كاتب بريطانى: الصدام العسكرى مع كوريا الشمالية ليس خيارًا

 رصد الكاتب البريطانى جدعون راخمان تشبيه وزير الخارجية الصينى، وانغ يى، للتوتر القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بـقطارين مسرعين فى طريقهما للصدام وليس لدى أى منهما الرغبة فى تفادى ذلك المصير.  

وقال راخمان -فى تعليقه بصحيفة الـفاينانشيال تايمز- أن حقيقة أن قائدَى القطارين هما "كيم يونج أون" ودونالد ترامب لا تبعث على الطمأنينة فى نفوس ذوى المزاج العصبى. 

ورصد راخمان كذلك صافرة إنذار أطلقها (القطار الأمريكى) مؤخرا على لسان وزير الخارجية ريكس تلرسون الذى أعلن أن زمن "الصبر الاستراتيجي" الأمريكى إزاء كوريا الشمالية قد انتهى، مؤكدا أن واشنطن تبحث كافة الخيارات بما فى ذلك توجيه ضربات عسكرية.

وقال راخمان أن تصريح تلرسون يعكس رأى الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى أمريكا إزاء الطموحات النووية الكورية الشمالية من حيث أنها يجب أن تُكبح؛ ويُعتقد على نطاق واسع بأن نظام كيم يونج أون بات قريبا من تطوير صاروخ باليستى عابر للقارات قادر على تهديد الشاطئ الغربى للولايات المتحدة، وهو ما لا يمكن لأى رئيس أمريكى أن يغضّ الطرف عنه- كما هو متفق عليه فى واشنطن.

ويُلوّح تصريح تلرسون ضِمنا، بحسب الكاتب، إلى أنه حال فشل الولايات المتحدة فى إيقاف كوريا الشمالية عبر مسار الضغط الاقتصادى والدبلوماسى فإنها ستعمد إلى الإقدام على عمل عسكري؛ لكن فكرة ضرْب برنامج كوريا الشمالية النووى تنطوى على حماقة محفوفة بالمخاطر، وقد عرضتْ تلك الفكرة مِرارًا طوال العشرين عاما الماضية على مُخيّلة الإدارات الأمريكية لكنها كانت تستبعدها دائما لأسباب وجيهة.

وأوضح راخمان بأن أماكن المنشآت النووية والصاروخية الكورية الشمالية متفرقة على نطاق واسع بما فى ذلك تحت الأرض وتحت سطح الماء بحيث يتعذر تدميرها جميعا فى غارة واحدة من الضربات، وهو ما يثير على الفور هاجس خطر التعرض لردّ انتقامى من جانب بيونج يانج.

وحتى إذا ما استطاعت الولايات المتحدة بأعجوبة أن تدمر البرنامج النووى الإيرانى كله بضربة واحدة، فإن بيونج يانج لا يزال لديها ترسانة مدفعية قوية قادرة على توجيه قذائف مدمرة صوب العاصمة الكورية الجنوبية سيول ذات العشرة ملايين نسمة على بُعد 35 ميلا فقط من الحدود الكورية الشمالية، كما أن اليابان ستكون هى الأخرى عُرضة لهجمات من النوع ذاته، وكذلك القواعد الأمريكية المرابطة فى المنطقة.

لهذا السبب تحديدا، استبعد صاحب المقال أن تجد الولايات المتحدة دعمًا من جانب حلفائها الآسيويين إذا ما هى وجهّتْ ضربة وقائية ضد كوريا الشمالية؛ أن طوكيو وسول تعلمان جيدًا أن حربًا فى شبه الجزيرة الكورية قد تُكلف أكثر من مليون قتيل، كما أن حربا كتلك قد تجذب الصين التى هى جارٌ وحليفٌ رسمى لكوريا الشمالية؛ كما أنه من الجدير بالذكر فى هذا السياق الإشارة إلى أن آخر مرّة تقاتلت فيها قوات أمريكية مع أخرى صينية كانت ساحة القتال هى شبه الجزيرة الكورية فى الخمسينيات من القرن الماضى.

وعليه، رأى الكاتب، أن فكرة عدم استطاعة أمريكا أن تغض الطرف عن حيازة كوريا الشمالية صاروخا باليستيا عابرا للقارات- هذه الفكرة تحتاج إلى إعادة النظر؛ فمنذ حقبة الستينيات والولايات المتحدة متعايشة مع مسألة حيازة روسيا لصواريخ نووية قادرة على تدمير معظم البلاد، واليوم أمريكا وحلفاؤها متعايشون مع مسألة إنتاج باكستان للأسلحة النووية رغم ما هو معروف عن أن (باكستان) هى قاعدة لعدد من أخطر الحركات الإسلامية فى العالم.

ورصد صاحب المقال احتجاج البعض بأن "سيناريو كوريا الشمالية مختلف لأن كيم يونج أون "مجنون"، لكن المزاعم الشبيهة بأن زعيما أجنبيا مجنونٌ هى علامة مؤكدة على خمول التفكير الذى قاد الغرب من قبل إلى كوارث فى العراق وليبيا... أن كيم يونج أون هو شريرٌ متحجر القلب مستوحشٌ، لكن ثمة خيطا متسقا يظهر واضحا عبر أفعاله وهو تصميمٌ مطلق على ضمان بقاء نظامه، وهذا ما يفسر إقدامه على قتل أى منافس محتمل والاندفاع صوب تأمين رادع نووى والاستعداد لفرض إجراءات تقشف على شعبه".

وإذا سلمنا بأن البقاء هو الأولوية المطلقة للزعيم الكورى الشمالى، فإن ذلك كفيل بإثارة شكوك وجيهة إزاء قدرة العقوبات الاقتصادية المشددة على إثنائه عن المضى قُدُما فى برنامجه النووى- فى الواقع أن التهديد بانهيار النظام قد يجعل كوريا الشمالية أكثر خطورة.

واستدرك الكاتب قائلا أن أيًا مما سبق لا ينبغى أن يجعل أمريكا تُذعن وتُسّلم بقدرية حيازة كوريا الشمالية سلاحا نوويا قادرا على تهديد كاليفورنيا... لكن أفضل السُبل للتعامل مع هذا الخطر تتمثل فى المسارين الدبلوماسى والاقتصادى وليس العسكرى.

ونوه الكاتب عن "اعتقاد إدارة ترامب بأن الصين تملك مفتاح كوريا الشمالية؛ وليس من شك فى اعتماد النظام فى بيونج يانج اقتصاديا على جارته الشمالية(الصين) والتى أظهرت استعدادا فى الفترة الأخيرة لتشديد العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية عبر إيقاف واردات الفحم".

وأكد راخمان "أهمية فرْض ضغوط اقتصادية على كوريا الشمالية على المدى القصير، على أن المسار الأفضل على المدى الطويل ينبغى أن يتمثل فى التوصل إلى صفقة تُجمّد أنشطة البرنامج النووى الكورى الشمالى فى مقابل مساعدات اقتصادية وضمانات بأن الولايات المتحدة لن تسعى للإطاحة بنظام كيم يونج أون".

واختتم الكاتب قائلا أنه حتى إذا ما فشلت جهود إبرام "صفقة كبرى" مع كيم يونج أون، فإن مثل هذا الفشل الدبلوماسى لا يبرر مطلقا شنّ حرب كـبديل؛ أن أمريكا يمكنها أن تتعايش مع تهديد الأسحلة النووية الكورية الشمالية، تماما كما فعلت من قبل مع تهديدات أخرى، وإلا فإننا قد نتجه صوب صدام مدمر بين قطارين- بحسب تعبير الكاتب.

مقالات متعلقة