العرب في «البحر الميت».. قمة الخوف من التنازلات

قمة عربية

قمة عربية جديدة.. تمثل نظريًّا أكثر من 500 مليون مواطني عربي -حسب إحصاء لموقع "آراب ويزر".. العرب بهمومهم وشجونهم وحروبهم وفقرهم وثرائهم يفترض أنَّهم في الأردن.. لكنَّ القمة بقدر ما تبدو جاذبة في الدعوة إليها في الإشارة إلى الوحدة والتضامن لكنَّ وجوهها وطقوسها تؤشر إلى تنازعٍ واختلافات في قضايا العرب الجوهرية.

 

غدًا الأربعاء، تستضيف الأردن قمة العرب بالبحر الميت في دورتها الـ28، وتنعقد في وقتٍ يتطلع فيه مئات ملايين العرب إلى نتائج حاسمة لتغيير الأوضاع على الأرض لواقعهم الموصوف بـ"المضطرب" منذ سنوات، ففي سوريا مئات آلاف القتلى وملايين النازحين، وفي العراق قتلى عديدون ونازحون كثيرون، وفي اليمن كذلك، وفي ليبيا تناحر عنيف، والمشترك في ذلك معاناة الشعوب.

 

انتقادات عديدة وجِّهت إلى الدورات السابقة من القمة العربية على اختلاف الزعماء المشاركين فيها، فهذه الدورات - كما يرى دبلوماسيون ومحللون - لم تأتِ بجديدٍ ولم ترصد ما يعانون منه على مر السنوات، وصلت إلى حد الخوف من تقديم تنازلات.

 

الجامعة.. سجادة أزمات

 

السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق تحدَّث لـ"مصر العربية" عن القمة، فقال إنَّه "لا يوجد أسوأ من الظروف الحالية لتنعقد قمة عربية"، لافتًا إلى هذه الدورة لن تؤدي إلى جديد بسبب ظروف المنطقة.

 

مرزوق أضاف: "لو هناك إرادة سياسية واضحة لكان من الممكن أن تكون هذه بداية جديدة، لكن النظام العربي فقد محتواه والجامعة العربية لم تعد تمثل تنظيمًا إقليميًّا".

 

وأشار إلى أنَّ القمة في دورتها الحالية قد تؤدي إلى تنفيذ بعض المخططات التي يتم إعدادها في الغرب وبخاصةً القضية الفلسطينية لا سيَّما في ظل الحديث عن مشروع جديد تتم بلورته من أجل حل هذه القضية، معربًا عن تخوفه من أن تتم تسويتها دون مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني.

 

وتابع: "لا يوجد مفتاح لحل أزمات المنطقة العربية، وللأسف العداء يقع بين الدول العربية وبعضها وليس بين العرب والغرب وهذا ما يسبب الانقسام الكبير".

 

مرزوق يقول: "النظام العربي هو حاصل جمع أنظمة الحكم في الدول العربية، وهذه الأنظمة في أغلبها استبدادية وليس لديها حلول لمشكلاتها، وبالتأكيد فإنَّ هذا الفشل لن يؤدي إلى شيء".

 

وقارن "السفير الأسبٌق" بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، معتبرًا أنَّ "الأخير" له دور وتأثير أقوى من الجامعة، مفسِّرًا ذلك بالقول إنَّ هذه الدول باتت أكثر توجُّهًا نحو الحريات والعمل الجماعي.

 

ومواصلًا انتقاد الجامعة، قال مرزوق: "الجامعة العربية سجادة حمراء للأزمات في دول المنطقة، ومثال على ذلك العراق وليبيا، وإذا صلحت النوايا فمن الأفضل إعلان وفاتها وبدء جمعية تأسيسية بآليات جديدة لخدمة قضايا المنطقة".

 

وقلَّل مرزوق من جدوى انعقاد القمة الحالية، مؤكِّدًا أنَّها لن تأتي بجديد في ظل الوضع العربي الراهن.

