"كان البعد الاجتماعي وسيظل المحور الأساسي المحرك لكافة سياساتنا الاقتصادية، وضعنا سياسات واضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية ولتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي"، قالها مبارك قبيل رحيله ليؤكد انحيازه للفقراء ومحدودي الدخل.
في المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني"المنحل"، في ديسمبر عام 2010، قال مبارك إنه يتبع سياسات محددة لاستهداف الفقر تمكن غير القادرين للخروج من دائرته ومعاناته، إلا أنه بعد نحو شهر اندلعت ثورة 25 يناير التي رفعت شعار "عيش.حرية. عدالة اجتماعية".
الحديث عن الانحياز لمحدودي الدخل وحمايتهم اجتماعيا، انتقل من الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي طالما وعد المواطنين منذ ترشيحه للانتخابات الرئاسية بتحسن أحوالهم المعيشية .
وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في أكتوبر 2016، فإن نسبة الفقر المدقع في مصر ارتفعت إلى نسبة 5.3 % من السكان في 2015، مقارنة بـ 4.4 % في عام 2012، مرجعا ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية .
التقرير ذاته أشار إلى أن نسبة الفقراء في البلاد صعدت من 25.2% في العام 2011، إلى 26.3% في 2013، وواصل الارتفاع إلى 27.8% في 2015.
نهاية عام 2015 الذي رصده التقرير أكد السيسي، خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، بأنه يولي اهتماما كبيرا بمحدودي الدخل، لاسيما فيما يتعلق بتخفيض الأسعار.
وتوجه السيسي للحكومة قائلا :"اشعروا بالمواطن محدود الدخل لأن الاهتمام بمحدودي الدخل،يعني كرامة المواطن المصري،وكرامة المصري هي إحدى أهم دعائم استقرار الدولة".
وفي نهاية شهر ديسمبر 2016 طالب السيسي المواطنين بتحمل نتيجة الإصلاح الاقتصادي قائلا :"من فضلكم قفوا جنب بلدكم مصر ستة شهور فقط"، وجاء ذلك خلال افتتاحه المرحلة الأولى للمزارع السمكية بمحافظة الإسماعيلية.
قبلها بثلاثة أشهر وعد السيسي أيضا، بحل مشكلة ارتفاع الأسعار التي يعاني منها المصريين، وقال خلال افتتاح مشروع بشاير الخير بالإسكندرية:"خلال شهرين على الأكثر، السلع سيتم خفضها، نتيجة زيادة المعروض، بغض النظر عن سعر الدولار وهذا التزام من الحكومة للشعب المصري".
وجاء الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات نتيجة السياسات التقشفية التي اتبعتها الحكومة، بداية من تخفيض دعم المواد البترولية في يوليو 2014، ورفع أسعار الكهرباء والمياه، وفرض قانون ضريبة القيمة المضافة.
واتجهت الحكومة لتحرير سعر الصرف، في شهر نوفمبر الماضي، ما أدى إلى تزايد الأعباء المادية على المواطنين، حتى قررت مؤخرا رفع سعر تذكرة مترو الانفاق 100 % لتتضاعف إلى 2 جنيه بدلا من جنيه .
وما بين وعود وتوجهيات السيسي والإجراءات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، تبقى معاناة محدودي الدخل،من يدفعون فاتورة الإصلاح الاقتصادي، بحسب عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، لافتا إلى أن كل هذه القرارات هي تنفيذ لشروط صندوق النقد الدولي.
وأضاف عامر، لـ "مصر العربية"، أن تحرير سعر الصرف أثر بشكل مباشر على محدودي الدخل، نتيجة ارتفاع جميع أسعار السلع الأساسية، مع محدودية الأجور وعدم تعويض المواطنين عن التضخم الذي ارتفع بنحو 8 % ليصل إلى 28 %.
وأشار، إلى أن قانون الخدمة المدنية "كتف" الدولة عن أي زيادة في الأجور، منوها إلى أن "إصلاح الجهاز الإداري" كان أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرض بقيمة 12 مليار دولا.
ورأى عامر، أنه كان هناك بدائل أخرى كان يمكن أن تلجأ لها الحكومة حتى لا تؤثر على محدودي الدخل، منها إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وفرض الضرائب التصاعدية التي يقف ضدها رجال الأعمال، محذرا من موجة غضب شعبي شديدة إذا استمرت هذه السياسات.
واتفق معه زهدي الشامي،نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مؤكدا أن تكرار وعود السيسي عن عدم المساس بمحدودي الداخل يحمل الكثير من التناقض مع السياسات التقشفية التي تتبعها الحكومة على أرض الواقع .
وقال الشامي، إن هناك غلاء في كل شيء "فواتير كهرباء وماء"، وتضاعف أسعار الخدمات وأخرها تذكرة المترو، مشيرا إلى أنه نتيجة هذه السياسات مع عدم وجود إجراءات تعويضية، ارتفعت نسبة الفقراء في مصر.
وتابع: "اللجوء للاستدانة طوال الوقت ينم عن سياسة غير رشيدة تحكم البلاد، الـ 12 مليار دولار ليسوا هم الانقاذ، لو أدارت الحكومة السياحة بشكل جيد لم تكن لتلجأ إلى القرض ولتحسن الوضع الاقتصادي ".
ووصف أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية، تأثير الإجراءات الاقتصادية على محدودي الدخل بـ "العنيفة المدمرة"، مشددا أنها لم تراع الظروف الاقتصادية لشرائح المجتمع المختلفة، وتخلو من البعد الاجتماعي.
وأردف :" سياسة الحكومة تبحث عن بقايا أي أموال في جيوب الفقراء ومتوسطي الدخل، وتجور على محدودي الدخل والطبقة الوسطى، هي أقرب للسياسة الانتقامية ".
وعن حديث الرئيس عن مرعاة محدودي الدخل علق :"السيسي يستطيع أن يحصل على وسام الدرجة الأولى في رؤساء الجمهورية الذين وعدوا ولم ينفذوا وعدوهم"، مستطردا:"الشعب لم يجد إلا سوط الدولة عليه".
ونوه دراج، إلى أن مبارك رغم الفساد الذي استشرى في عهده إلا أنه كانه يملك حس سياسي، يجعله يعي مخاطر القرارات الاقتصادية التي تؤثر على المجتمع بهذا الشكل، لذلك لم يتخذ إجراءات بهذه القسوة تنال من محدودي الدخل.