ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن مصر وحركة حماس توصلتا لتفاهمات أمنية وسياسية واقتصادية أوائل العام الجاري 2017، من شأنها إرساء علاقات أفضل بين الجانبين.
ويدلل في طرحه بزيارة وفد من حماس للقاهرة أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، برئاسة إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، وآخرين مثل موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى. ويشير إلى أن الوفد الفلسطيني التقى خلال الزيارة مدير المخابرات المصرية خالد فوزي.
وفي فبراير/شباط الماضي، زار وفد أمني من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس القاهرة.
ويعتبر المقال تلك الزيارات بمثابة التتويج لمحاولات «جس النبض غير الرسمية» في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي 2016، والتي شملت زيارات من قبل أكاديميين وإعلاميين ورجال أعمال من غزة إلى القاهرة.
ووفقًا لتقارير إعلامية، فإن الوفد السياسي لحماس قد وافق على مطالب مصر بوقف تهريب الأسلحة وتسلل المقاتلين عبر الحدود بين غزة وسيناء، ومنع استخدام الجماعات الجهادية المتشددة لقطاع غزة كقاعدة للإعداد لهجمات ضد الجيش المصري بسيناء.
كما تطرقت محادثات الجانبين إلى قائمة من المطلوبين قدمتها القاهرة لحماس، وإعادة فتح معبر رفح، وتوسيع العلاقات التجارية بين مصر وقطاع غزة، والحد من هجوم الإعلام المصري على الحركة، وتوسط مصر بين حماس وإسرائيل وحماس وفتح.
توافق المصالح المشتركة
يلفت المقال إلى أن العلاقات بين حماس والنظام المصري توترت منذ يوليو/تموز عام 2013، بعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
فمصر كانت تعتبر حماس ذراعًا عسكرية للإخوان المسلمين في مصر، واتهمتها بالتورط في اغتيال النائب العام هشام بركات في يوليو/تموز عام 2015.
لكن التحول الأخير في العلاقات بين حماس ومصر جاء نتيجة لتوافق المصالح المشتركة على عدد من الأصعدة كالتالي:
الصعيد الأمني:
تعترف مصر بأهمية التعاون مع حماس حتى تنتصر في صراعها ضد تنظيم (ولاية سيناء) الذي يستخدم قطاع غزة للتدريب وتهريب الأسلحة والمقاتلين ومصابيه من المقاتلين.
كما أن حماس مهتمة بمنع الاتصالات التي تتم بين الجماعات السلفية الجهادية، التي تقوض سلطتها داخل القطاع، وبين نظرائهم بسيناء.
الصعيد السياسي:
تريد مصر تعزيز مكانتها لتصبح اللاعب الإقليمي المهيمن بغزة والقادر على توحيد الصف الفلسطيني والاستعداد لاستئناف عملية السلام.
وترى القاهرة أن احتمالية التوصل للتفاهم مع حماس أفضل من الدخول في صراع عديم الجدوى واتهامها بأنها «جماعة تخريبية» تدعم الإخوان في مصر وتعوق التسوية السياسية مع إسرائيل، وهو ما من شأنه دفع الحركة للاستعانة بخصوم إقليميين كتركيا وقطر وإيران.
الأكثر من ذلك هو رغبة مصر في لعب دور الوسيط في محادثات المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح وفي الاتفاقات المستقبلية بخصوص السجناء بين حماس وإسرائيل.
أما حماس، فمحاولاتها لتجنب مصر بمساعدة رعاة إقليميين آخرين لم تثبت نجاحها حتى الآن، لأن انتقال المساعدات إلى غزة يعتمد على التعاون المصري، فضلًا عن أن هؤلاء الرعاة لم يثبتوا فعاليتهم كوسطاء في التسوية مع إسرائيل.
جانب سياسي آخر، بحسب المقال، يبرز من خلال الأزمة التي نشبت مؤخرًا بين القاهرة ورام الله على خلفية توطيد السلطة الفلسطينية علاقاتها مع قطر وتركيا وعدم رغبة محمود عباس في وجود محمد دحلان «المقرب من مصر» داخل السلطة.