 

 

لنجاح القمة شروط

 

أمَّا الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فقد أشاد بالإجراءات التحضيرية للقمة الحالية، وقال لـ"مصر العربية": "التحضيرات للقمة جيدة شكلًا، ونلحظ ذلك في نسبة الحضور، والمشاركة فيها مبشرة إلى حد كبير لا سيَّما حضور ملك المغرب بعد سنوات من الغياب".

 

فهمي رأى أنَّه لن يكون هناك توافق في القضايا العربية، وبرَّر ذلك بقوله إنَّ الخلافات أصبحت هيكلية، مشدِّدًا على ضرورة اتخاذ القمة قرارات فاعلة، مؤكِّدًا أنَّ ما وصفها بـ"أنصاف الحلول" لن تجدي نفعًا.

 

وتحدَّث عن قضايا المنطقة قبل انعقاد القمة، فلفت إلى ضرورة تدوير القضية الفلسطينية بحيث يتم اتخاذ موقف موحد للقضية أو إعادة تأكيد لـ"المبادرة العربية".

 

وعن الوضع السوري، أوضح أنَّ هذا الملف سيكون محل طرح في القمة، متوقعًا أن يتم التوصل إلى التوافق والموائمة لا سيَّما في ظل الحديث عن تورط دول عربية "لم يسمها" في الأزمة الدائرة هناك.

 

وفيما يتعلق بالأزمة في اليمن، أكَّد ضرورة أن تتوسط الجامعة بشكل مباشر لحل الأزمة، داعيًّا سلطنة عمان لتأدية دورٍ لإنهاء القتال.

وليبيًّا، أوضح أنَّ القمة يجب أنَّ تدعو إلى رفع حظر السلاح بما يمكِّن من سرعة القضاء على العناصر المتطرفة، مشدِّدًا على أهمية دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد. 

 

فهمي شدَّد على ضرورة أن تراجع القمة العلاقات بين مصر والسعودية ودول الخليج والعراق لحل الخلافات سريعًا، معتبرًا أنَّه إذا ما نجحت القمة في التوصل لهذه المصالحات ستكون القمة ناجحة.

 

وعن إيران، قال: "هناك أطراف عربية تسعى لإجراء حوار مع طهران بشكل مباشر والعمل على عدم الصدام بينهما ودعوة إيران لعدم التدخل في شؤون الدول العربية".

 

فهمي حدَّد شروطًا لنجاح القمة، فقال إنَّه يجب اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، وعدم الإغراق في التفاؤل بشأن ما يمكن أن تصل إليه، فضلًا عن عدم إتاحة الفرصة لقوى إقليمية للتدخل في الشؤون العربية.

 

قمة.. مثيرة للاستهزاء

 

يحيى نجم سفير مصر السابق لدى فنزويلا هاجم الدورة الحالية للقمة، وقال لـ"مصر العربية": "القمة لن تختلف عما سبقها، فهناك صراع مستمر في الوطن العربي، وللأسف كل دورات القمة العربية لم تصل إلى التطلعات.. فمعاناة الشعوب والحل يأتي من الخارج".

 

نجم تحدَّث عن تحكمات تمارسها بعض الدول، "لم يسمها"، بالتدخُّل في إجراءات الجامعة، لافتًا إلى أنَّ الأمور في المنطقة "متلبسة والجامعة لم تفعل شيئًا".

وأضاف: "الجامعة العربية أصبحت مسخرة ومحل استهزاء كبير، ولا تتخذ قرارات يتطلع إليها المواطن العربي، وعلى مسؤوليها أن يدخروا النفقات التي تدهر على انعقادها.. الأنظمة العربية ضعيفة وهناك منها من وصل إلى حد التآمر ضد الوطن العربي".

 

وعن السبب وراء ما يراه "ضعفًا" في الجامعة، أجاب قائلًا: "يسأل الزعماء العرب عن السبب في ذلك وأيضًا أمين الجامعة العربية ومسؤولوها الذي يتقاضون الآلاف شهريًّا ولا يفعلون شيئًا".

