بدأت جولة جديدة من صراع السلطتين التنفيذية والقضائية، بموافقة مجلس النواب على تعديل ضوابط تعيين رؤساء الهيئات القضائية، المقدم من النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب، وإحالته لمجلس الدولة، رغم اعتراضات القضاة عليه.
فالقانون المُحال لمجلس الدولة، يلقى اعتراضات كبيرة، ورأى قضاة سابقون أنه يتيح لرئيس الجمهورية التدخل في شئون السلطة القضائية، إضافة لإخلاله بمبدأ الأقدمية المتعارف عليه في اختيار رؤساء الهيئات القضائية.
وينص القانون محل الصراع بأن تختار كل هيئة قضائية سواء المجلس الأعلى للقضاء، أو النيابة الإدارية، أو مجلس الدولة، أو هيئة قضايا الدولة، 3 مرشحين من بين أقدم 7 أعضاء وترفعهم لرئيس الجمهورية ليختار من بينهم رئيس للهيئة، لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية، حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله.
وبالعودة إلى دفاتر التاريخ وتحديدا منذ ثورة 1952، نجد أن السلطتين التنفيذية والقضائية دخلا في جولات عديدة من الصراع رغم اختلاف رؤساء الجمهورية.
جمال عبدالناصر
بدأت الأزمة بين عبد الناصر والقضاة، باعتلاء أعضاء مجلس قيادة الثورة منصات القضاء في المحاكم الاستثنائية بعد 1952 تحت شعار "التخلص من خصوم الثورة، والتي مهدت لما سُمي بـ "مذبحة مجلس الدولة، الذي كان يرأسه حينها المستشار عبدالرازق السنهوري، الذي أشيع عنه حينها مناصرته لمحمد نجيب، واقتحمت مظاهرة عمال مجلس الدولة واعتدت عليه في مكتبه، ليقوم بعدها عبدالناصر بإعادة تشكيل مجلس الدولة واستبعاد 11 مستشارا على رأسهم السنهوري ذاته.
أما عام 1962 أسس عبدالناصر الاتحاد الاشتراكي العربي، وضم له جميع أجهزة الدولة باعتباره تنظيما سياسيا شعبيا، وحينها رفض بعض رموز القضاء خضوعهم لتنظيم سياسي ، كان على رأسهم المستشار ممتاز نصار، الأمر الذي قابله الرئيس الراحل باستقطاب مجموعة من القضاة الموالين له، وشكل بهم ما سُمي بـ" التنظيم السري" الذي كان بمثابة جهاز أمني للتجسس على القضاة من الداخل.
وفي عام 1969 كانت "مذبحة القضاة" عندما رفض عبدالناصر نتيجة انتخابات نادي القضاة، التي انتصرت فيها قوائم "القضاة الأحرار" بقيادة ممتاز نصار، على قوائم "التنظيم السري" التابعة للسلطة، وأصدر قوانين تحت شعار إصلاح القضاء وإحداث ثورة تشريعية، مثل إعادة تشكيل الهيئات القضائية مما أسفر عن عزل 189 قاضيا بينهم رئيس محكمة النقض، وجعل نادي القضاة بالتعيين حسب الأقدمية، إضافة لضم الهيئات القضائية بكاملها تحت مسمى المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه رئيس الجمهورية، بما يعني خضوع القضاء للسلطة التنفيذية.
محمد أنور السادات
بدأ عهده بمصالحة القضاة بإصدار دستور 1971 الذي ضمن استقلال السلطة القضائية، وإعادة القضاة الذين استبعدهم عبدالناصر وتكريم شيوخ القضاة وعلى رأسهم السنهوري، إلا أنه عام 1979 شهد انقلابه على القضاة، وشرع في إجراء تغييرات واسعة في الهيئات القضائية، عقب مهاجمة المستشار أحمد جنينة، رئيس نادي القضاء حينها له، أثناء الاحتفال بعيدهم، وطالبه بتعديل أوضاع الحريات وإلغاء الطوارئ لأن الحرب قد انتهت.
ورضخ السادات لإلغاء الطوارئ، لكنه أصدر قانونا للعقاب على ما وصفه بـ "الجرائم الاجتماعية" وأنشأ محكمة القيم ويصدق على إنشاء محاكم أمن الدولة.
محمد حسني مبارك
بداية جولات الصراع مع السلطة القضائية كانت بتقديم المستشار عبدالغفار محمد، ببلاغ لمجلس القضاء الأعلى يتهم مباحث أمن الدولة بالتنصت على غرفة مداولات القضاة، عقب نشر تسجيل صوتي له يثبت تعرض المتهمين في قضية الجهاد الكبرى إلى التعذيب من قبل مباحث أمن الدولة ويأمر بإعادة التحقيقات.
وفي عام 1986 عقد القضاة مؤتمر "العدالة الأول"، وطالبوا خلاله بتحرير السلطة القضائية مِن الهيمنة الإدارية والمالية للسلطة التنفيذية، وكان في مقدمة هذه المطالب نقل تبعية التفتيش القضائي وصندوق الرعاية الصحية من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى، وتخصيص موازنة مالية منفصلة للقضاة، كما هاجم المستشار يحيى الرفاعي، رئيس نادي القضاة، الرئيس الأسبق مبارك في حضوره؛ لتمديده قانون الطوارئ لعامين ومطالبته باستخدام سلطاته لإلغائه، وكانت هذه الحادثة بداية لتوتر شديد في علاقة مبارك بالقضاء.
وجاء تزوير الإنتخابات البرلمانية في 2005، ليكون إحدى جولات الصراع بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وتم تحويل المستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي إلى مجلس تأديبي بتهمة الإضرار بسمعة القضاء المصري بحديثهما لمحطات فضائية وصحف مصرية وعربية عن التجاوزات التي وقعت في هذه الانتخابات.
وقرر نادي القضاة حينها برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز الاعتصام احتجاجا على مجالس تأديب القضاة، وللمطالبة بصدور قانون السلطة القضائية الذي يمنح للقضاء سلطة التفتيش القضائي بدلا من وزارة العدل، لكن النظام مرر قانون السلطة القضائية الجديد وتمديد سن التقاعد للقضاة من أجل التمديد لرؤساء المحاكم "الموالين للنظام" وتقليص صلاحيات نادي القضاة.
وفي 2007 ألغت الدولة الإشراف القضائي على الانتخابات وقلصته لمستوى اللجان العامة من خلال التعديلات الدستورية التي أجرتها قبل الانتخابات الرئاسية، وتبع ذلك تزوير انتخابات 2010 وصدور أكثر من 600 حكم ببطلانها.
محمد مرسي
بدأ الصدام مع السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الدستورية العليا ونادي القضاة، عندما قرر الرئيس الأسبق محمد مرسي عودة مجلس النواب المنحل بحكم "الدستورية"، ووصل الصدام لذروته في 22 نوفمبر 2012 بالإعلان الدستوري الذي حصن قراراته من الطعن القضائي لحين انتخاب مجلس النواب.