بعد 6 أعوام من إطاحة الحشود الغاضبة به في ذروة الربيع العربي، أفرج أمس الجمعة عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، مما أجهض المحاولات السابقة ﻹتهامه بارتكاب انتهاكات حقوقية، وفساد خلال عقود حكمه الثلاثة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" اﻷمريكية.
وقال فريد الديب محام مبارك: لقد عاد الرجل إلى المنزل صباح الجمعة .. واحتفل بالإفراج عنه بتناول وجبة الإفطار مع زوجته سوزان، وابنيه علاء وجمال".
وبحسب الصحيفة، قرار الإفراج هو الثالث عن مبارك - أحد الحكام العرب الذي كان حليفا ﻷمريكا وصل للسلطة عام 1981- .
وفي 2011، ظهر أن سقوط مبارك يشير إلى تغير كبير في العام العالم العربي، مما أدى إلى تحطيم النظام السياسي الراسخ حينها، وظهر أن الرجل القوي لم يعد محصنا من الملاحقة القضائية، لكن خلال السنوات الماضية ثبت أن اﻷوضاع لم تتغير.
وأوضحت الصحيفة أن إطلاق سراح مبارك سحق آمال التغيير، وأصاب المصريين - الذين خاطروا بحياتهم للإطاحة به- بخيبة أمل دائمة، حتى لو قال البعض حاليا أن التحديات أكبر بكثير من شخص رجل واحد.
ونقلت الصحيفة عن "أحمد حراره" ناشط فقد بصره برصاص الشرطة خلال مظاهرات عام 2011 قوله:" في هذه المرحلة .. أنا حقا لا أهتم .. لقد أدركت منذ سنوات أن مشاكلنا ليس سببها مبارك ونظامه فحسب، بل هو نظام كامل عاد من جديد".
الإفراج عن الرئيس مبارك كان لحظة حساسة سياسيا بالنسبة للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان حريصا على ألا يحدث ردود أفعال عنيفة جراء خروج مبارك.
وفي انعكاس قاطع للقلق الحكومي، أطلق سراح مبارك بسرية تامة، وفي أهدأ أيام الأسبوع في مصر، ولم تتحدث عنه وسائل اﻹعلام الرسمية إلا بشكل طفيف جدا.
مؤيدو مبارك أيضا لم يبلغوا مسبقا بإطلاق سراحه، رغم أنهم كانوا مبتهجين جدا بذلك.
وتقول "رحاب عبد الحليم" إحدى المؤيدات:" الأسد عاد إلى عرينه".
إلا أن العديد من المصريين الآخرين ظلوا صامتين بعد سماعهم اﻷخبار، فهم يترددون أو لا يبالون أو يخشون من التحدث بصراحة عما يدور في عقولهم، ورغم أن مبارك واجه الكثير من الاتهامات، إلا أنه في نهاية المطاف أدين بتهم بسيطة نسبيا، وتوقع عدد قليل أن إطلاق سراحه - وكان احتمال لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات - لن يؤدي إلى أي احتجاجات.
ورغم الملاحقة القضائية، ظل مبارك متحديا، وأصر على أنه تعرض للظلم، بجانب أبنائه، لكن مع مرور الوقت أصبح واضحا لكثير من المصريين أنه رغم رحيل مبارك إلا أن نظامه (الدولة العميقة) - المكونة من بعض المؤسسات السيادية - لا يزال راسخا في مكانه ولن يتخلى عن السلطة بسهولة للمتظاهرين الشباب.
وبعد إدانته عام 2012 بقتل المتظاهرين، حكم على مبارك بالسجن مدى الحياة، ولكن محكمة الاستئناف ألغت هذا الحكم، وأمرت بإعادة المحاكمة، وتمت تبرئته، وتجنب أيضا العديد من اتهامات الفساد.
وعندما تبددت الإرادة السياسية لمحاكمة مبارك، عاد مؤيدوه إلى الظهور علنا، وهتفوا باسمه أمام بوابات المستشفى في أعياد ميلاده، بينما الاحتجاجات ضده طالتها قوانين مكافحة التظاهر.
فريد الديب محامي مبارك، قال إن موكله يعتزم قضاء الأشهر المقبلة في قصره بالقاهرة، وسوف ينضم إلى زوجته، ويتمتع مبارك بامتيازات رئيس دولة متقاعد، بما في ذلك اﻹجراءات الأمنية، رغم أنه منع من مغادرة البلاد بموجب اتفاقات مع "الكسب غير المشروع".
بالنسبة للرئيس السيسي - الذي أصبح نظامه استبدادي بشكل متزايد - فإن خروج الرئيس اﻷسبق مبارك للحياة مرة ثانية، يربك حسابات نظامه.
وفي العام الماضي - على سبيل المثال- انطلقت احتجاجات غير متوقعة في الشارع عندما نقلت مصر السيادة على جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية.
وفي خطاباته الرئيس السيسي يتحدث عن ثورة 2011، ولكن في الواقع، قام بسحق المعارضة وسجن عشرات الآلاف من المعارضين وسعى إلى تعزيز قبضته على البرلمان والأجهزة الأمنية، في حين سمح بظهور رجال مبارك السابقين، والكثيرين من المتهمين بقضايا رشوة وفساد، وعودتهم إلى الحياة المدنية.
وبالإفراج عن مبارك تنتهي عملية إعادة النظام القديم إلى الحياة مرة أخرى، ولكن حتى المعارضين الأكثر شراسة للرئيس مبارك يقولون إن السيسي لن يواجه مشاكل كبيرة هذه المرة.
وقال منتصر الزيات - محام إسلامي سجن أربع مرات خلال حكم مبارك:" كل شيء مقلوب .. الطريق إلى الديموقراطية محظور.. المصريون لا يشعرون بالأمان في التعبير عن آرائهم ... ولا يمكنهم التظاهر في الشوارع دون المخاطرة بالقتل أو السجن.. لذلك أصبح من المقبول خروج مبارك".
الرابط اﻷصلي