 

حبر على ورق

 

الباحث في الصراع العربي الإسرائيلي الدكتور خالد سعيد قال إنَّ القمة تنعقد في وقتٍ وصفه بـ"المتأزم"، مشيرًا إلى أنَّ القضية الفلسطينية ستكون محور اهتمامات القمة، لا سيَّما زيارتي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قبل أيام.

 

وأشار إلى أنَّ القمة ستناقش أيضًا الأزمة في سوريا، وإمكانية قبول التواجد الروسي على الأرض هناك أكثر من ذلك، فضلًا عن آلية التفاهم مع الولايات المتحدة في هذا الشأن.

 

وعن جدوى القمة، يقول سعيد: "هذه القمة حبر على ورق.. يتحدث القادة العرب في أمور كثيرة لكن لا يوجد أي جديد.. الدول العربية أضعف ما تكون قادرةً على التدخل الفعلي في هذه الأزمة لإنهائها ووقف معاناة الشعوب".

 

توافق

 

استضافة الأردن للقمة تأتي بعد اعتذار اليمن عن ذلك منتصف أكتوبر الماضي؛ نظرًا للأوضاع الميدانية والسياسية.

 

وفي ختام اجتماعاتهم بمنطقة البحر الميت أمس، توافق وزراء الخارجية العرب على تبني كل البنود المطروحة على جدول الأعمال، تمهيدًا لرفعها إلى القادة العرب في قمتهم.

 

وزراء الخارجية أقروا تفعيل مبادرة السلام العربية والتزامهم بها، ورفضوا ترشيح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن لعام 2019 و2020، كما أدانوا التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العربية.

 

"الجزيرة" ذكرت أنَّ هناك 27 مشروع قرار أقرها وزراء الخارجية العرب وأحالوها للقادة، لافتةً إلى أنَّ القضايا المطروحة على القمة لا تختلف كثيرًا عما عرض على القمم السابقة، واعتبرت أنَّ ما يميز هذه القمة هي المشاركة الواسعة للزعماء العرب.

 

الحضور  

القمة يحضرها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والمغربي الملك محمد السادس، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، والرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادين، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ورئيس جمهورية القمر المتحدة غزالي عثماني.

 

 

الغياب   

ويغيب عن القمة سلطان عُمان قابوس بن سعيد "لأسباب غير معلنة"، فيما يمثل السلطنة أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء العماني لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان قابوس بن سعيد.

 

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لدواعٍ صحية ويمثل بلاده رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح.

 

رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لدواعٍ صحية ويمثل بلاده الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.

 

الرئيس العراقي فؤاد معصوم لأسباب غير معلنة ويمثل بلاده رئيس الوزراء حيدر العبادي.

 

ليبيا "بلا رئيس" ويمثلها فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية.

 

رئيس النظام السوري بشار الأسد لتعليق عضوية بلاده في الجامعة العربية على خلفية الصراع القائم في بلاده منذ 2011.

 

ميثاق الجامعة

 

وتنص المادة الـ11 من ميثاق جامعة الدول العربية على "أنَّه يمثل حضور ثلثي الدول الأعضاء النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد أي دورة للمجلس".

 

وتنص المادة الثانية على "أنَّه يتألف مجلس الجامعة العربية من ثلاثة مستويات، الأول على مستوى ملوك ورؤساء وأمراء أو من يمثلهم على مستوى القمة، والثاني على مستوى وزراء الخارجية أو من ينوب عنهم، والثالث على مستوى المندوبين الدائمين. 

 

وجوه جديدة

الرئيس اللبناني ميشال عون، والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو

 

ضيوف

 

أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ومبعوث شخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين "نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوجدانوف، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني، ورئيس البرلمان العربي مشعل السلمي، ومبعوث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومبعوث للحكومة الفرنسية.  

مقالات متعلقة