اتسعت دائرة الفقر في مصر لتشمل فئات جديدة، عقِب قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف نوفمبر الماضي، بحسب خبراء، حيث أدى القرار لتآكل قيمة دخول المصريين.
وانهار الجنيه المصري بعد التعويم مسجلًا الأداء الأسوأ خلال 2016 بين عملات العالم، بحسب تقرير صادر عن «بلومبرج»، حيث انخفض بنسبة 58.84% في 2016.
ومع انخفاض قيمة الجنيه، ظلت الأجور كما هي خلال هذا العام، الأمر الذي هبط بالقوة الشرائية للمواطنين لأكثر من النصف، ودفع بالكثير من الطبقة الوسطى إلى الفقر.
وفي نوفمبر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار بعدما التزمت الحكومة بخطة إصلاحات، بما في ذلك تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه).
وكانت وثائق قرض صندوق النقد الدولي التي تم الكشف عنها في يناير الماضي خلت من أية إشارة إلى معدلات الفقر المستهدفة في مصر خلال العام المالي الحالي 2016/2017.
ولفتت الوثائق إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر يركز على تقليص عجز الموازنة، ووضع الدين العام على مسار هبوطي واضح في الأجل المتوسط، بما يسمح بخلق مساحة أكبر للإنفاق على البنية التحتية، وتخفيف وطأة الفقر، وتحسين قطاعات الصحة والتعليم والإنفاق الاجتماعي.
محمد الشيمي الخبير الاقتصادي، قال إنه يجب التفريق أولًا بين عمل المؤسسات المالية، فصندوق النقد يعالج السياسات المالية، أما البنك الدولي يُعالج السياسات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن قرار التعويم أدى لرفع الأسعار، لأن السلع المستوردة بالدولار (8 جنيه) أصبحت بـ«دولار» ما بعد التعويم (18 جنيه).
وأضاف «الشيمي» في تصريحات خاصة لـ«مصر العربية»، أنه مع الارتفاع الكبير في الأسعار ظل دخل المواطن كما هو دون تغيير، وهو ما أثر بالسلب على كافة فئات المجتمع، مضيفًا: «الحكومة لجأت إلى برامج الحماية الاجتماعية، كبرنامج "التكافل" وكذلك الدعم العيني، في صورة السلع التموينية».
قرارات الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومة، كانت أكثر صعوبة على محدودي الدخل والفقراء، والذين يمثلون قرابة 30% من إجمالي عدد المصريين وفقًا لأرقام جهاز الإحصاء المصري، والتي جاء بعضها في إطار اشتراطات مؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي.
كما لم يسلم المرضى من قرارات الحكومة التي رفعت أسعار الدواء بنسب تتراوح بين 30 و50%، بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري، بحجة ارتفاع كلفة إنتاج واستيراد الدواء.
وتسبب إقرار الحكومة وموافقة مجلس النواب على قانون ضريبة القيمة المضافة عاملًا مباشرًا في زيادة معاناة المصريين من أزمة الأسعار، وجاءت نسبة الضريبة الجديدة في حدود 13% في العام الأول من صدور القانون ترتفع في يوليو المقبل إلى 14%.
«الشيمي» أكد أنّ مشكلة مصر الأساسية تكمن في الإحصاء، فالحكومة حتى الآن لم تُحدد ما هي الفئات المستحقة للدعم، فالحكومة عاجزة عن تحديد الفئات المستحقة للدعم، دون معرفة أسباب ذلك، ومن المفترض أن هذا أمر بالغ السهولة.
وبالنظر إلى أرقام خط الفقر الرسمية نجد أنها اختلفت اختلافا جذريا في الوقت الحالي بعد وصول سعر الدولار إلى 18 جنيها، ما يعني أن الفرد يحتاج إلى 1026 جنيها، لكي ينجو من الفقر، وهو الأمر الذي يثير التساؤل عن نسبة المواطنين الذين دخلوا تحت خط الفقر بعد التعويم.
وبحسب آخر تقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت نسبة الفقراء إلى 27.8% خلال عام 2015 مقابل 25.2% عام 2010- 2011، وذلك وفقا لبحث الدخل والإنفاق، ومن المتوقع أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت بشكل ملحوظ خلال هذا العام، بحسب الخبراء.
وقال «الإحصاء» إن نسبة الفقر المدقع ارتفعت لتصل إلى 5.3% من السكان خلال عام 2015، مرجعا ذلك لارتفاع أسعار السلع الغذائية، حيث بين أن 322 جنيهًا هو متوسط قيمة خط الفقر المدقع للفرد في الشهر عام 2015، في حين أن 482 جنيهًا هو قيمة خط الفقر الكلي للفرد في الشهر.
