"إن الله يعطي الفقراء ألوانًا من السعادة أعظم ما فيها أن الأغنياء يعجزون عن شرائها بالمال، كأن الله صنعها للفقراء".. كلمات معبّرة كتبها الروائي الكبير محمد عبد الحليم عبد الله في مجموعته القصصية «ألوان من السعادة».
ويبدو أن لكرة القدم النصيب الأكبر من تلك الحكمة والقسمة الإلهية كونها قائمة في المقام الأول والأخير على الموهبة الفطرية التي يمنحها الله لبعض البشر دون غيرهم، ويلعب الجانب الأكاديمي والتنظيمي دورًا في تنميتها وإدارتها بالشكل الأمثل، ولكن دون الموهبة فلا يمكنك أن تصبح نجمًا مهما امتلكت من النفوذ والمال في أي مكان على وجه الأرض.. جمهورية كرة القدم لها قواعدها الخاصة. الساعدي القذافي
ولد الساعدي نجل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في الخامس والعشرين من مايو عام 1973، وحاول أن يبدأ رحلته الخاصة للتميز بعيدًا عن اهتمامات باقي أفراد عائلته، فوجد في كرة القدم الملاذ. بدأ الساعدي مسيرته في صفوف أهلي طرابلس لموسم واحد 1990/91، ولكنه لم يجد ضالته هناك فعاند اخوته بالانضمام إلى الغريم التقليدي في العاصمة فريق نادي الاتحاد ليبدأ معه الرحلة التي لا ينساها كتاب تاريخ الساحرة المستديرة.
امتلك الساعدي نادي الاتحاد الليبي وأصبح رئيسًا له ولاعبًا في التوقيت ذاته، وشارك في 336 مباراة مسجلاً 146 هدفًا في المسابقات المحلية، لكنه لم يترك أي بصمة على مستوى المسابقات القارية.
وسيطر على منتخب ليبيا ليشارك في 85 مباراة دولية مسجلاً 32 هدفًا.
وللساعدي لقطة عجيبة عالقة في ذاكرة الجماهير عندما احتسبت لصالحه ركلة جزاء فسددها وارتدت من القائم لكنه احتفل باعتبارها هدفًا وهو ما استجاب له الحكم الذي أطلق صافرته معلنًا تسجيل نجل الرئيس للهدف!
القذافي في الدوري الإيطالي
بحث القذافي الصغير عن النجومية من خلال كرة القدم، لكنه أدرك متأخرًا أن استمراره في الدوري الليبي لن يمنحه ما يصبو إليه، فشد الرحال إلى إيطاليا وانضم إلى نادي بيروجيا المنافس في الدوري الإيطالي الممتاز.
وكان لوسيانو جاوتشي، مالك نادي بيروجيا في هذا التوقيت، الوحيد بين رؤساء الأندية الإيطالية ترحيبًا بضم القذافي إلى صفوف فريقه بحثًا عن الشهرة والدعم السياسي.
وظهر القذافي الصغير بقميص بيروجيا في الدوري الإيطالي لمدة 15 دقيقة فقط خلال مسيرته في مباراة أمام يوفنتوس وقيل أنه اشترط في تعاقده مع بيروجيا اللعب أمام اليوفي الذي تملك عائلته جزءًا كبيرًا من أسهمه عن طريق شركة فيات.
أودينيزي وسامبدويا.. والعودة
انضم الساعدي لصفوف أودينيزي في الموسم 2005/06 وكرر الأمر ذاته فلم يشارك سوى في مباراة وحيدة أمام كالياري في الدوري ولمدة 11 دقيقة فقط، قبل أن ينتقل إلى سامبدوريا، حيث اختفى تمامًا ولم يشارك في أي مباراة رسمية.