لذا، فإن تحالف المصالح بين حماس ودحلان، الذي يمثل الجانب المعارض لقيادة عباس داخل السلطة الفلسطينية، يشكل أساسًا مناسبًا للحوار مع مصر.
الصعيد الاقتصادي:
تبدي مصر رغبة أكبر في توسيع العلاقات التجارية مع قطاع غزة، الأمر الذي سيساعد على رفاهية القبائل بسيناء، بمعنى أن تسهيل المرور الشرعي للبضائع عبر معبر رفح الحدودي سيساعد على التخفيف من الضائقة الاقتصادية لقبائل سيناء، وسيعمل على استقطاب السكان تجاه النظام المصري في صراعه مع ولاية سيناء.
هناك أيضًا مصلحة اقتصادية لحماس؛ فالعبور الشرعي عبر الحدود من رفح هو السبيل الوحيد لغزة للوصول للعالم الخارجي بعيدًا عن سيطرة إسرائيل.
الصعيد العام:
تأمل مصر في أن يؤدي تحسين علاقاتها مع حماس لتعزيز شرعية نظامها بين الجمهور المصري والعربي بشكل عام. بمعنى أن فتح معبر رفح سيسحب البساط من تحت أقدام الذين يتهمون مصر بالتعاون مع إسرائيل في حصار قطاع غزة وتجاهل المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.
على الرغم من ذلك، لا يجب أن يُفسّر التفاهم الوليد بين حماس ومصر على أنه تغير استراتيجي كبير لأي منهما، لكنه يعكس البراجماتية السياسية لهما في مرحلة محددة. إن ذلك التفاهم أيضًا لا يُخفف حدة الصراع الذي تخوضه مصر ضد الإخوان المسلمين، كما أن استعداد حماس القبول ببعض المطالب الأمنية المصرية ليس تراجعًا عن التزامها تجاه الإخوان المسلمين أو صراعها ضد إسرائيل.
اختبار للعلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية المصرية
ينوه المقال إلى أن إسرائيل ترى أن تحول العلاقات بين مصر وحماس، يشكل اختبارًا مهمًا لازدهار التعاون الأمني مع مصر خلال الأعوام الأخيرة، والذي شكّل الإرهاب العامل المشترك له.
وفي إطار ذلك التنسيق، ينبغي على إسرائيل ضمان أن التفاهمات الأمنية بين مصر وحماس لن تترك للأخيرة مدخلًا مشروعًا لتهريب الأسلحة.
ينبغي على إسرائيل أن توضح للقاهرة أن الفشل الحتمي هو مصير أي ترتيبات تمنح حماس تنازلات على حساب أمن إسرائيل ولا تتطرق للحرب على الإرهاب بسيناء وغزة.
وفي حال كانت التفاهمات بين مصر وحماس تتفق مع المتطلبات الأمنية لإسرائيل، فعلى الأرجح أنها ستخدم المصالح الإسرائيلية في عدد من المجالات كما يلي:
يمكن أن تحد من المعاناة الإنسانية بغزة حيث إن استمرارها قد يؤجج اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وحماس.
يمكن أن تقوّض العلاقات بين حماس والجماعات السلفية الجهادية في سيناء، التي تهدد وتعوق جهود مصر لتحقيق الاستقرار الأمني داخليًا وتحسين وضعها الاقتصادي.
إن زيادة اعتماد حماس على مصر سيضعِف دوافع الحركة للبدء في صراع عسكري مع إسرائيل، وسيعزز من مكانة مصر كوسيط فعال قادر على إنهاء الأزمات المستقبلية بين إسرائيل وحماس.
ينبغي على إسرائيل أن تعمل مع مصر لإجراء حوار استراتيجي يهدف لصياغة تفاهم طويل الأجل وبلورة واقع جديد حول مستقبل قطاع غزة بما يخدم مصالح البلدين.
إن ما قد تتعرض له حماس في الوقت الحالي من أزمات، يتيح لمصر وإسرائيل تخيير حماس ما بين البراجماتية السياسية مقابل إعادة الإعمار الاقتصادي، أو التمسك بالصراع المسلح ما يعمق عزلتها.
النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــــــا