لم تمنعها سنوات عملها في الصحافة من حزم حقائبها وتغيير مسار حياتها بشكل كامل، فتاة صغيرة في الـ 28 من عمرها، بدأت العمل في الصحافة استجابة لشغف داخلي دفعها للبحث عن الجديد، إلا أنها لم تجد فيها ما تبحث عنه، فدفعها الشغف مرة أخرى إلى مهنة تحتم عليها الانتقال لمدينة أخرى تعيش فيها بمفردها دون أهل، أو أصدقاء، أو حتى رفقاء مهنة.
منذ بداية 2016 بدأت إيمان سليم الصحفية السكندرية التفكير الجدي في ترك المهنة، رغم عملها في أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة، والاشتراك في إعداد برنامج تلفزيوني، إلا أن ذلك لم يجعلها تغفل النداء الداخلي الذي يدفعها للبحث عن الذات، حتى قررت الذهاب في رحلة استجمام لمدينة دهب في جنوب سيناء.
لم تكن الظروف المادية لإيمان تساعدها على خوض تجربة السفر، في الوقت الذي رفض فيه والدها مدها بما تحتاجه من مال، معلنا رفضه لفكرة السفر أيضا، فتحاول إقناعه بأن سفرها للترفيه عن النفس وخلق وقت ومساحة للتفكير واتخاذ قرار في حياتها، ثم تبدأ في البحث عن طريقة للتواصل مع أي صديق يعمل في دهب، وتنجح في الوصول عن طريق أحد الأصدقاء لمالك مركز للغطس، فتعلن عن تنظيمها رحلة لمدينة دهب من خلال حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي"فيس بوك".
الصدفة لعبت الدور الأكبر، هكذا وصفت إيمان الأمر، حيث تركت الإسكندرية برفقة قريبة لها متوجهة إلى دهب لاختيار الفندق الخاص بالرحلة والاطمئنان على كافة التفاصيل، على أنت تعود الإسكندرية بعد 3 أيام، إلا أنها لم تعد، فخلال تواجدها في دهب تلقت عرضًا للتدريب والعمل في مركز الغطس الذي ساعدها مالكه في الوصول للفنادق في دهب، لتبدأ رحلتها للترفيه وتعقبها رحلة العمل.
تقول إيمان إن الملل وفقدان الذات كانت الأسباب الحقيقية وراء تركها للصحافة، إلا أنها طوال هذه المدة لم تقرر العمل في الغطس، ولم تمر الفكرة عليها من قبل، موضحة أن العرض الذي تلقته يتضمن حصولها على "كورسات" الغطس، مقابل العمل في المركز، على أن يتحمل المركز الإقامة والإعاشة، وافقت إيمان على العرض مشترطة أن تجرب لمدة أسبوعين حتى تتأكد من قدرتها على العمل في هذا المجال، وهو ما تأكدت منه بالفعل فقررت الاستمرار.
7 أشهر هي مدة عملها في مركز الغطس، تخطت خلال هذه الفترة مشكلات كثيرة تراكمت في الأشهر الأولى من عام 2016، بداية من مرض أحد أخوتها، وهو ما سبب لها ضغطًا نفسيًا كبيرًا، تقول إيمان إن حصولها على فرصة جديدة يعد بمثابة تعويض من الله سبحانه وتعالى مضيفة"كأن ربنا كان بيجبر بخاطري"مشيرة إلى أنها كانت تحلم بالعمل خارج الإسكندرية، ودائما ما يأتي الرد"أنت بنت حتسافري إزاي؟ لو حتسافري حتنحرفي"، معلقة: "الموضوع مش كده تماما".