وملّ الساعدي من الساحرة المستديرة التي أدارت ظهرها له، وتحوّلت في حالته إلى «الساخرة المستديرة» بسخريتها منه ومن أمواله، وإنصافها للفقراء أصحاب المواهب في إيطاليا على نجل الزعيم الليبي صاحب النفوذ السياسي والمال الوفير، وخصوصًا عقب إيقافة لمدة 3 شهور بتهمة تعاطي المنشطات المحظورة.
وقرر نجل الرئيس العودة إلى بلاد أبيه والرحيل عن إيطاليا ليستعيد بريقه بتولي رئاسة الاتحاد الليبي لكرة القدم والإعداد لملف استضافة ليبيا لنهائيات كأس العالم 2010 وهو ما فشل فيه أيضًا.
ماذا قالوا عنه؟
حافظ زملاء الساعدي القذافي على علاقتهم به في بيروجيا وأودينيزي وسامبدوريا بسبب الأموال التي أغدقها عليهم خلال وجوده لاعبًا ضمن صفوف هذه الأندية رغم عدم مشاركته في المباريات الرسمية إلا لدقائق معدودة.
وحسب تصريحات سالفاتور فريزي، لاعب إنتر وبيروجيا السابق، وكذلك إيمانويل بريتوني مهاجم بيروجيا السابق، فإن القذافي الصغير كان شديد البذخ خلال وجوده في إيطاليا، ووصل الأمر إلى تناول العشاء في ميلانو والعودة إلى بيروجيا بالطائرة للمشاركة في المران الصباحي، وإهداء جميع لاعبي الفريق سيارات فارهة قبل مشاركته أمام يوفنتوس في الدوري.
وقال الدولي المغربي جمال عليوي، ظهير أيمن بيروجيا الإيطالي السابق، إنه زامل القذافي في الدوري الإيطالي ويملك ذكريات طيبة معه خلال الفترة التي قضاها لاعبًا ضمن صفوف بيروجيا.
وأوضح عليوي، في تصريحات خاصة لـ"ستاد مصر العربية"، أن القذافي الصغير كان لاعبًا موهوبًا، ولكنه لم يكن ليحصل على الفرصة في فريق بيروجيا خلال هذه الفترة بسبب المنافسة الشرسة في خط هجوم الفريق الإيطالي.
وقال ظهير أيمن منتخب المغرب: "الساعدي كان رائعًا في تعامله مع كل لاعبي الفريق، والجميع يذكرونه بالخير، ولم يلعب لأجل المال أو لأنه يملك المال، ولكن المنافسة لم تكن سهلة في هذا التوقيت".
الوجه الآخر
أشارت أصابع الاتهام إلى الساعدي القذافي في واقعة مقتل بشير الرياني، أحد نجوم منتخب ليبيا، حينما وصف نجل الرئيس باللاعب الفاشل، لكن لم يجرؤ أحد في ليبيا خلال هذه الفترة على توجيه الاتهام بشكل رسمي إلى الساعدي.
كما تتذكر الجماهير الليبية واقعة إطلاق الكتيبة المسلحة التابعة للساعدي النيران على الجماهير في مباراة أهلي طرابلس والاتحاد في الدوري الليبي وهي الواقعة المؤسفة التي خلفت أكثر من 20 ضحية.
وأمر الساعدي بإقالة الإيطالي فرانكو سكوليو، المدير الفني السابق لمنتخب ليبيا، عقب واقعة رفض الأخير إشراكه في مباراة رسمية للمنتخب الليبي.
استطاع الساعدي استغلال أمواله ونفوذه أبيه السياسي ليصبح هدافًا للدوري الليبي، ورئيسًا لنادي الاتحاد، وأخيرًا رئيسًا للاتحاد الليبي لكرة القدم، ولكنها فشلت في أن تمنحه الموهبة الفطرية، وانكشفت عورته الرياضية في الدوري الإيطالي رغم المبالغ التي أنفقها ليحصل على سعادة ونجاح وهبهما الله لفقراء الأرض ليحقق عدله وتتجلى لنا حكمته في تقسيم الأرزاق.