في جولة خارجية هي الأولى من نوعها حملت جعبة من الاتفاقات السياسية والاقتصادية وسلة أخرى من التساؤلات حول الدوافع، جال الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين معظم دول آسيا، في الوقت الذي تواجد نجله ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل لتواجد الابن في أمريكا ووالده في الصين من دلالات؟ وهل تسعى السعودية لتحقيق التوازن بين الجانبين؟، وهل تسعى لمكاسب سياسية أم اقتصادية في المقام الأول من هذه الجولة؟ وهل جاء قرار الإفراج عن النفط السعودي لصالح مصر بضغط من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب؟ كلها تساؤلات ولدت من رحم هذه الجولة الخارجية.
والتقى الثلاثاء الماضي الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض الأمير محمد بن سلمان لأول مرة، واتفق الطرفان على أهمية مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار مع مواصلة تقييم الاتفاق النووي الإيراني، بجانب تأكيد التزامهما بدعم مصر والبحرين، والسودان في ظل التحديات التي تواجهها هذه الدول.
تأكيد الشراكة
وشدد الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع السعودي على دعمهما للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بعد فترة من التدهور في علاقة واشنطن بالرياض في حقبة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على خلفية اتهام المملكة لها بنكث وعودها لها في سوريا.
"عندما نرى الخطوط العريضة التي وضعتها الإدارة الأمريكية الجديدة فمن الواضح أن مصالحنا تتطابق" جاء هذا في بيان صادر عن البيت الأبيض يلخص ما جاء في اللقاء.
استئناف مد مصر بالنفط
وعقب الزيارة أعلنت وزارة البترول المصرية أن شركة أرامكو السعودية ستستأنف توريد شحنات المنتجات النفطية لمصر، بعد فترة من التوقف على خلفية تصويت مصر لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن بخصوص سوريا أكتوبر الماضي، وأعلنت القاهرة في نوفمبر أنها سوف تشتري ما تحتاجه من منتجات نفطية من الأسواق العالمية، واتفقت مع العراق على مدها بالنفط.
في الوقت نفسه أجرى الملك السعودي جولة آسيوية هي الأولى من نوعها زار فيها العديد من الدول أهمها الصين – خصمة أمريكا – التي ما زال موجودا بها واتفق معها على صفقات بقيمة 65 مليار دولار أهمها مذكرة تفاهم بين شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو السعودية ونورث إنداستريز جروب نورينكو الصينية لبحث إقامة مشروعات للتكرير والكيماويات في الصين.
الصين
ولم تخلو الزيارة من السياسة إذ طالب الملك سلمان الرئيس الصيني بأن تلعب بكين دورا أكبر في شؤون الشرق الأوسط، وناقش الزعيمان أزمتي اليمن وسوريا واتفقا على ضرورة حل هذه القضايا سياسيا من خلال المحادثات.
الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة رجح أن تكون أمريكا لعبت دور الوساطة بين القاهرة والرياض باعتبارها دولة كبرى تستطيع أن تحصل على تنازلات من الطرفين.
محورية مصر
وذكر في حديثه لـ"مصر العربية" أن أمريكا والسعودية لا تستطيعان الاستغناء عن مصر، فأمريكا تريد تحجيم الدور الروسي في المنطقة ولن يكون لها لذلك دون مصر، وفي الوقت نفسه تريد السعودية هدوءا للمنطقة بجانب نصر في اليمن ومادام هناك توتر مصري سعودي لن تنول ذلك.
وعن زيارة الملك سلمان لآسيا قال حسين إن الآسيويين يشعرون أنهم لا حظ لهم من التوجه السعودي لذلك توجه خادم الحرمين للدول الآسيوية المهمة حتى لا يظنون أن السعودية منكبة فقط على الغرب خاصة أن الشرق مهم ومجال حيوي للخليج عموما والمملكة خصوصا.
انتشار في الشرق والغرب
ورأى أن تواجد محمد سلمان في أمريكا في وقت تواجد أبيه في آسيا من قبيل الصدفة ولا يحمل دلالات سياسية ولكن السعودية تريد أن تنتشر شرقا وغربا وهذه ميزة لها.
واتفق معه في الرأي عاطف الغمري المتخصص في الشؤون الأمريكية الذي نفى الأبعاد السياسية عن زيارة سلمان لآسيا، مردفا:" لا أظن أن الأب يحاول إحداث نوع من التوازن بين الشرق والغرب فهذه لعبة كبير ليست في حسابات السعودية".
وفيما يتعلق بزيارة محمد بن سلمان لأمريكا قال الغمري لـ"مصر العربية" إنه كان هناك نوع من التخوف لدى المملكة من سياسة ترامب تجاه بعض دول الخليج والسعودية تحديدا، خاصة بعد تصريحه بأن أمريكا تتحمل مسؤوليات عسكرية وأمنية ولا تتحمل دول الخليج تكلفة هذه المسؤوليات وبالتالي عليها أن تدفع مقابلها.
قلق سعودي
وبيّن أن السعودية كانت قلقة من تحول خطير في سياسة أمريكا تجاهها خاصة إن علاقة الرياض بواشنطن استرتيجية وليست عابرة، لذلك كانت الرياض في أمس الحاجة للاطمئنان بأن الأمور مستقرة في العلاقة بينهما.
كما استبعد المتخصص في الشؤون الأمريكية أن تكون زيارة سلمان الابن لواشنطن سبب استئناف مد مصر بالنفط السعودي لأن ثمة اتصالات كثيرة جرت قبل الزيارة من دول خليجية لتقليل الفجوة بين مصر والسعودية وحدثت لقاءات متعددة في هذا السياق، لذلك كان طبيعي من الرياض أن تحاول استعادة علاقتها الطيبة بمصر خاصة في ظل قلقها من تحول أمريكي.