إلى الموانئ، ثم اضطرارها إلى البقاء طويلا في المرسى. وقال أحد العاملين في شركة أدوية، إن "السفينة الخاصة بالأدوية تنتظر قرابة شهر في المياه الإقليمية من أجل التفتيش قبل دخولها الميناء اليمني، ما يضطر التجار إلى دفع أجور السفينة وهي في عرض البحر". وأردف العامل، الذي طلب عدم نشر اسمه: "حالياً يفرض الحوثيون جمارك على الأدوية القادمة من منفذ الوديعة البري للبضائع القادمة من السعودية، بعد أن تكون الحكومة الشرعية قد فرضت جمارك على البضائع نفسها". وزاد المصدر بقوله: "ندفع أجور نقل مضاعفة وجمارك مضاعفة، وبالتالي ليس أمام التاجر سوى رفع تكلفة سعر الدواء بشكل مضاعف أو التوقف عن الاستيراد، وهذا سيكون كارثيا بالطبع". مسؤولية مشتركة وتُلقي وزارة الصحة في حكومة الحوثي وصالح، (غير معترف بهما دوليا) باللائمة على التحالف العربي، حيث تقول إن الحصار الجوي والبحري المفروض على اليمن منذ عامين هو السبب في الأزمة الصحية، بينما يرى خبراء في تجارة الأدوية أن الحوثيين شركاء في الأزمة. وقال الصيدلي، ماهر أحمد: "عقب اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر / أيلول، غادرت شركات دوائية عالمية اليمن، بعد أن كانت لديها مقرات رئيسية في صنعاء، وتوفر كافة الأصناف مثل شركة جلاكسو سميثكلاين." وأضاف ماهر، أن "هناك أيضاً شركات غادرت بسبب الاضطرابات الأمنية واجتياح العاصمة ومدن أخرى، مشيراً إلى ان السوق يعاني من انعدام عدة أدوية تتعلق بأمراض السعال والقلق والسكر وضغط الدم والذبحة الصدرية." تهريب أدوية وتشهد السوق اليمنية من فترة إلى أخرى توفر بعض أصناف الأدوية المختفية عن طريق التهريب، لكنها تختفي من الأسواق بعد فترة قصيرة، رغم ارتفاع سعرها عن السابق بنسبة تتراوح بين 30 % و50%، بحسب الصيادلة. ويعتمد اليمن على استيراد قرابة 95% من الأدوية، وجراء الحرب تراجع حجم استيراد الأدوية، خلال النصف الأول من عام 2016 إلى 25 مليار ريال (117 مليون دولار) مقابل 54 مليار ريال خلال الفترة ذاتها من 2015، وفق إحصائيات رسمية. ومنذ اندلاع الحرب، انتشرت في اليمن أمراض وأوبئة، ففي حين عادت "الكوليرا"، التي كانت السلطات الصحية أعلنت في 1996 خلو اليمن منها، إلى حصد أرواح يمنيين، حيث تأكد وفاة 103 أشخاص خلال ثلاثة أشهر، سُجلت إصابات بأمراض "الحصبة" و"الجدري" بين الأطفال، وباتت المنظمات الدولية تخشى من عودة مرض" شلل الأطفال". وتبدو معاناة اليمنيين، ولا سيما أزمة الدواء، مرشحة للاستمرار؛ جراء انسداد أفق الحل السياسي، وعدم قدرة أي من طرفي الصراع على الحسم العسكري مع قرب اكتمال عامين على اندلاع الحرب.

مقالات متعلقة