عقب مرور الأسابيع الأولى وافقت إيمان على العمل مقابل راتب بسيط لا يقارن بما كانت تتقاضاه في العمل الصحفي، إلا أنها وافقت راضية وسعيدة بالتجربة، وبدأت في الحصول على الكورسات الخاصة بالغطس، انهت جزءًا منها ومستمرة في التدريب، فتقول إن الجزء المتبقي من التدريبات تبلغ تكلفته ما يقرب من 100 ألف جنيه، ورغم عدم امتلاكها لجنيه واحد من هذا المبلغ، إلا أنها قررت الاستمرار في خطواتها تجاه هدفها.
أكثر ما يؤرقها الابتعاد عن أسرتها وأصدقائها، مؤكدة أنه في حالة انتقالهم إلى هناك لن تكن في حاجة لشيء آخر، مشيرة إلى أن عملها في دهب جعلها محط أنظار الجميع، سواء بين المعارف والأصدقاء، أو المحيطين بها في دهب، فدائما تواجه أسئلة عن كيفية التعايش وحدها، وماذا تأكل، وكيف تتعامل مع الناس، وغيرها، موضحة أن الأمر في البداية كان صعب، فهي تعيش وسط أناس لم تعرف طباعهم، إلا أنها بمرور الوقت تمكنت من التعايش معهم.
رغم مقابلتها لكثير من الأشياء القادرة على تغييرها فكريا وثقافيا، إلا أن إيمان ظلت متمسكة بقناعاتها، مرجعة ذلك للتربية معلقة: "اللي اتربى أنه يكون حر بيفضل حر طول عمره حتى لو في وسط النار". وأشارت إلى أنها وجدت نفسها في هذه المهنة وعدم وجود بنات مصريات يعملن في المجال بعدد كبير دفعها للمغامرة فتقول"البنت تقدر تعمل ألف حاجة صعبة مش سهلة، لو هي قررت أنها تعمل ده".
الاكتفاء بالنفس شعور وصلت له إيمان عقب خوضها تجربة العمل في الغطس، فهي تقوم بعمل ما تحلم به دون تغيير أي من مبادئها أو ما تربت عليه، مضيفة"لما تلاقي نفسك جواكي بتستكفي" مشيرة إلى أنها لا تفكر في الارتباط بقدر رغبتها في أن تكون شخصية ناجحة، مشيرة إلى أنها خاضت تجربة الارتباط "الخطوبة" منذ 3 سنوات، ولم تكن تتوقع أن تكون هذه التجربة ستكون نقلة أخرى في حياتها، موضحة أن تفكيرها اختلف تماما، وأنها ترغب في أن يقبلها من ترتبط به بكل ما فيها معلقة: "يكون حد بيسندك لفوق مش لتحت".
صعوبات كثيرة قابلتها خلال الفترة الماضية من ضغط عمل، وضعف الأجر إلا أن ذلك لم يثنها عن استكمال الطريق، مؤكدة أنها تريد الوصول للنقطة التي وضعتها أمام عينيها، وهي العمل كمدربة غطس، قائلة"أنا عندي حلم وطول ومش عارفة أنا حواجه إيه بس مكملة"، مشيرة إلى أن تكلفة التدريب ارتفعت عقب تعويم الجنيه.
ولفتت إلى أن الأهل دائما ما يرفضون مثل هذه التجارب في العمل والتي تضطر الفتاة للانتقال لمدينة أخرى، وأنها واجهت ذلك الأمر في الأشهر الأولى، وحتى الآن تعاني من ضغط بعض المقربين على والدها لمحاولة إعادتها إلى الإسكندرية، إلا أنه يؤكد على ثقته فيها، موضحة أن خوف البنت من خوض التجربة هو المشكلة الأكبر وأن القرار لابد أن يكون في يدها.
وأوضحت أنها تشعر في بعض الأوقات بسعادة والدها بحفاظها على ما تربت عليه واستمرارها في التدريب والعمل، معلقة: "أنا طالما فيا عمر حكمل أنا عندي شغف لحاجة حفضل ورا الشغل لحد ما أوصل للي أنا عوزاه".
تابع أخبار مصر