منذ تسلمهم السلطة قبل نحو شهرين، أجرى مسؤولون في الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، زيارتين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، الأمر الذي قد يشير إلى أولويات الإدارة الجديدة وعلاقاتها الأمنية بتلك المنطقة.
فبعد زيارة وزير الدفاع جيمس ماتيس، المنطقة نهاية يناير الماضي، أجرى وزير الخارجية ريكس تيلرسون، خلال الأسبوع الماضي زيارة شملت اليابان والصين وكوريا الجنوبية.
وعلى النقيض من تصريحات أدلى بها ترامب في وقت سابق ولمَّح خلالها إلى وجود تغيرات حادة في العلاقات مع المنطقة، فإن العلاقات الأميركية مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسير وفق سياسات تنسجم مع الواقعية السياسية.
نهاية "الصبر الاستراتيجي"
مما لا شك فيه أن قضية كوريا الشمالية شغلت محور جدول الأعمال الرئيسي لتيلرسون، إذ أجرت بيونغ يانغ خلال العام الجاري 5 تجارب صاروخية، دفعت واشنطن لإجراء حراك دبلوماسي جاد، وإعادة جدولة سياساتها تجاه هذا "البلد المارق".
ويبدو أن إعادة الجدولة لن تشمل خطة "الصبر الاستراتيجي" التي التزمت بتنفيذها إدارة الديمقراطيين بقيادة الرئيس السابق باراك أوباما فقط، بل ستشمل وضع حدّ لسياسات كوريا الشمالية خلال العقدين الماضيين، والتي ترتكز على إنتاج أسلحة نووية وتطوير أنظمة الصواريخ.
في هذا الإطار، تعتزم واشنطن تعزيز تحالفاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية، فيما يبقى التعاون الاستراتيجي مع الصين؛ الجانب الأكثر أهمية على صعيد "تطويق بيونغ يانغ".
عملت كوريا الشمالية، على تطوير صواريخها، لا سيما في المرحلة الأخيرة، لتصبح عابرة للقارات، الأمر الذي ساهم بنفاد صبر واشنطن بسبب تحول اليابان وكوريا الجنوبية أولاً والولايات المتحدة ثانيًا إلى هدف مباشر لنظام بيونج يانج.
المشكلة ها هنا لا تكمن في مجرد التجارب الصاروخية والمساعي الكورية الشمالية لتطوير أنظمة صواريخها فحسب؛ بل في قدرة نظام بيونغ يانغ ومن يقف ورائه من الدول، على الصمود أمام مختلف العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة ضده واستمراره في إجراء جميع التجارب لتطوير منظومته الصاروخية والنووية ضاربًا المنظومة الدولية بعرض الحائط.
الصين الدولة الرئيسية في حل الأزمة الكورية
في ضوء هذه التطورات، تحولت جميع الأنظار إلى الصين كونها البلد الوحيد الذي يملك علاقات تعاون تجارية واقتصادية مع بيونج يانج.
ورغم عدم توجيه اتهامات معلنة للصين تتعلق بدعمها لكوريا الشمالية ونظمها الصاروخية والنووية؛ لكن لا يكاد يخفى على أحد أهمية الدور الصيني في انتقال البنى التحتية لمنظومة الصواريخ الكورية إلى مستواها الحالي وتطويره.
وفي السياق ذاته، وانطلاقًا من اعتبار الصين الدولة الراعية لكوريا الشمالية والبلد الرئيس في ملف حل الأزمة الكورية، فقد ركّز تيلرسون أثناء محادثاته مع الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، ورئيس وزرائه "وانغ يي"، على أهمية بناء تحالف استراتيجي بين البلدين.
وهذا ما دفع نائبة وزير الخارجية الأمريكية المسؤولة عن المنطقة الشرقية والمحيط الهادئ، سوزان ثورنتون، بوصف زيارة تيلرسون بـ "محددة النتائج".
العلاقات التي "تركّز على النتائج"
ثورنتون وبعد وصفها زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الصين بمحددة النتائج، أكدت أهمية النهج الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة مع الصين، الذي يستند إلى "مصالح الشعب الأمريكي، ومواصلة تعزيز العلاقات مع الدول الحليفة في المنطقة، والتزام الصين بالقواعد والمعايير الدولية".
تصريح المسؤولة الأميركية حول ضرورة التزام الصين بالقواعد والمعايير الدولية رغم المضمون الدعائي الذي تحمله للمجتمع الدولي، إلا أنها ترسل "رسالة تخويف" للصين حول احتمال ذهاب واشنطن أبعد من البقاء عند التصريحات والتسبب بأضرار للكيانات التجارية والاقتصادية للصين، مع ترك باب إمكانات تطوير العلاقات الثنائية على المستويين الاقتصادي والسياسي مفتوحة أمام بكين.
- خطة عمل الولايات المتحدة
دأبت واشنطن على استخدام سياسة العصا والجزرة مع كوريا الشمالية، ما عدا عهد أوباما الذي استخدم سياسة "الصبر الاستراتيجي".
ومن هنا جاء تصريح تيلرسون الأخير مشددًا على وضع بلاده على الطاولة خيارات شتى على رأسها احتمالات التدخل العسكري ضد بيونغ يانغ. ومقابل ما سبق تتوقع واشنطن من كوريا الشمالية إنهاء نشاطاتها النووية وتجاربها الصاروخية، وإلا فإن الخيار العسكري سيبقى متاحًا في مواجهة التهديدات الكورية.
كما لفت تيلرسون إلى أن بلاده ستعود مجددًا لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية عبر الأمم المتحدة؛ مشيرًا أن العقوبات ستشمل "تدابير جديدة دبلوماسية واقتصادية وأمنية".
هذه التصريحات تعيد الملف إلى الأمم المتحدة وموقع الصين الهام في منظومتها.
- هل تستجيب الصين للتطلعات الأميركية؟
زيارة وزير الخارجية تيلرسون لشرق آسيا، شكلت خطوة هامة على صعيد مواصلة تعزيز العلاقات مع حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لكن مساعي إقامة "تعاون استراتيجي" مع الصين شكّل درة تاج تلك الزيارة.
ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لحل هذا الملف وفقًا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وماهية السياسات التي سوف تتبعها الصين وفق ذلك النهج، والمدى الذي سوف تذهب إليه في استخدام نفوذها على كوريا الشمالية، لا تزال غير واضحة.
لكن أيًّا كان، فإنه من غير الممكن أن نقول إن الحكومة الصينية غير راضية عن التطورات التي تشهدها الساحة الكورية الشمالية في الوضع الراهن.
ومن المعلوم أن كوريا الشمالية تخضع لعقوبات دولية، بموجب 6 قرارات معتمدة من قبل مجلس الأمن الدولي منذ عام 1993.
والعام الماضي، قرر المجلس تشديد العقوبات من خلال قراره رقم 2270، الذي نص على "خضوع جميع الشحنات من وإلى كوريا الشمالية، لتفتيش إلزامي، إضافة لفرض حظر على تصديرها الفحم والحديد والذهب والتيتانيوم والمعادن النادرة، وحظر استيرادها وقود الطائرات، إضافة إلى كل المواد المتعلقة بالنشاط النووي".
وقبل نحو أسبوعين، أدان مجلس الأمن الدولي تجارب الصواريخ الباليستية، التي أجرتها كوريا الشمالية في الخامس من مارس الجاري، وألمح إلى عزمه فرض مزيد من "العقوبات المهمة" على بيونج يانج.