أحمد خزيم، المستشار الاقتصادي للمجموعة المصرية للإدارة، قال إن الشروط التي يضعها صندوق النقد على أي دولة بها عجز في الموازنة، تكون متجهة لتعويض الفاقد في العجز، ودائمًا يتحمل هذا الفارق شعب هذه الدولة، مضيفًا: «للأسف مصر طبقّت برنامج الإصلاح المكثف».
وأوضح «خزيم» في تصريحات لـ«مصر العربية» أن هذا البرنامج المكثف، أدى لرفع نسبة التكلفة في كافة المدخلات غير المباشرة في الصناعة المصرية من كهرباء، ومياة ونقل وضريبة قيمة مضافة، ورفع للخدمات أيضًا».
وأضاف: «كل ما سبق أكد أن هذه ليست قرارات إصلاح اقتصادي، حيث ارتفعت نسبة التضخم، ولم تستطع الحكومة السيطرة على الأسعار، ومع تحرير سعر الصرف، فقدت العملة أكثر من 60 % من قيمتها وقوتها الشرائية، وهو مارفع نسبة الفقر لنفس النسبة تقريبًا».
وتابع: «كان يجب تحرير سعر الصرف تحريرا مدارا وليس مُطلقا، وإصدار مجموعة من التشريعات والقوانين، لتبسيط الإجراءات وفتح شرايين الاقتصاد المصري لاستقبال المنشئات والمصانع الجديدة وفتح المصانع المغلقة»، مشيرًا إلى أن الحكومة كان يجب أن تُفكر في كيفية النهوض بالصناعة من أجل تصدير منتج مصري، كان كفيلا برفع قيمة الجنيه، والبحث عن بدائل مصرية للحد من الاستيراد، لكن الحكومة لم تفعل كل ذلك.
الخبير الاقتصادي قال: « الحكومة اتجهت للجانب الإيرادي لسد العجز وليس الجانب التنموي، والنتيجة أن مصر الآن في "الدائرة الجهنمية"، لأن الحكومة بتقترض ومدمنة على الاقتراض بشكل غير طبيعي».
وأنهى تصريحاته لـ«مصر العربية» قائلًا: «بالتأكيد ستزيد نسبة الفقر الفترة المقبلة، وهي بدأت تزيد فعلا ومرشحة للارتفاع بشكل مُخيف، حتى أن هناك خطرا كبيرا على الطبقة الوسطى التي بدأت تختفي».
من جانبه، رأى أشرف إبراهيم، الباحث الاقتصادي، أن منظومة الرعاية الاجتماعية بأكملها في حاجة إلى إعادة نظر، موضحا أن خط الفقر الجديد بعد تعويم الجنيه يعني دخول شريحة ضخمة من الطبقة المتوسطة تحت رايته البغيضة.
وقال «إبراهيم» في تصريحات سابقة، لـ«مصر العربية» إن هذا الأمر يهدد البنيان الاجتماعي في مصر، لتصبح الظروف مهيأة بشكل أكبر لحدوث اضطرابات وقلاقل الاقتصاد الكلي في غني عنها.
وأوضح أن أجندة الإصلاح الاقتصادي التي تطبقها الحكومة المصرية بإيعاز من صندوق النقد الدولي، تفتقر إلى دعم ومساندة الطبقات الفقيرة والمتوسطة في مصر بشكل حقيقي، على الرغم من مطالبة الصندوق مصر أن تقوم بإجراءات تخفف من وطأة ما يسمى بـ«برنامج التكيف الهيكلي» الذي تقوم به الحكومة.
وبالرجوع لتقرير التنمية البشرية لعام 2016 الذي أصدرته وزارة المالية، نجد أن خط الفقر المدقع الغذائي، الذي يمثل كلفة البقاء على قيد الحياة، يقدر بنحو ألفين و570 جنيهًا في عام 2013/2012، ويعتبر الشخص فقيرًا فقرًا مدقعًا على المستوى الغذائي إذا قل إنفاقه عن ذلك الخط.
ويعرف البنك الدولي الفقر حول العالم، بأنه الوضعية التي يقل فيها دخل الفرد الواحد عن 600 دولار أميركي سنوياً.
وارتفع عدد سكان مصر من 72.8 مليون نسمة في 2006 إلى 76.1 مليون نسمة مطلع 2009 إلى 92.1 مليون نسمة بداية 2017، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.